شهدت يوغوسلافيا اقبالاً متفاوتاً بين المناطق أمس، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شكلت التحدي الأكبر بالنسبة الى الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش، وواجه الأخير للمرة الأولى منذ 13 عاماً حكم فيها البلاد بقبضة من حديد، منافساً قوياً هو مرشح المعارضة فويسلاف كوشتونيتسا، فيما تحدثت مصادر مستقلة عن انتهاكات وتلاعب في عمليات الاقتراع التي تحولت بحسب أحد المصادر الى "فوضى مطلقة". ولعل "التلاعب" دفع ميلوشيفيتش وأنصاره الى الاطمئنان للفوز مبكراً، اذ بدأت الاستعدادات للاحتفالات قبل ساعات من اغلاق صناديق الاقتراع. وجرت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية اليوغوسلافية في أجواء من القلق والتوتر أمس. ولم تتوافر معلومات عن وقوع اعمال عنف كبيرة خلال عمليات الاقتراع التي شملت جمهوريتي صربيا والجبل الأسود واقليم كوسوفو، الا ان المعلومات المستقلة أشارت الى حدوث تلاعب واسع في الكثير من المناطق. وكان الاقبال على التصويت واسعاً في صربيا حيث أفادت الاستطلاعات التي جرت عند مراكز الاقتراع ان غالبية سكان بلغراد والمدن الصربية الرئيسية، انتخبوا مرشح المعارضة الديموقراطية فويسلاف كوشتونيتسا، في حين تمسك سكان القرى والارياف بموقفهم المؤيد للرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش. أما في الجبل الأسود فإن المشاركة في التصويت كانت محدودة، واقتصرت على أنصار "الحزب الاشتراكي الشعبي" المؤيد لميلوشيفيتش، ولا يتوقع ان يزيد عدد الذين أدلوا بأصواتهم على 150 ألف ناخب، من أصل حوالى 450 ألفاً من سكان الجمهورية الذين يحق لهم الانتخاب، وكانت غالبية المقاطعين من مؤيدي الحكومة وأبناء الاقليات العرقية البوشناقية والألبانية والكرواتية. وانتشرت وحدات من الجيش اليوغوسلافي في المناطق الحساسة من الجمهورية وخصوصاً المدن الساحلية. وكانت الأجواء مشحونة بالمخاوف من وقوع مشكلات بين وحدات الجيش المؤيدة لبلغراد والشرطة المحلية الخاضعة لحكومة الجمهورية التي ظهرت بكثافة في مناطق الاقتراع. أما في كوسوفو، فشارك في التصويت الصرب وحدهم، اذ قاطع الألبان بشكل عام الانتخابات. وأحاطت القوات الدولية بمراكز الاقتراع في المناطق الصربية لحمايتها ومنعت كل وجود الباني قربها. وتأخر الاقتراع في بلدة غرادتشانيتسا جنوب شرقي بريشتينا وهي احد اهم المعاقل الصربية في كوسوفو، نتيجة الخلافات بين أنصار المعارضة ومؤيدي ميلوشيفيتش الذين حاولوا منع بعض الناخبين من الادلاء بأصواتهم. وأفاد رئيس الادارة المدنية الدولية برنار كوشنير، ان عدد مراكز الاقتراع في كوسوفو "كان قليلاً مقارنة بما كانت بلغراد قد أعلنت عنه من قبل"، ملمحاً الى أن ما أعلنته الحكومة "أثار مخاوف من تلاعبات يقوم بها أنصار ميلوشيفيتش". وكانت بلغراد ذكرت انه سيتم فتح ما لا يقل عن 300 مركز اقتراع في كوسوفو. وخرجت الصحف الالبانية الصادرة في بريشتينا أمس، وهي تؤكد ان اي الباني لن يشارك في هذه الانتخابات "التي هي صراع صربي لا علاقة للالبان بها". وأوضحت هذه الصحف "ان الشعب الألباني أعلن في استفتاء عام استقلال جمهورية كوسوفو منذ تسع سنوات". وبسبب مقاطعة حكومة الجبل الأسود والألبان، فانه لا يتوقع ان تزيد نسبة التصويت في شكل عام على 40 في المئة من مجموع الناخبين في كل انحاء الاتحاد اليوغوسلافي صربيا والجبل الأسود وكوسوفو، البالغ عددهم حوالى 7 ملايين و800 ألف. وأدلى المسؤولون الحكوميون وزعماء المعارضة بأصواتهم قبل ظهر أمس، اذ صوت ميلوشيفيتش الذي كان برفقة زوجته ميرا ماركوفيتش رئيسة "حزب اليسار اليوغوسلافي الموحد" بالقرب من مسكنهما في ضاحية ديدينيا جنوب بلغراد وبدا مرتاحاً وواثقاً من فوزه مشيراً الى أن "الساحة ستخلو من هؤلاء الذين لا يناسبهم الاستقرار". وصوت رئيس جمهورية صربيا ميلان ميلوتينوفيتش والمرشح الديموقراطي فويسلاف كوشتونيتسا وغيره من الزعماء المعارضين في مراكز متفرقة من بلغراد، بينما أدلى رئيس الوزراء اليوغوسلافي المؤيد لميلوشيفيتش رئيس الجبل الأسود السابق بصوته في مركز انتخابي في قاعدة الجيش اليوغوسلافي في عاصمة الجمهورية مدينة بودغوريتسا. ودان زعماء المعارضة في تصريحاتهم للصحافيين منع المراقبين الأوروبيين من حضور العملية الانتخابية وطرد حوالى عشرين صحافياً أجنبياً يعملون في بلغراد. واعتبر رئيس "الحزب الديموقراطي" المعارض زوران جينجيتش المؤيد لكوشتونيتسا هذه الاجراءات "غير ديموقراطية وضمن المخططات الحكومية للتلاعب بنتائج الانتخابات". ودعا جينجيتش قوات الجيش اليوغوسلافي المنتشرة في الكثير من انحاء صربيا وجمهورية الجبل الأسود الى عدم التدخل في القضايا السياسية، حتى في حال وقوع حوادث "ولو طلب المشرفون على عملية الاقتراع تدخلها". وبسبب المخاوف الشديدة من اندلاع اعمال عنف ومواجهات بين الفئات المتنافسة، وزعت الكنيسة الارثوذكسية الصربية بياناً، وقعه رئيسها البطريرك بافلي، دعا فيه السكان من الاعراق كافة "الى المنافسة الأخوية وضبط النفس والتزام الهدوء وعدم اراقة الدماء". ونقلت وكالات الأنباء العالمية عن ماركو بلاغوييفيتش الذي يعمل في المنظمة غير الحكومية المسماة "مركز الانتخابات الحرة والديموقراطية" أن العملية الانتخابية "سادتها فوضى مطلقة"، مشيراً الى ان المركز "اعد لائحة بأكثر من 12 حادثاً تتعلق بالانتهاكات ومنع ممثلي المعارضة من الدخول الى مراكز اقتراع عدة لمراقبة سير العملية". وأشار الى انه "كان هناك كثير من المسؤولين يوجهون عملية الاقتراع بالاملاء على الناخبين لاختيار مرشحي السلطة". وأضاف ان انصار ميلوشيفيتش "بدأوا الاستعدادات للاحتفال بفوزه قبل اقفال صناديق الاقتراع بساعات عدة". وأوضح ان هذه الانتهاكات "حدثت أمام أعين السلطة". ومعلوم ان هذه الانتخابات، الرئاسية والبرلمانية، هي الأولى التي تجري بالاقتراع المباشر منذ تشكيل الاتحاد اليوغوسلافي الجديد الذي يضم صربيا والجبل الأسود قبل ثماني سنوات، اذ كان انتخاب الرئيس يتم من قبل نواب البرلمان الاتحادي المنتخب بدوره من خلال برلماني الجمهوريتين. وتمت هذه الانتخابات المباشرة، بموجب التعديلات الدستورية التي اجراها ميلوشيفيتش، والتي رفضتها حكومة جمهورية الجبل الأسود واعتبرتها وسيلة لفرض هيمنة صربيا على الاتحاد اليوغوسلافي. وبدأ فرز الأصوات بعد اقفال صناديق الاقتراع مباشرة في السابعة من مساء أمس بالتوقيت المحلي. ويتوقع ان تظهر مؤشرات في شأن نتيجة الانتخابات الرئاسية خلال اليوم الاثنين، في حين ستتأخر النتائج البرلمانية لأيام عدة.