أكد نائب رئيس الوزراء اليمني وزير الخارجية السيد عبدالقادر باجمال ان "باب المساومة مفتوح" بين المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم والحزب الاشتراكي، لكنه شدد على رفضه المساومة المجانية. وقال في حديث الى "الحياة" ان الأمين العام للحزب الاشتراكي علي صالح عباد مقبل "لم يفهم الرسالة" التي وجهها اليه حين أكد الاستعداد ل"تسليفه" عشرة في المئة من أصوات النواب لتمكينه من خوض الانتخابات الرئاسية كمرشح، علماً ان البرلمان لم يمنح "مقبل" التزكية. واعتبر باجمال ان من حق "المؤتمر" تحريض الاشتراكيين على الالتحاق به، رافضاً "نبش الماضي لأننا لسنا دعاة فتنة"، ومشيراً الى أن شروط المساومة هي "الثوابت الوطنية" والاعتراف بالبرلمان واتخاذ موقف من "قادة الانفصال". وأقر بظاهرة الفساد في اليمن وتفشيها لكنه رأى ان تضخيم الفساد مزايدة، كما انتقد مقاطعي الانتخابات الرئاسية التي اجريت أول من أمس بالاقتراع الشعبي المباشر. وهنا نص الحديث: تجربة الانتخابات الرئاسية الخميس، كيف تقومونها؟ - في ظروف تاريخية معينة تكون للحدث قيمة أكبر مما تكون في ظروف أخرى، والحدث اليمني في هذه المرحلة ينبغي أن يثمن تثميناً كبيراً جداً لأننا نؤسس عهداً جديداً لمسيرة وطنية كبيرة، يجمع المصير الكامل للشعب اليمني في صنع التاريخ. عندما يستقر النظام السياسي على أسلوب وطريقة معينة يسير عليها، تؤمن له ظروفاً أكثر طمأنينة له وللناس. بالنسبة الى الناس، لا أحد إلا ويريد الاستقرار، وهذا لا ينتجه إلا نظام سياسي ديموقراطي يعتمد على تبادل سلمي للسلطة. كلما ذهب الخوف من قلوب الناس واطمأنت الى استقرار الأوضاع كلما شعرت بأن الجيل المقبل سيكون وضعه أفضل. الخوف من ماذا؟ - عندما لا يكون هناك استقرار في مسألة التداول السلمي للسلطة، الخوف من الانقلابات العسكرية ومن استخدام وسائل غير ديموقراطية، أي الدخول في متاهات الوصول الى السلطة بعيداً عن صناديق الاقتراع والمنافسة ووسائل الاختيار الحر. أما نحن فبعد خمس سنوات سنكرر تجربة الانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وبعد عشر سنين سيكون هناك مرشحون اخرون ليس من بينهم الرئيس الحالي بموجب الدستور يحق له أن يترشح لولايتين فقط، أي صار بامكاننا أن نتصور حياتنا السياسية لعشر سنين مقبلة. وهناك شعوب لا تعرف ما هو مصيرها غداً، ما زالت محكومة بالمفاجآت وحالات الطوارئ. ما مر به اليمن كان يثير الخوف، ففي سنة واحدة قتل ثلاثة رؤساء سالم ربيع علي والحمدي والغشمي. التفجيرات التي استهدفت مراكز انتخابية، في الضالع خصوصاً، ألا تعكس استياء فئة من الانتخابات وتغييب المعارضة؟ - أولاً هذه حالات فردية، ولم تكن خلال الاقتراع بل قبل فتح المراكز الانتخابية. ثانياً، في كل مجتمع هناك الصالحون والسيئون، هناك مهووسون وناس فقدوا سلطة ولا يرون في السلطة الا المدفع والبندقية، وهذا يخلق نوعاً من التشنجات. تقصد الحزب الاشتراكي؟ - الاشتراكي على رأسهم. ليست لدي ضغينة، اختلفنا معهم اختلافاً شديداً، لكن التفكير لدى الحزب الاشتراكي ما زال احادياً لم يأخذ في الاعتبار أبعاد اليمن في الزمان أو المكان، أي انه يرقص على إيقاع آخر غير ايقاع العصر وما زال أسيراً لأفكار ضيقة، ليست لديه روح الانفتاح، والسبب بسيط وهو أن الحزب لم يجرب بعد في داخله الديموقراطية، ولم تجربها قياداته الحالية، هي موجودة منذ العام 1985. ولنتصور أن حزباً لا يغير قياداته خلال 14 سنة... منذ كانوا في السلطة في دولة الجنوب الشطرية الى اليوم في دولة الوحدة، أي انهم حرموا جيلاً، كان يمكن أن يظهر لو وجد تسلسل لانتخابات اللجنة المركزية للاشتراكي، ولتغير هذا الحزب. والنقطة الثانية، الاشتراكي لم يفهم لغة التكتيك السياسي. "مقبل" قال ان عبدالقادر باجمال ذكر انه سيسلّف يقرض الاشتراكي عشرة في المئة في البرلمان لتزكية الأمين العام للحزب علي صالح عباد - مقبل لانتخابات الرئاسة. وان رئيس الوزراء أراد تصحيح هذا المفهوم، وتأكيد عدم اعطاء هذا الوعد رسمياً. لم يفهم "مقبل" الرسالة، فأنا قلت في ندوة اننا مستعدون لنسلِّف، ولكن لا أحد يسلف مجاناً. فليدخل في حوار معي ليعرف الشروط، ولنتفاهم. إذا أردت قرضاً مني فاخضع لشروطي. لم يفهم "مقبل" الرسالة وأن باب المساومة مفتوح، لأن عقله شمولي. وكي تقنع مجلس النواب باعطاء عشرة أصوات له لتزكيته يجب اقناع النواب بأن مقبل سيعترف بهم، ولن يلجأ الى لغة تمس الوحدة الوطنية، وسيثبت انه ضد اعلان قياداته الانفصال. لكن الاشتراكيين يتهمونكم بأنكم ترفضون مبدأ الحوار معهم. - حين أقول انني مستعد لتسليفه الاشتراكي فمعنى هذا انني اعطيته وعداً بتقديم النتيجة النهائية للحوار. أليس هذا عرضاً مغرياً كي يدخل اللعبة الديموقراطية؟ ليس بشروطه بل بشروط الثوابت الوطنية. وماذا عن مقاطعي الانتخابات؟ - ليس من حق الشخص ان يتخلى عن حقه في اختيار الحاكم، ونحن لا نلوم أحداً، لكنني اعتبر أن الذين قاطعوا أو دعوا الى المقاطعة ليسوا ديموقراطيين. فإذا لم يعجبهم مرشح فلينتخبوا الآخر، أو يقولوا لا للاثنين، والمهم المشاركة في التصويت لأن الديموقراطية شراكة، وصندوق الاقتراع هو مدرسة للتعلم، اما ان تقول للمواطن قاطع الانتخابات فمعنى ذلك أن يبقى جاهلاً اللعبة الديموقراطية، كي يتسنى التحكم به باعتباره تابعاً أعمى. هناك كثيرون في المكتب السياسي للاشتراكي ولجنته المركزية وقواعده ومن مثقفيه ادركوا ان المقاطعة خطأ، وأمس أول من أمس بعد الظهر عبّرت قيادات في الحزب في حضرموت عن امتعاضها من قرار المقاطعة البائس. أي خرقت القرار؟ - نعم، واتصل هؤلاء بقيادة المؤتمر الشعبي مؤكدين مشاركتهم في الاقتراع. وهل يمكن ان نعرف اسماءهم؟ - كثيرون، لكن المشكلة اذا ذكرنا اسماء أنهم سيتضررون، فذلك الحزب الاشتراكي شمولي وسيسحقهم. اقر بأن مساومة حصلت معهم، وقبلوها. وما المقابل؟ - ان نقبلهم اعضاء في المؤتمر الشعبي في اليوم الذي يخرجون من الاشتراكي إذا أضرهم، فلا يكونون تحت رحمة أحد. إذاً هل تحرضون الاشتراكيين ليلتحقوا بالمؤتمر؟ - هذا من حقنا، بضاعة سياسية. وصفت الاشتراكيين بأنهم مهووسون... - بعضهم، ولا أصف حزباً بالهوس، والدليل وجود العقلاء الذين خرقوا قرار مقاطعة الانتخابات، ونشكرهم باسم الوطن، اذ مارسوا حق صنع المستقبل. نحن مقبلون على انتخابات نيابية في عام 2001، واذا مارس الاشتراكي اللعبة ذاتها فانما يفني نفسه. لا نريد افناء الاشتراكي بل ان يتقن العمل الديموقراطي. بشروطكم؟ - لا، بشروط قاعدة أساسية: شرف الغاية من شرف الوسيلة. وأقول لهم انهم عاجزون عن الفهم الصحيح للنظرية التي يتمسكون بها، وعليهم العودة الى مثال بسمارك وتوحيد المانيا. قبل الانتخابات ومع الاقتراع طرحت تساؤلات كثيرة عن طبيعة "الصفقة" التي أبرمت مع تجمع الاصلاح لتمرير هذا الاستحقاق. - لا صفقة، ولو كانت كذلك لما تمت على النحو الذي رأيتموه. "الاصلاح" اعلن ترشيحه الرئيس علي صالح قبل أن يعلن المؤتمر الشعبي موقفه. واعتقد ان الاصلاح يفهم تماماً أن من أهدافه الرئيسية تنمية وضعه كحزب قبل ان ينمي طموح أفراد في هذا الحزب بالترشيح. للاصلاح تاريخ، ولم يظهر فجأة في الساحة السياسية، والصفقة لم تحصل رسمياً أو في شكل غير رسمي. ففي اليمن لا يمكن اخفاء الأسرار. كل ما حصل هو توافق بين المؤتمر والاصلاح في مسألة التبادل السلمي للسلطة. ألم يكن الأفضل تعدد المرشحين لخلق منافسة جدية، مثلاً ان يكون للاصلاح مرشحه؟ - ليس بالضرورة، وهناك فارق كبير بين غياب المرشح الخاص وبين مقاطعة الديموقراطية. في هذه المرحلة هناك استحقاقات وطنية، اقتصادياً وتربوياً وثقافياً، لا يمكن ان تواكب إلا في عهد الرئيس علي عبدالله صالح. فهو الذي صنع الوحدة ودافع عنها، والتبادل السلمي للسلطة ليس لعبة كراس في مسرح، هناك مسؤوليات واستحقاقات وطنية، ولا نريد القفز الى المجهول، أو المكابرة حباً بالتغيير فقط. ولكن أليس صحيحاً ان اليمنيين منقسمون، بين معارضة تعتبر نفسها مسحوقة ومغيّبة عمداً منذ انتهاء الحرب، وبين الحكم و"المؤتمر" وحلفائه؟ - أشك في أن هذه المعارضة متفقة في ما بينها، وفي داخلها كأحزاب، والدليل انه لو كان الحزب الاشتراكي مثلاً، وهو رئيس كبير للمعارضة أو كبيرهم الذي علمهم السحر، يؤمن بالديموقراطية فليطبقها على نفسه وليرفع الفيتو عن أفراد داخله لا يسمح لهم بأن يكونوا في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية، وليتح فرصة لأكثر من رأي. هم يقولون أنهم مسحوقون؟ من الذي منعهم من خوض الانتخابات النيابية عام 1997؟ هم منعوا أنفسهم، وشريكهم "الوحدوي الناصري" خاض الانتخابات، اذاً هل كانوا موحدين في الرؤية؟ عام 1997 رفضوا الاشتراكيون دخول الانتخابات، فعزلوا انفسهم. الآن هم مع بعضهم بعضاً مختلفون، وبينهم ما صنع الحداد، ولا داعي لنكأ الجروح. اثناء سيطرة الاشتراكي، يعرف الناصري والبعثي كم كان هذا الحزب رحيماً بهؤلاء الناس. ولن ننبش الماضي، فلسنا دعاة فتنة. أبسط شيء ان نختبر انفسنا، نقول له الاشتراكي حسناً فلنعطِك العشرة في المئة النيابية للترشيح، والمعنى ان نقول ان الحزب ليس مرفوضاً، ولكن تعطى في طار مساومة تاريخية ومفاهيم مشتركة، ولا تعطى الأصوات ليستغلها ضد السلام الاجتماعي او وحدة الناس. وهل ما زلتم مستعدين لهذه المساومة؟ - هذا يتوقف على الاشتراكي. بشروطكم؟ - بشروط التيار الديموقراطي والوحدوي داخل الحزب، اذا اتيح لهذا التيار ان يأخذ مكانه. فهِم من كلام الرئيس علي صالح يوم الاقتراع انه يلمح الى بداية مرحلة جديدة مع المعارضة. - لا شك في ذلك، وهذا يشمل السلطة ايضاً. فالانتخابات الرئاسية اجريت على اساس برنامج مطلوب تنفيذه، وبالتالي هناك استحقاقات سياسية واقتصادية واجتماعية، ولا معنى لانتخابات ان لم تنتج عنها استحقاقات. ما قاله الرئيس صحيح، ولن نقف كما نحن لابقاء الصورة كما هي، بل سنسعى الى تعاون واسع وقواسم مشتركة واتقان دورة التنافس الديموقراطي. فنحن مقبلون على انتخابات محلية تتطلب اقرار قانونها، وهناك الانتخابات النيابية المقبلة، وينبغي بالتالي ان نفهم اننا منفتحون على افكار ورؤى جديدة، والأمر يتوقف على الطرف الآخر، فاذا كان لا يرغب لا احد سيرغمه على تفاهم وتصالح. وكما في التنس وتتطلب اللعبة وجود طرفين. معركة انتخابات الرئاسة لم تبدُ عادلة، وكثيرون من المقترعين قالوا انهم لا يعرفون نجيب قحطان الشعبي، بصرف النظر عن سجله وسمعته، لا يعرفونه كصاحب تجربة في العمل السياسي. - وهل يفترض نزع صفات الرئيس وخبرته لتقديمه كمرشح؟ "مقبل" مثلاً لم يتول في حياته اي ادارة، ولم يعمل في الدولة منذ الاستقلال. هو حزبي يتكلم على شيء يجهله. وحين قدم نفسه للبرلمان ليترشح للرئاسة طرح نظريات مثل رغبته في الغاء وزارات الاعلام والخدمة المدنية والأوقاف، والغاء البرلمان نفسه والاستعانة بما سماه مجلس شورى انتقالياً. اي ان يعيدنا الى المربع الأول عام 1962، عشية ثورة سبتمبر، ويعيدنا الى الملكية وغيرها. فكيف يمكن قبوله وهو يرغب في نسف الدستور؟ "مقبل" ليس رجل دولة. طرحوا الاشتراكيون تغيير النظام الانتخابي من صوت واحد لرجل واحد الى برنامج القائمة، ثم فكرة دورتين انتخابيتين، وقلنا مثال الجزائر واضح، واذا لم يحصل من في السلطة على خمسين في المئة في الدورة الاولى يلغون الثانية. نحن نرفض العبث الفكري، ويجب ان تكون له حدود. هل تتوقعون تغييراً حكومياً بعد الانتخابات؟ - ليس بالضرورة، والتغيير في أي وقت حق يمتلكه الرئيس. الجميع في اليمن يتحدث عن حملة ضد الفساد، من دون ان يتحدد المسؤول عنه. - ورثنا نظامين سياسيين، احدهما شمولي والآخر بيروقراطي، لم نعرف الشفافية الا في ظل الديموقراطية، وليس هناك مجتمع في العالم يتسم بنقاء كامل. حين نقول فساد فذلك لا يعني ان كل شيء فاسد، بل اقراراً بوجود الظاهرة، اما تضخيم الفساد فمزايدة مرفوضة، وكلما اتسعت الديموقراطية قضينا عليه، والمهم تجفيف منابعه وتعزيز الدور الرقابي من خلال السلطات المحلية. وهل انتم مستعدون لمحاكمة وزراء اذا ثبت ضلوعهم بفساد؟ - ولماذا لا… هناك قانون ودستور، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ومستعدون ان نزود الرقابة ما تريد شرط عدم اطلاق الأحكام من دون بيّنات كافية لفتح تحقيق. كنتم طلبتم من الحكومة البريطانية تسليم "ابو حمزة المصري" المسؤول عن هيئة "انصار الشريعة" في لندن، الذي تتهمونه بالارهاب وبعلاقة مع زعيم ما يسمى "جيش عدن - أبين الاسلامي". - تركنا الأمر للحكومة البريطانية ولم نطالب بتسليم ابو حمزة عبر الانتربول. وهو بات يحب التهمة، حتى كاد يدعي مسؤوليته عن تفجيرات موسكو. انها آخر موضة، واعتقد ان ابو حمزة رجل معقد تتحكم به عقد النقص. طلبنا تسليمه له مسوّغ سياسي، اما المسوْغ القانوني فتدرسه الحكومة البريطانية. وسيناقش مجلس العموم في دورته المقبلة شكلاً من ممارسات شخص مثل ابو حمزة، ليتخذ قراراً على المستوى التنفيذي. ونكرر ان هذا الشخص لن يفسد علاقاتنا مع بريطانيا، والتي نحتاج الى تعزيزها، وان كان ما يفعله يضر بأمن اليمن وبلدان اخرى.