} وصول الطائرتين الفرنسية والروسية تباعاً الى بغداد، يوحي بأن باريسوموسكو متفقتان على "تحدي" الرفض الأميركي للرحلات الجوية المدنية الى العراق، وفتح الثغرة في جدار الحصار أو بالأحرى توسيعها. لكنه يعكس أيضاً تنافس العاصمتين اللتين تطمح كل منهما الى الحصول على أكبر المكاسب من "افتتاح" تلك الثغرة. بدأت روسيا منذ فترة طويلة درس احتمالات تنظيم رحلات جوية الى بغداد، واتخاذ خطوات أخرى لتخفيف نظام العقوبات، لكن وتيرة التحرك الديبلوماسي الروسي تسارعت حين شعر الكرملين بأن له "منافسين" كثيرين، بدءاً بفرنسا وانتهاء بفنزويلا مروراً ببلدان في المنطقة. وأبلغ الى "الحياة" مصدر وثيق الصلة بوزارة الخارجية الروسية ان موسكووباريس تنويان اعتماد اسلوب "خطوة خطوة"، اذ بدأت روسيا بارسال طائرات الى بغداد بعد الحصول على موافقة كاملة من لجنة العقوبات، ثم باتت تكتفي ب"ابلاغ" اللجنة من دون انتظار موافقتها. ونبه الى أن الطائرة التي هبطت أول من أمس في مطار صدام كانت تقل "وفداً"، وهذا من المحظورات في عرف واشنطن. لكن وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف كان صريحاً في اشارته الى ان موسكو "تعتقد ان ليس هناك أي قرار دولي يمنع الرحلات الجوية المدنية الى العراق". لكن المحللين الروس يحذرون من المبالغة في تقدير المدى الذي يمكن أن تبلغه موسكو في تحديها واشنطن. ويرون أن روسيا ستوافق على تفتيش الطائرات التي تتوجه الى العاصمة العراقية لكنها قد تقترح أن يجري "الكشف" عليها في بغداد وليس في عاصمة مجاورة كما كان مطروحاً سابقاً. وتخشى وزارة النقل الروسية أن يفرض الأميركيون "عقوبات" اقتصادية مثل المقاطعة الجزئية للشركات التي تصر على ارسال طائرات الى بغداد. وفي هذا السياق رفضت الوزارة المشاركة في محادثات قررت شركة "اروفلوت" اجراءها مع وفد يضم 70 مسؤولاً من مديرية الطيران المدني والخطوط الجوية العراقية كان متوقعاً أن يصل أمس الى موسكو لمناقشة الرحلات المنتظمة بين البلدين. وواضح ان "اروفلوت" حصلت على ضوء أخضر من جهات عليا، وتقول مصادر مطلعة ان الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً مهتم بالملف العراقي، في ضوء تقارير قدمت له عن أهمية إبقاء ما وصفه أحد المحللين الروس ب"الركيزة المحتملة الوحيدة" للكرملين في المنطقة. والى جانب الاعتبارات الاستراتيجية والسياسية تدرك روسيا أهمية تثبيت مواقعها سلفاً في الأسواق العراقية التي ستكون ذات طاقة استيعابية كبيرة. وقال ل"الحياة" خبير روسي مطلع على قضايا الخليج ان موسكو تدعو الى تطبيق "روح مدريد" في التعامل مع الملف العراقي، موضحاً ان القرارين 242 و338 بقيا من دون تنفيذ الى حين التوصل الى صيغة "الأرض مقابل السلام" التي كانت تطويراً لهما قبل به الطرفان. وزاد ان دول المنطقة يمكن أن تحصل على ضمانات من اعتماد نظام الرقابة الدائمة على تسلح العراق وتنفيذ القرار 1284. لكن بغداد لن توافق على هذا القرار إلا بعد "تطويره" كي ينص على رفع الحظر خلال فترة لا تتعدى ستة شهور. ولاحظ الخبير ان اميركا قد لا تبدي حماسة لمثل هذا التطور، إذ أن وجود ما يسمى الخطر العراقي يبرر الوجود العسكري الواسع في الخليج واستمرار بيع الأسلحة. وأضاف ان رئيس لجنة الرقابة على التسلح هانزبليكس "عمل الكثير كي لا تذهب لجنته الى العراق"، لافتاً الى ان هذا الوضع سيعني "حرمان الأممالمتحدة من التأثير". ففرق التفتيش لن تذهب الى بغداد في حين بدأ طوق الحصار يضعف تدريجاً. وأكد ان بضائع كثيرة تصل الى العراق من دون المرور بنقاط رقابة.