تواجه السلطة الفلسطينية في غزة، حالة من الإلحاح العربي والدولي، للموافقة على عقد قمة ثلاثية جديدة، مع ايهود باراك رئيس وزراء اسرائيل، والرئيس الأميركي بيل كلينتون، يتم الوصول اليها بعد تحضير جيد لهذه القمة، يتمثل في بلورة صيغة مقبولة من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي لمسألة السيادة على القدس. الالحاح الدولي لعقد هذه القمة التي تتوجه نحو التوقيع على اتفاق جاهز ومتفق عليه، تقوده حسب مصادر فلسطينية مطلعة، الادارة الأميركية التي ترى ان الوصول الى اتفاق سلام سيمكن ايهود باراك من البقاء في السلطة مع حزب العمل، اذا جرت انتخابات اسرائيلية جديدة بدءاً من شهر آذار مارس المقبل، أما في حال غياب باراك وقدوم الليكود الى السلطة فإن امكانات حل سياسي ستتعرقل طويلاً. وتقود مصر الالحاح العربي لانجاز اتفاق بالاتجاه نفسه، وتحذر السلطة الفلسطينية من مغبة قدوم اليمين الاسرائيلي الى السلطة، حيث سيؤدي ذلك الى تعطيل عملية التسوية لمدة سنتين أو ثلاث على الأقل، ثم يصبح الحل بعدها صعباً بسبب التغييرات التي سيحدثها اليمين في القدس على صعيد الاستيطان والهدم والتوسع في بناء الشوارع الجديدة، بحيث يستحيل بعد ذلك الفصل بين شطري المدينة سياسياً وبشرياً. وتوضح المصادر الفلسطينية، ان هذا التوجه المصري، والذي تم تبليغه الى القيادة الفلسطينية في الأيام الماضية، وجد طريقه الى العلن أثناء زيارة الرئيس حسني مبارك الى باريس، وعبر مشاوراته مع الرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء ليونيل جوسبان، فبعد المحادثات مع جوسبان أعلن مبارك في مقابلة تلفزيونية "يجب علينا التوصل الى حلول سلمية من أجل صالح الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي"، وحذر مبارك في حال الفشل من "مأساة" لن توفر أحداً. وذكرت المصادر الفلسطينية، ان جهود مصر لبلورة "أفكار" تساعد على تقريب المواقف المتباعدة مع اسرائيل، تركزت حول بند واحد هو موضوع القدس، وهي تمسكت هنا بفكرة مدينة واحدة، وعاصمة لدولتين، وسيادة فلسطينية على القدسالشرقية والمقدسات الاسلامية والمسيحية، مع التنازل لاسرائيل عن حائط البراق المبكى، وساحة حي المغاربة، والحي اليهودي داخل المدينة القديمة. وأوضحت المصادر ان مصر ترى انه إذا أمكن حل عقدة القدس فهناك أساس منطقي للاتفاق على المسائل الأخرى المطروحة رغم صعوبتها، وفي مقدمها: حق العودة للاجئين، والاجراءات الأمنية، والمستوطنات، وهي بذلت جهداً كبيراً خلال الأيام الماضية لاقناع القيادة الفلسطينية بهذا التوجه، ومحاولة اقناع الرئيس كلينتون بحدود القدرة الفلسطينية على التعامل في موضوع القدس الحساس دينياً وتاريخياً. واجتمع أمس جورج تينيت رئيس المخابرات الأميركية مع الرئيس عرفات في........، وبحث معه، حسب المصادر، في مسألتين تصبان في التوجه نفسه. المسألة الأولى هي التنبيه والتشديد على ضرورة انجاز حل ما خلال شهر أيلول سبتمبر الحالي، وإلا فإن الأمور ستصبح بعد ذلك صعبة ومعقدة، والمسألة الثانية تقول ان الوصول الى اتفاق ممكن من خلال تأجيل بعض المسائل للبت مستقبلاً. ومن المعروف ان تينيت يقوم بمهمته هذه بتكليف من الرئيس كلينتون. ولخصت المصادر طبيعة الجو النفسي الفلسطيني بعد الاتصالات العربية، وبعد اجتماع لجنة القدس، ووصفته بأنه يبدي ارتياحاً للموقف السعودي، ولا يبدي انزعاجاً من الموقف المصري، ويقبل التحفظات والتحديدات السورية ولكنه يرفض أحياناً أسلوب التعبير عنها. وهو يعتبر ان الدعم الذي لقيه من لجنة القدس دعم واضح وكاف، ويتوقع دعماً أكثر وضوحاً من اجتماع الجامعة العربية الذي يبدأ أعماله اليوم في القاهرة. ولكن هل سيقود هذا كله الى اتفاق محتمل يتم توقيعه في قمة ثلاثية جديدة؟ الأجواء القيادية الفلسطينية، حسب المصادر، ليست متفائلة، وهي تدرس هنا مجموعة من المسائل منها: - هل صحيح ان الاتفاق على حل ما، سيؤدي الى نجاح باراك في الانتخابات الاسرائيلية المقبلة؟ وما فائدة الاتفاق إذا كانت حكومة يمينية اسرائيلية قد تفوز في الانتخابات، ستتنصل منه أو تعرقل تنفيذه؟ - ان باراك لم يعط حتى الآن أي مؤشر الى أنه سيقبل تغيير الصيغة التي اقترحها في كامب ديفيد، وتبناها كلينتون، لحل قضية السيادة على القدس وعلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة. ولم يعط أي مؤشر على استعداده لقبول الصيغة المصرية المقترحة، وصدرت على العكس من ذلك مواقف اسرائيلية ترفض هذه الصيغة. ويعني الاستمرار في هذا الموقف صعوبة الوصول الى اتفاق مقبول، رغم ما في هذه الاقتراحات من تنازلات فلسطينية. - ان باراك يصر على أن يتضمن أي اتفاق بنداً يؤكد على انتهاء النزاع الفلسطيني - الصهيوني، ويعتبر هذا البند شرطاً لازماً لتسويق الاتفاق لدى الناخب الاسرائيلي. ويرفض عرفات أن يسجل بنداً من هذا النوع إذا بني الاتفاق على قاعدة المبادئ العامة "اتفاق اطار"، أو على قاعدة تأجيل البت بالقضايا الصعبة مثل القدس أو اللاجئين، وهو خلاف في المواقف قد يؤدي الى نسف الاتفاق. - والبند الأخير الذي تدرسه القيادة الفلسطينية، دون أي قدر من التفاؤل، هو أن يتراجع باراك عن موقفه من القدس، وعن موقفه من انهاء النزاع، أو أن يمارس كلينتون ضغوطاً على باراك من أجل ذلك. وفي خلاصة الاستطلاع لهذه المسائل تصل القيادة الفلسطينية الى استنتاج يرى صعوبة الوصول الى اتفاق في الأشهر القليلة المتبقية للرئيس كلينتون في منصبه. وتضيف المصادر الفلسطينية قائلة ان المصريين يدرسون دون شك، المسائل التي تدرسها القيادة الفلسطينية، ويدركون الصعوبات والاشكالات التي تنطوي عليها، وهم لذلك يطرحون فكرة اتفاق الاطار أولاً، كما فعل ذلك الرئيس مبارك في باريس، وكما شرح ذلك وزير الخارجية عمرو موسى راجع ص 3. وتلاحظ المصادر الفلسطينية، ان التنازل عن حائط البراق المبكى وعن ساحة حي المغاربة، وعن الحي اليهودي، يوازي ما مساحته 9 في المئة من القدس القديمة، ولا تزال اسرائيل تطالب بالسيادة على الحي الأرمني، وهذا يرفع النسبة الى حدود 12 في المئة.