يذكرني السيد محمد الفايد، مالك متجر هارودز المشهور في لندن، بشيء كتبته قبل أسابيع عن الغضب، فقد لاحظت ان الناس كلهم غضابى، ولم ادرِ اذا كان لذلك علاقة ببني تميم، وقول الشاعر فيهم معروف. واعتقدت أنني طلعت بشيء جديد، غير انني في الأيام التالية قرأت مقالات عدة، وشاهدت برامج تلفزيونية، كلها يؤكد ازدياد انتشار الغضب بين الناس، وكان هناك الف تفسير وتعليل لهذه الظاهرة. السيد الفايد غاضب باستمرار، وغضبه يسبق موت ابنه دودي والأميرة ديانا في حادث سيارة في باريس قبل ثلاث سنوات، الا انه ازداد بعد الحادث، فهو يعتقد ان ثمة مؤامرة حتى لا تتزوج والدة ملك بريطانيا في المستقبل شاباً اسمر مسلماً، شعره أجعد. وحول السيد الفايد اهتمامه هذا الأسبوع الى الولاياتالمتحدة، مطالباً وكالة الاستخبارات المركزية بتسليم ما يزعم انه وثائق سرية في حوزتها عن الموضوع. وفي حين ان ناطقاً باسم السيد الفايد تحدث نيابة عنه في المؤتمر الصحافي الأميركي لأن الموضوع مؤلم الى درجة انه "لا يستطيع الحديث عنه علناً"، فهناك تصريحات كثيرة لرجل الأعمال المصري، لا يكاد ينجو من غضبها احد. وكنت احتفظت بمقابلة اجراها اخيراً صحافي انكليزي هو غاريث روبن مع السيد الفايد، واختار من صفحتين كاملتين التالي على لسان صاحبه: - انا مقتنع ان "إم آي - 6"، اي الاستخبارات البريطانية، قتلت دودي وديانا... مئة في المئة... قتل الناس لا يعني شيئاً لهم... الأمير فيليب ترعرع مع هتلر، انه هتلر هذه البلاد. - رجل الأمن السابق الذي عمل لي نصاب. والاستخبارات تستهدف رجال الأمن من هذا النوع، وهو كان يقبض فلوساً من تايني رولاند الواقع ان الفايد دفع 4.1 مليون جنيه لأرملة رولاند بسبب فتح خزانة حديد لها في هارودز. - وسائل الاعلام تابعة للسلطات الحاكمة، مثل "الميل اون صنداي" و"الا يفننغ ستاندارد". كوزاد بلاك يملك "التلغراف" وهو ... كلام حذفه المراسل خوف رفع قضية على جريدته بتهمة التشهير، وهو استعمل دومنيك لوسون كلام محذوف للسبب السابق. - السياسيون قمامة القمامة... مارغريت ثاتشر كلام محذوف عن حساب مصرفي لها في سويسرا خوف مواجهة القضاء. - الحكومة الكلبة ليست حكومة العمال، بل حكومة من المهووسين بالجنس. هناك ماندلسون كلام محذوف ايضاً. دمرت حزب المحافظين وسأدمر حزب العمال. والمقابلة كلها من هذا النوع الغاضب، والسيد الفايد يرمي سهامه في كل اتجاه. أتوقف هنا لأقول ان اي انسان لا بد من ان يتعاطف مع رجل فقد ابنه البكر في حادث، فلا خسارة أكبر من هذه الخسارة. وفي هذا المجال بالذات فالسيد الفايد اب مفجوع غلب قلبه عقله. غير ان السيد الفايد كان أصلاً من أنصار نظرية المؤامرة، ومن النوع السريع الغضب، وجاء حادث ابنه ليفجر مراجل الغضب في نفسه، فلا يستطيع صحافي ان ينشر كلامه خشية ان ينتهي في المحكمة. على كل حال، الغضب عام هذه الأيام حتى يكاد يكون "موضة"، وهناك برامج نفسية واجتماعية لتدريب اصحاب الطبع الحامي على تهدئة أعصابهم، وقد انخرط في مثل هذه البرامج نجوم معروفون مثل كورتني لاف، وباف دادي وشانون دوهرتي ونعومي كامبل وتومي لي. وبالنسبة الى العارضة نعومي كامبل، فهي دخلت مصحاً في اريزونا لمعالجة مشكلة الغضب عندها. وعندما ظهرت في برنامج تلفزيوني مع بربارة والترز بكت واعترفت بالمشكلة، وهي مشكلة أوصلتها الى المحاكم عندما رفعت مساعدتها الشخصية قضية عليها اتهمتها فيها بالاعتداء عليها. وربما كان أوضح مظاهر الغضب في السنوات الأخيرة هو الغضب في الطائرات، وقد أظهرت دراسة لهيئة الطيران المدني البريطاني ان نصف حوادث الغضب على الطائرات سببه الخمر، في حين ان منع التدخين مسؤول عن 40 في المئة من الحوادث. وتسجل الطائرات البريطانية حوالى 100 حادث في الشهر، بعضها من الحدة ان يعرض سلامة الرحلة الى الخطر. وفي حين ان اكثر الحوادث يتسبب به راكب واحد، فقد حدث غير مرة ان شارك عدد من الركاب في العراك بين بعضهم بعضاً ومع ملاحي الطائرة. وأمامي خبر عن مجموعة من الايرلنديين، وكلهم اقارب أو اصدقاء، ذهبوا في رحلة الى خليج مونتيغو في جمايكا، الا انهم انتهوا في ايدي رجال الشرطة الأميركيين بعد ان قطع الطيار الرحلة عندما وقع شجار عام بين الركاب، واعتدى اثنان من الايرلنديين على راكب جمايكي، ودين المشاغبون بعد ذلك في محكمة انكليزية. السيد الفايد في المحاكم باستمرار، فهو اما يرفع قضية على حكومة او فرد، أو يواجه ناساً رفعوا عليه قضية قدح وذم وغير ذلك. وهو يفسر كل شيء بمؤامرة عليه، ويزداد غضبه. وبما انني مقتنع كلياً أن لا مؤامرة وراء موت دودي الفايد والأميرة ديانا، فإنني أرجو الا يضمني مالك متجر هارودز الى قائمة المغضوب عليهم، خصوصاً أنني اشتري الفاكهة من متجره