يعقد قادة دول "أوبك" مؤتمر قمة لهم في 27 أيلول سبتمبر الجاري في العاصمة الفنزويلية كراكاس. وتنبع أهمية هذا المؤتمر الذي دعت إليه الحكومة الفنزويلية من كونه المؤتمر الثاني من نوعه لقادة دول "أوبك" بعد المؤتمر الأول الذي عقد عام 1975 في الجزائر. ويتزامن انعقاد هذا المؤتمر مع احتفال منظمة "أوبك" بمرور 40 عاماً على تأسيسها في بغداد في 14 أيلول عام 1960. وأكد وزراء نفط "أوبك" الذين اختتموا اجتماعاً لهم في 12 أيلول الجاري في فيينا اهمية القمة المقبلة في وضع استراتيجية جديدة للمنظمة تتناسب مع التطورات التي شهدتها أسواق النفط العالمية خلال الفترة الماضية، وبما حققته "أوبك" في تنفيذ أهدافها خلال السنوات الماضية. ونوه البيان الختامي للمؤتمر الوزاري للمنظمة بدعوة الحكومة الفنزويلية لاستضافة هذه القمة والإجراءات التي اتخذت لنجاحها. وقال وزير النفط الإماراتي عبيد بن سيف الناصري إن منظمة "اوبك" أنجزت الكثير في الفترة الماضية لمصلحة دولها وشعوبها ولمصلحة استقرار أسواق النفط العالمية، ولا بد من وضع استراتيجية جديدة لها تمكنها من مواصلة وجودها ودورها في إطار التطورات العالمية الجديدة. وفي إطار التحضير الجديد لهذه القمة وضمان نجاحها زار وفد فنزويلي يضم وزير الطاقة والمعادن الفنزويلي علي رودريغيز الدول الأعضاء في "أوبك" ووجه دعوة رسمية لهذه الدول لحضور القمة في كراكاس. واتفق الوفد الفنزويلي مع الدول التي زارها على مختلف الموضوعات التي سيتم بحثها والإجراءات البروتوكولية الخاصة باستقبال وإقامة قادة هذه الدول وبرنامج القمة الذي يشمل الى جانب انعقاد المؤتمر أنشطة سياسية وفنية عدة . كما زار الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في إطار جولة له خلال آب اغسطس الماضي عواصم دول "اوبك" واجتمع مع قادتها حرصاً من فنزويلا والدول الأعضاء في المنظمة على نجاح قمة كراكاس التي طال انتظارها وتأجلت منذ عام 1990 حتى عام 2000 بسبب الغزو العراقي للكويت. وستحاول فنزويلا ومعظم دول "اوبك" الابتعاد عن المسائل السياسية والتركيز على المسائل الاقتصادية والفنية التي تخدم تفعيل دور المنظمة على الساحة الاقتصادية العالمية، وبما يتناسب مع الأهمية المتعاظمة التي تحتلها "اوبك" حالياً بعد الارتفاع الأخير في أسعار النفط، وزيادة انتاجها إلى ما يزيد على 2،26 مليون برميل يومياً، عدا العراق وإلى حوالى 2،29 مليون برميل يومياً مع العراق. فقد تقبل العالم بمجمله "أوبك" واعترف بدورها في المساعدة على حل الأزمة الأخيرة التي تواجهها أسواق النفط العالمية من خلال زيادة إنتاجها في عام 2000 بمقدار 2،3 ملايين برميل، ليصل هذا الإنتاج الى مستوى الطاقة الإنتاجية القصوى في معظم الدول الأعضاء عدا السعودية التي ما زالت تمتلك طاقة إنتاجية إضافية. نجحت "اوبك" من خلال سياستها الأخيرة والقرارات التي اتخذتها في المؤتمرات الأخيرة في تحقيق أسعار عادلة ومعقولة للنفط وتمكنت بشكل كبير من إبعاد المسؤولية عن ارتفاع اسعار النفط الى ملعب الدور المستهلكة إذ استفاقت شعوبها على حقيقة أن ارتفاع الأسعار ناتج بشكل أساسي من الضرائب الباهظة التي تفرضها الحكومات على برميل النفط، وهو ما برز جلياً من خلال اضراب سائقي الشاحنات في فرنسا، الذي ما لبث أن انتقلت عدواه الى بريطانيا وبلجيكا وهولندا. وبذلك إن "اوبك" التي بلغت مرحلة النضج الآن قادرة من خلال موقفها القوي في السوق العالمية على أن تكون لاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي، وهو ما يجب إعطاؤه الزخم المطلوب في قمة كراكاس من خلال وضع استراتيجية جديدة للمنظمة تشكل الأساس لتحركها في المرحلة المقبلة. وتمشياً مع المتطلبات العالمية ستركز قمة كراكاس بشكل أساسي على موضوع البيئة الذي يعتبر موضوع العصر وتأثيراته في صناعة النفط. وسيصدر عن هذه القمة "إعلان كراكاس" الذي سيتضمن موقف دول "اوبك" من قضايا البيئة، ومحاولات الدول الصناعية تحميل دول "اوبك" مسؤولية تلوث البيئة بهدف فرض ضرائب إضافية على النفط الخام والمشتقات النفطية. وستركز دول "أوبك" في هذا المجال على ضرورة التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط في مجال البيئة من خلال وضع التشريعات اللازمة على المستوى العالمي، والالتزام بقرارات المؤتمرات الدولية الخاصة بالبيئة وفي مقدمها "إعلان كيوتو" ومطالبة الدول المتقدمة بتوفير المعدات التكنولوجية الضرورية للحد من انبعاث غاز اوكسيد الكربون والمحافظة على البيئة. وستعرض الدول أمام القمة الإجراءات والقوانين التي وضعتها للمحافظة على البيئة، والإنجازات التي حققتها في هذا المجال. وستؤكد "أوبك" التزامها أهداف المنظمة التي أقرتها قبل 40 عاماً، واستعدادها للاستمرار في تحقيق التوازن والاستقرار في اسواق النفط العالمية والاقتصاد العالمي. كما تؤكد القمة ضرورة زيادة التنسيق والتعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة في مختلف المجالات لضمان توفير إمدادات كافية من الطاقة من جانب المنتجين بأسعار مقبولة وعادلة تخدم مصالح الطرفين. وتبحث قمة كراكاس في مسائل التنمية المستدامة في دول اوبك وتوفير المستلزمات الأساسية لاستمرارها في هذه الدول، وفي مقدمها الحصول على أسعار عادلة للثروة النفطية الناضبة، إذ ما زالت معظم دول "أوبك" تعاني مشكلات تنموية نتيجة الانخفاض الكبير في أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، وتعطل برامجها التنموية بسبب عدم توافر الموارد المالية الكافية. وانتهى خبراء منظمة "أوبك" من وضع مسودة البيان الختامي لقمة كراكاس في اجتماع عقد أخيراً في الجزائر يؤكد مواقف "أوبك" من مختلف التطورات الاقتصادية العالمية، وخصوصاً قضايا الطاقة والبيئة، وإنشاء مشاريع عدة مشتركة بين الدول الأعضاء. وكانت قمة "أوبك" الأولى في الجزائر عام 1975 شهدت ولادة "صندوق اوبك للتنمية" الذي ما زال يعمل حتى الآن من مقره في فيينا على تقديم قروض ومساعدات فنية للدول النامية لمساعدتها في إنشاء مشاريع تنموية بشروط ميسرة. وتحاول دول "أوبك" إبعاد القضايا السياسية عن قمة كراكاس لتجنب الخلافات التي ما زالت قائمة بين الدول الأعضاء تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية. ويشارك في قمة كراكاس قادة دول أعضاء في المنظمة فيما يمثل خمساً منها نواب وممثلون عن قادتها.