اختار "بارك غاليري"، متحف "لايتون هاوس"، لعرض أعمال الفنانة السعودية ريم ناظر في لندن. وفي هذا الاختيار اشارة ذكية الى الشرق الذي شغف به اللورد لايتون، الفنان وصاحب البيت المتحف الذي ضم اعمال الفنانة ريم بين 13 و18 ايلول سبتمبر الجاري. وهي اعمال حملتها الكثير من عبق الشرق وألقه. في اختصار، ومع ما في الاختصار من تجنٍ، يمكن ان نحيل اعمال الفنانة على الاتجاه الواقعي التسجيلي. هذا ما يبدو للوهلة الاولى: مشاهد وتفاصيل من البيئة من هنا وهناك اختيرت بعناية لتوثيق صورة ما، تعني او تشير الى شيء يبرر وجودها وتقف على تفاصيل تمنح الفنانة فرصة جيدة للرسم الذي تملك من اسسه الاكاديمية واصوله الكثير. يغطي موضوع الطبيعة الصامتة وعناصره عند الفنانة مستمدة من البيئة المحلية. مساحة واسعة من المعرض، ومثل هذا الاختيار لا يحتاج الى تبرير عادة. فهو موضوع قائم في الفن التشكيلي منذ عصور مبكرة وحتى الآن، الا انه ارتبط عندنا بمقولة البحث عن الهوية الوطنية واحياء التراث. من هنا صار لزاماً على الفنان البحث في معنى هذه الاشياء قبل البحث في شكلها او دلالتها البصرية والايحاء. والعلاقات الجمالية التي تبرر العمل الفني عادة تتراجع لمصلحة الاعتبارات والمفاهيم الاجتماعية، وقد ساعد على اشاعة هذا المنطق ما طرأ من تغيير سريع وشامل على اوجه الحياة كافة في العقود الاخيرة، اذ ظهرت الحاجة الملحة الى توثيق المشاهد الفولكلورية وغدا الحنين الى هذا المشهد ضاغطاً على العمق والوجدان ايضاً. تحت وطأة هذه الشروط يبدو اي انشغال بتقنيات اللوحة من الشكل واللون ترفاً محضاً. لذلك تبدو جرأة الفنانة ريم ناظر في تجاوز حدود التسجيل ظاهرة لافتة. فهي تضع جانباً كل الاغراءات التي تحيطها بها "الذائقة الفولكلورية" ومعها مغريات التصوير الذي لا يتوافر عادة الى بعد جهد مضن لتتحول الى التعبير العفوي الحر الذي يكشف عن طاقة تعبيرية رائعة. ففي لوحات مثل برتقال وليمون، ورود وفاكهة صيفية، زنابق وردية... وغيرها تتحرر الفنانة من ضغط الشكل الواقعي لتأخذ اشكالها المرسومة طاقتها من خطوطها والوانها هي. هنا تبدو حركة الفرشاة مرنة حرة، ويصفو اللون في جمل متسقة نقية ورائعة ويصبح لكل شيء معناه الخاص في حدود اللوحة، المعنى الذي يبرر العمل الفني بأكمله.