باقٍ من الزمن تسعة ايام، هي الأيام الاخيرة للرئيس بيل كلينتون في البيت الابيض. وبانتظار انقضائها نقلت واشنطن اهتماماتها من السياسة الى الأمن، فذكرت مصادر ديبلوماسية في واشنطن ل"الحياة" ان كلينتون غير متحمس لفكرة الاكتفاء بإصدار بيان رئاسي ينهي به جهوده لبلورة اتفاق نهائي فلسطيني - اسرائيلي، لأنه يعتقد ان خطابه يوم الاحد الماضي، الذي شرح فيه مقترحاته للسلام، هو بمثابة بيان رئاسي. وذكرت المصادر ان ادارة كلينتون تعلّق آمالاً كبيرة على وقف ما تسميه اعمال العنف الانتفاضة والعنف الاسرائيلي في قمعها، لأن استمرار ذلك يضرّ بحظوظ باراك الانتخابية، ولأن كلينتون لا يريد ان يغادر البيت الابيض في ظل وضع امني متردٍ، في منطقة أمضى ثماني سنوات يحاول ان ينهي الصراع فيها. راجع ص 4 وواجهت الادارة الاميركية امس حالاً من الإرباك، تجّلت في الاعلان عن موعد وصول المنسق دنيس روس الى المنطقة أمس الاربعاء ثم الاعلان عن تأجيل وصوله الى الخميس، ثم صدور تصريح رسمي عن مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية يعلن ارجاء الزيارة. وقالت مصادر الديبلوماسية ل"الحياة" ان تأجيل زيارة روس يعود الى فشل الاجتماع الامني في القاهرة اول من امس، وبانتظار نتائج اجتماعات امنية تقررت في لقاء خاص بين أمنون شاحاك رئيس الاركان الاسرائيلي السابق والرئيس ياسر عرفات في غزة، وبعد اتصال هاتفي من كلينتون مع كل من باراك وعرفات، سيتقرر اذا كان روس سيزور المنطقة ام يلغي زيارته نهائياً، خصوصاً ان المصادر الديبلوماسية نقلت عن روس انه يعتقد ان فرص التوصل الى اتفاق ما اصبحت ضئيلة. ويتوافق هذا الجو المرتبك اميركياً، مع جو مرتبك اسرائيلياً، اتخذ مظاهر متعددة. فعلى صعيد حزب ليكود ومرشحه لرئاسة الوزراء آرييل شارون، أدلى شارون بتصريحات اعتبر فيها ان اتفاقات اوسلو "ماتت"، ورأى مستشاره زلمان شوفال ان الوضع غير ناضج بشكل كافٍ لانجاز تسوية نهائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وعلّقت اولبرايت على تصريحات شارون قائلة: "اعتقد ان هذا الكلام خطأ ... نعتقد ان اتفاقات اوسلو أتاحت توفر الظروف لتسوية" اسرائيلية - فلسطينية. وانتقد المفاوض الفلسطيني صائب عريقات تصريحات شارون قائلاً "انها وصفة للحرب". شارون و"الحل الوسط" ويبدو ان ردود الفعل هذه جعلت شارون يقدم في مهرجان انتخابي حاشد مساء امس برنامجاً لا يستبعد السلام، إذ ركز طويلاً في خطابه على كونه "رجل سلام". ومع انه شدد على لاءات ثلاث "لا للسيادة الفلسطينية في القدس، ولا لسيادة فلسطينية في غور الاردن، ولا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين"، إلا انه قال ان السلام يتطلب "تنازلات"، معتبراً ان "لا سلام إلا بحل وسط". ولام شارون منتقديه بسبب ماضيه الاسود وقال ان هذه الحملة "تعطي الخارج الحجة ضده اذا استدعى الامر تصعيداً في المستقبل"، وشدد على "الاجماع الوطني". وفيما كرر انه سيسعى الى "حكومة وحدة وطنية" بعد فوزه، قال انه "لن يفاوض تحت ضغط اطلاق النار" في اشارة الى ما يفعله باراك، معتبراً ان اسرائيل "تظهر الآن كدولة مهزومة ومهانة". اما على صعيد باراك وحزب العمل، فقد اتخذ الارتباك منحى آخر، اذ لا تزال استطلاعات الرأي تشير الى تفوق شارون على باراك بشكل عام، وتفوقه عليه حتى في بلدة "توتشاف يائير" التي يسكنها باراك، ففي استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف" في هذه البلدة، أظهر الاستطلاع ان 62 في المئة يؤيدون شارون، و31 في المئة فقط يؤيدون باراك. وتلقى باراك لطمة اخرى حين اعلن احد مساعديه السابقين حاييم شاكيد انه يفضّل مرشحاً آخر قادراً على الفوز مثل شمعون بيريز. ولكن باراك ردّ غاضباً في بيان صدر عن مكتبه "تحت اي ظرف، وفي اي حال، لن يتخلى باراك عن السباق، وليس من حق احد ان يتحدث بالنيابة عنه في هذا الأمر". مواقف عربية ومع تعقد الأزمة بين اطرافها الرئيسيين، بدأ التحرك باتجاه الاطراف المساندة. عربياً… انعقدت في تونس امس "اللجنة الوزارية للتحرك والمتابعة" التي شكّلتها القمة العربية الاخيرة، لمناقشة الدعم المادي والمعنوي للانتفاضة الفلسطينية، وايصال المساعدات الى الفلسطينيين في الداخل، ويشارك في الجلسة الختامية اليوم الرئيس ياسر عرفات الذي كان زار المغرب والتقى مع الملك محمد السادس ليطلعه على فشل الجهود الاميركية، والتي كانت قد بدأت من المغرب في اجتماع بين عرفات وروس. واعلن فاروق الشرع وزير خارجية سورية، عند وصوله الى تونس للمشاركة في اعمال لجنة المتابعة: "لسنا متفائلين بإمكان احراز تقدم مهم واساسي بالنسبة للفلسطينيين"، واضاف: "ان اهتمامنا الأكبر حالياً يتمثل في تقديم دعم ثابت للانتفاضة". وفي عمان حذّر علي ابو الراغب رئيس وزراء الاردن من ان عملية السلام مهددة اليوم اكثر من اي وقت مضى، واضاف ان "الاشهر القليلة المقبلة قد تكون من اصعب الفترات التي ستواجهها المنطقة فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني - الاسرائيلي". وأدلى ابو الراغب بهذه المواقف في جلسة خاصة لمجلس النواب الاردني. بن عامي في جولة اوروبية اما على الصعيد الاسرائيلي فبدأ وزير الخارجية شلومو بن عامي، جولة اوروبية، حيث زار امس اسبانيا، وسيزور اليوم فرنسا. وفي مدريد قال بن عامي: "ان الاتفاق ممكن، وفي حال ضاعت هذه الفرصة فلن يغفر لنا التاريخ وشعوبنا" ذلك. وفي باريس سيلتقي بن عامي مع الرئيس جاك شيراك، ومع رئيس الوزراء ليونيل جوسبان، ومع وزير الخارجية هوبير فيدرين، كما سيلتقي بن عامي في باريس مع وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف، ويجتمع صباح غد الجمعة مع اولبرايت، بعد ان يحضر مأدبة عشاء وداعية لها. ودخلت كندا على الخط فجأة، حين اعلن وزير خارجيتها جون مانلي في مقابلة مع صحيفة كندية، ان كندا مستعدة "لاستقبال لاجئين فلسطينيين والمساهمة في صندوق دولي للمساعدة على اعادة توطينهم، في اطار اتفاق سلام". واشار الى انه عرض هذه المقترحات في الاسابيع الماضية على نظيريه الفلسطيني والاسرائيلي، واطلع عليها ايضاً وزيرة الخارجية الاميركية.