عادت أسماء "همبكة" و"حكشة" و"يوسف"، الى تبوء مركز الصدارة في الاوساط السياسية المصرية، اثر غياب امتد خمس سنوات ابتعدوا خلالها عن الأضواء وعاشوا في الظل بعدما تراجعت اهميتهم. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، استعاد المصريون هذه الاسماء التي لعبت ادوار البطولة في الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ والراحل فايز حلاوة في روايات "زقاق المدق" و"كدابين الزفة" و"البغل في الابريق" وأبرزت دور "الهتيفة" و"البودي غارد" في المؤتمرات ومسيرات المرشحين. ويقدر خبراء مصريون كلفة الانتخابات المقبلة، بما لا يقل عن 700 مليون جنيه، واضعين في الاعتبار تأثير أزمة السيولة النقدية في البلاد، متوقعين وصول عدد المرشحين الى سبعة آلاف، ولا تقل قيمة الدعاية عن مئة ألف جنيه للجادين منهم، وتصل احياناً الى حوالى مليون جنيه للمرشح الواحد، وتذهب معظم هذه الاموال الى جيوب "الفئات الهامشية" التي تعتبر الانتخابات بالنسبة إليها موسماً "للارتزاق" يتكرر كل خمس سنوات. واصبحت "تجارة الانتخابات" مهنة رائجة لدى بعضهم، خصوصاً اولئك الذين يحتفظون بمئات البطاقات الانتخابية، ويساومون المرشحين عليها، مقابل مبالغ مالية باهظة، يدخل ضمن كلفتها، مسؤولية "التاجر" عن "توريد" الانصار الذين يدلون بأصواتهم، بدلاً من اصحاب البطاقات الاصليين. ولا يستطيع المرشحون، خصوصاً غير الحزبيين، الاستغناء عن "الهتيف" وهو شخص يملك قدرة على صياغة الشعارات والهتافات، وقيادة المسيرات المصاحبة للمرشح في جولاته للدعاية له بين الناخبين، وتدخل ضمن مهامه "تحزيم" المؤتمرات الانتخابية، ومنع المنافسين من افسادها. وحصل "البلطجية" على النسبة الاكبر من موازنة مرشحين عدة، في الانتخابات الماضية قبل خمس سنوات، وسقط فيها ما يزيد على خمسين قتيلاً، وآلاف الجرحى، في المعارك الدامية التي نشبت بين انصار المرشحين، خصوصاً في الدوائر الريفية، وقرى الصعيد، حيث العصبية القبلية، والمستعدون لتأجير قوتهم نظير حماية من يدفع أكثر. وكانت هذه الاحداث الدامية وراء التحذيرات القوية التي اطلقها وزير الداخلية حبيب العادلي، وشدد فيها على ان الشرطة لن تسمح بتكرار هذه الظاهرة، وستتصدى بكل حزم لأي محاولة لإثارة القلاقل او الاضطرابات في البلاد اثناء الانتخابات. وبعيداً عن الهتافات ومثيري الضجة، يقبع "اصحاب المقاهي" و"تجار الاقمشة" و"الخطاطون" في هدوء، ينتظرون، انطلاق الدعاية الانتخابية رسمياً، لتبدأ أسابيع الرواج، وتعويض خسائر الازمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في الاشهر الماضية. واستحدث المرشحون أخيراً فكرة شراء المقهى، بسداد مبلغ إلى صاحبه، نظير تخصيص المكان لعقد مؤتمراتهم، وجلوس انصارهم، ومنع المنافسين من عقد ندواتهم، أو تعليق لافتاتهم، وهذا ما أدى الى ارتفاع كلفة الايجار، إذ يسعى بعضهم إلى احتكار اماكن التجمعات لمصلحته، ليحرم منافسه من الاستفادة منها. وتذهب النسبة الاكبر من مخصصات الدعاية الى تجار "الفراشة" الذين يقيمون "البوابات الخشبية" لتعليق اللافتات عليها، و"تجار الاقمشة" التي ترتفع اسعارها بصورة باهظة في الانتخابات، إذ يلجأ إليها المرشحون باعتبارها الوسيلة الأرخص والأسرع للاتصال بالناخب، فيما يتلقف "الخطاطون" الاقمشة لكتابة الدعايات عليها، او صياغة الشعارات على جدران الشوارع، وينشط "الهامشيون" الذين يجدون في الانتخابات فرصة عمل موقتة، في تعليق اللافتات، ولصق المطبوعات الورقية. وحسب المثل القائل فإن "مصائب قوم عند قوم فوائد" إذ ان عشرات الملايين من الجنيهات التي ينفقها المرشحون ثمناً لما يزيد على خمسة ملايين متر من الاقمشة، تستخدم في الدعاية الانتخابية، تتحول لدى الفقراء عقب الانتخابات الى ملابس تقي ابناءهم برد الشتاء الذي غالباً ما يعقب الانتخابات البرلمانية في البلاد.