بعد رحيل رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الإمام الشيخ محمد مهدي شمس، يطرح السؤال عمن سيتولى الامانة التي حملها الراحل ومن قبله الامام موسى الصدر، وذلك في اصعب الظروف التي مر بها لبنان والمنطقة، وعن القدرة على متابعة العمل الذي قام به على الصعيدين اللبناني والعربي عموما وعلى صعد الطائفة الشيعية خصوصاً. راجع ص 4 تميز الشيخ شمس الدين بين النخبة الدينية في لبنان والعالم العربي بالجمع بين الاجتهاد الفقهي والاهتمام السياسي والعناية بالشأن العام العربي والاسلامي، مما أتاح له ان يؤدي دوراً بارزاً في الربع الاخير من القرن الماضي، بعد تغييب الإمام موسى الصدر العام 1978. واستطاع عبر الاعتدال ان يكون محاوراً لسائر الاطراف، في وقت طغى صوت الرصاص على التسامح والمحبة والانفتاح. فهو تمكن من اداء دور بارز في ابقاء الطائفة الشيعية تحت لافتة الدولة، على رغم ما كان له من انتقادات للنظام السياسي اللبناني، حرص على صوغها في خطاب بعيد من الاثارة، وان اضطر احياناً، عند احتدام الوضع، الى ايصال كلمته لمن يهمه الامر، بأسلوب قوي، لكن بعيداً من اسماع الرأي العام. وعلى الصعيد الايراني، كان شمس الدين اظهر حرصاً على عدم خدش التجربة الداخلية في ايران، على رغم تميز اقتناعاته الفقهية من خلال مقولته بولاية الأمة على نفسها. وأبدى دائماً حرصه على الا تمتد التجربة في شكل عشوائي الى لبنان لظروفه وخصوصيته غير المطابقة لما هو قائم في طهران، مع تأكيد عدم تعريض التجربة الايرانية لأي خلل قد يدفع ثمنه الشيعة خصوصاً، والمسلمون عموماً في لبنان. هذه الجانب في تفكيره اعطى دفعا لادواره العربية والإسلامية. فقد استبشر الشيخ شمس الدين، الذي اعتبر العلاقة مع سورية خيارا استراتيجيا، خيراً بالانفتاح الايراني على دول الجوار في الخليج العربي. وكان له دور في هذا المضمار، تماماً كدوره في دعوة الشيعة في لبنان وفي الدول العربية الى الانخراط في مشروع الدولة والابتعاد عن اي مشروع مغاير يمكن ان يفسر كأنهم يتطلعون الى إقامة كيان مستقل. وهذا ما سمح له بتبديد الاشكالات التي كانت قائمة بين الشيعة والآخرين في عدد من الدول العربية. ويبقى السؤال: هل ينجح الشيعة في لبنان، في اختيار الخلف الذي يشكل امتداداً للشيخ شمس الدين، وبذلك ينجحون في التغلب على الفراغ؟. ثمة من يعتقد ان الاتجاه السائد يميل الى تمديد المرحلة الانتقالية بتولي نائبه الشيخ عبدالأمير قبلان مهمات الرئاسة ريثما يتم التوصل الى توافق شيعي، يأتي بخلف الى رئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى. وقد تفرض هذا التأجيل اعتبارات قانونية ومؤسساتية. وأبرز الاسباب التي تجعل من الصعب توقع من سيخلفه في سدة المجلس الشيعي ان الاسماء البديلة لن تظهر على وجه السرعة، وستبقى قيد التداول المحدود الى ان يتقرر تحديد موعد لانتخاب خلفه. ثم ان اختيار البديل سيكون موضع تجاذب سياسي بين القوتين الشيعيتين الاساسيتين: حركة "أمل" بزعامة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، و"حزب الله" مع انه اخذ يتراجع في المدة الاخيرة، وكاد يحجبه عن الانظار التعاون الدائم بينهما برعاية المجلس الشيعي، علماً ان للتجاذب ابعاده الاقليمية سورياًوايرانياً، لأنه دخل منذ مدة في دائرة التطبيع والتنسيق بدعم سوري وايراني. لكن هذا لن يمنع تعدد المرشحين، الى حين يستقر الرأي في نهاية المطاف على تزكية الخلف. فالفقيد كان حرص في احلك مراحل الاقتتال الشيعي - الشيعي في لبنان على عدم القطيعة مع احد من دون ان يغيب عن باله توجيه الانتقادات. فهو لم يقطع الشعرة مع "حزب الله"، وان كان يعتبر الاب الروحي لحركة "امل".