كون جبهة "بوليساريو" لم تنفذ تهديداتها بمعاودة حمل السلاح لا يعني ان قضية الصحراء انتهت. ما انتهى عملياً هو التفكير بمنطق الحرب، وأصبح بالامكان ترجيح الحل السياسي الذي لا يأتي هذه المرة على خلفية القتال، بل وفق اقتناع بأن منطق السلام يمكن ان يحقق ما لا يستطيعه أي خيار آخر. لا أهمية لمناقشة خلفيات عدم تنفيذ التهديدات أو التوعد بانهاء وقف النار في الصحراء، فالاعتقاد السائد ان المنطقة اضعف من ان تستوعب الاشتعال، لأن اخطاره لن تغوص في رمال الصحراء فحسب بل قد تجر المنطقة برمتها الى حافة التدهور. والحال ان هذه المغامرة تبدو غير مقبولة، وان كان ثمة من يراهن على تسليم الكلمة للعسكريين وفق حسابات تعتبر التصعيد طريقاً الى التهدئة. كان صعباً على الجزائر التي تؤوي تجمعات "بوليساريو" ان تقبل هذه المرة انطلاق هجمات من قواعد يفترض انها تابعة لنفوذها الترابي، خصوصاً أن تحسين علاقاتها مع المغرب نهاية الثمانينات ارتبط بنهاية حرب الصحراء، أو الأصح بإقرار الأممالمتحدة خطة التسوية التي بدأت عبر سريان وقف النار، وشكل صدور تهديدات "بوليساريو" عشية لقاءات مغربية - جزائرية نوعاً من الاحراج لها، أقله ان مقولة وضع الصحراء بين قوسين لا تعني انفلاته عسكرياً. وكان صعباً على المغرب ان ينظر الى تلك التهديدات لمجرد انها ذات طابع دعائي، ما يعني ان ابداءه كل الاستعداد للمواجهة اصبح واقعاً، وربما كان ذلك في مقدم الأسباب التي جعلت بعثة الاممالمتحدة في الصحراء تخرج عن صمتها وتحذر من الأخطار المحتملة. لكن الوضع الأصعب كان من نصيب "بوليساريو"، واذا تم تصديق ان الولاياتالمتحدة تدخلت فعلاً للحؤول دون تنفيذ تهديدات الجبهة، فإن ذلك يحتمل أن مَن لا يقبل الآن التصعيد لا يمكن ان يرتاح إليه مستقبلاً، علماً ان الوسيط الدولي جيمس بيكر غير البعيد عن تصورات واشنطن، اكد مرات ان لا بديل عن الحل السلمي. تضاف الى ذلك المقاربة الاميركية لجهة اقامة شراكة واسعة مع كل من المغرب وتونس والجزائر، تظل رهن سيادة الأمن والسلام والاستقرار، في حين ان الموقف الأوروبي لم يحد عن ذلك المسار، أقله رفض الاذعان لأي مساومة يمكن ان تقود الى الضغط، وبدا للمرة الأولى ان تهديدات ضد رعايا أوروبيين لا تثير ردود الفعل المعتادة. بصرف النظر عن أي مكسب أو اخفاق لهذا الطرف أو ذاك، فإن عودة نزاع الصحراء الى الواجهة كانت مرتقبة، كون الولاية الحالية لبعثة "مينورسو" والتي تمتد الى نهاية الشهر المقبل، تبدو مختلفة عن سابقاتها، اذ سيكون على الأممالمتحدة ان تحسم في مسار تعاطيها والقضية، ان لجهة فرض الاذعان لخطة الاستفتاء المتعثر منذ حوالى عشر سنين، أو لجهة إقرار حل سياسي بديل، بالتالي فالتهديدات هذه المرة قد تصدر عن المنظمة الدولية بعد نفاد صبرها. وكان تحذيرها من خرق وقف النار انذاراً متشدداً يتجاوز ابعاد العودة الى حمل السلاح نحو تجسيد صيغة اخرى للتعاون. وبكل الحسابات لا يحمل استفتاء الصحراء تسوية نهائية للنزاع، وسواء كانت النتيجة لمصلحة المغرب او "بوليساريو" سيكون هناك رافضون لها، ما يعني ان كسب مساندة الغالبية لا يحسم الخلاف على مستقبل الاقليم، وفي قضايا السيادة يكون اجدى البحث عن الاجماع، لأن الموضوع يرتبط بمصير دائم، وليس بفترة انتخابية محددة. وربما لهذا السبب بالذات أصبح ما يعرف ب"الحل الثالث" اقرب الى التفهم، لكن رعايته من الأممالمتحدة تضفي عليه صفة الالزام الدولي. الأرجح ان تهديدات "بوليساريو" جاءت رداً على الصيغة التي تضمنها القرار الأخير لمجلس الامن في شأن منح "الصحراويين" وليس الجبهة صلاحيات تتلاءم والقانون الدولي في ادارة الشؤون المحلية، لكن لا يوجد ما يؤكد ان بوليساريو وحدها تمثل الصحراويين، والا لما كانت الحاجة الى استفتاء، وعمليات تحديد الهوية واجراءات التأهيل لمعرفة مَن لهم حق الاقتراع. وفق هذا المنطق تكون التهديدات اعلاناً عن وجود وليست رغبة في الحرب، لكن رفض الأممالمتحدة هذا المنطق يعني ان اثبات الوجود عن طريق الحوار خيار مقبول، وذاك عنوان المرحلة الجديدة في نزاع تجاوز ربع قرن.