تحتل ولاية تاميل نادو الطرف الجنوبي من شبه القارة الهندية وهي تمتد فوق مساحة 130 الف كلم2 من اصل 3.287 مليون كلم2 تشكل المساحة الاجمالية للهند. وتتميز هذه الولاية عن بقية الولايات الخمس والعشرين الاخرى التي تتألف منها الهند بكونها احد ابرز اقطاب التنمية الاقتصادية في الهند وبكونها حققت نجاحات كبيرة في رسم سياسات تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة لديها. ويصل اجمالي الدخل القومي للولاية الى 28.5 بليون دولار حسب احصاءات العام الماضي مثّلت 6.5 في المئة من اجمالي الدخل القومي للبلاد البالغ 445 بليون دولار. وتحتل ولاية تاميل نادو المرتبة الثالثة اقتصادياً بين الولاياتالهندية مجتمعة ويتوقع ان تحتل المرتبة الثانية السنة الجارية. وحققت حتى الآن الريادة على جميع الولاياتالهنديةالجنوبية على صعيد فائض القيمة لدى القطاع الصناعي حيث يعمل 2.24 مليون عامل. وبلغت قيمة الانتاج الصناعي العام الماضي 16 بليون دولار شكّل فائض القيمة الصافي فيها 2.2 بليون دولار، او ما يعادل زهاء الف دولار للعامل الواحد، وهو مبلغ لا يُستهان به في بلد لا يتجاوز الدخل الفردي السنوي فيه 445 دولاراً. انجازات 9 سنوات ويحاول المسؤولون الترويج للولاية كمركز دولي لجذب الاستثمارات الدولية وكمكان مناسب لاعمال البحث والتطوير والانتاج يتميز بارتفاع عدد الكفاءات العلمية فيه ورخص اليد العاملة والحوافز المقدّمة للمستثمرين. واستفادت الولاية بقوة من التحرير التدرجي للاقتصاد الذي عرفته الهند في السنوات الماضية. وكان عجز الحكومة المركزية عن سداد ديونها عام 1991 اجبرها على القبول بالاصلاحات التي اقترحها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عامذاك والتي انعكست في تغيير اسلوب الادارة المركزية للاقتصاد الوطني. واظهرت الخطتان الخماسيتان التاسعة والعاشرة اللتان وضعتا موضع التنفيذ خلال الاعوام الماضية صحة كثير من الاصلاحات التي قلّصت الى حد كبير القيود البيروقراطية السابقة واطلقت العنان للمبادرة الفردية والانفتاح على العالم الخارجي. وخلال السنوات الاخيرة تحولت تاميل نادو الى اكبر جاذب للاستثمارات الخارجية في الهند. وركزت السياسة التي وضعتها حكومة الولاية على اربعة اهداف رئيسية لتطوير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات تتمثل في الدرجة الاولى في اقامة المرافق الاساسية اللازمة لتطوير صناعة البرمجيات في العاصمة تشيناي وفي مدن كوامباتور ومادوراي وترينشي. كما ركزت على تشجيع الشركات المحلية في الولايات على اعتماد طابع اكثر عالمية للاستجابة لانواع أرقى من الطلب تكون اكثر ربحية. وركزت ايضاً على تشجيع الشركات العالمية متعددة الجنسيات على اعتماد تاميل نادو مركزاً لعملياتها وافتتاح فروع جديدة لها للتصنيع علاوة على تشجيع مبادرات المشاريع المشتركة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة. وكان الهدف من هذه السياسة تسريع معدل النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل المتاحة وتحسين قدرة الدوائر الحكومية ونوعية الخدمات التي يستفيد منها السكان. وترافقت هذه السياسة الطموحة مع سياسة اخرى اوسع نطاقاً لحفز النشاط الاقتصادي والصناعي فيه خصوصاً، قامت على اساس اعتماد سياسة تنمية اجتماعية نشطة هدفها تطوير مستوى معيشة السكان الذين باتوا يتمتعون اليوم بالمرتبة الثانية على صعيد مستوى الحياة الاجتماعي بين سكان الولاياتالهندية. واقيمت في هذا الاطار 29 منطقة صناعية وخمس مناطق لتكنولوجيا المعلومات اغلبها قريب من تشيناي او من مرافئ التصدير الرئيسة الثلاثة والتي ترفدها ستة مرافئ صغيرة. وتضم الهند 12 مرفأ رئيساً. وتستحوذ تاميل نادو على ثلث الطاقة المرفأية من ناحية العدد والثانية من ناحية الطاقة التحميلية وهو امر يستفيد منه بقوة اي مشروع استثماري في مجال الصناعة. وتبلغ قدرة مرفأ تشيناي الذي يعتبر ثاني اكبر مرفأ للحاويات في الهند 6.35 مليون طن سنوياً، حين تصل قدرة مرفأ توتيكورين الى 10.7 مليون طن. اما مرفأ اينّور فهو مرفأ جديد ضخم تمت توسعته وسيعاد افتتاحه آخر السنة الجارية على ان يستقطب بعد انتهاء مرحلته الثانية عام 2003 قرابة ستة بلايين دولار من الاستثمارات. كما خصصت الحكومة قرابة 450 مليون دولار لبناء المطار الجديد القريب من تشيناي الذي سيوضع في التشغيل ابتداء من عام 2003 على ان يضم مرافق صناعية واخرى مهيأة لاستقبال شركات تكنولوجيا المعلومات. النجاح الاقتصادي يشيد المحللون بنجاح تاميل نادو في رفع مستوى التصدير ليشمل ثلث اجمالي ناتجها الصناعي. وصدّرت الولاية العام الماضي منتجات صناعية بقيمة 5.3 بليون دولار. وتشهد الصادرات الصناعية نمواً متواصلاً بمعدل 12 الى 15 في المئة سنوياً. واتاحت سياسات الانفتاح الصناعي إكساب الولاية مكانة متقدمة في البلاد 11 في المئة من اجمالي الانتاج الصناعي لا سيما على صعيد انتاج المركبات والآليات، الى حد ان الولاية تُسمى اليوم "ديترويت الهند" وذلك في اشارة الى مدينة ديترويت الاميركية التي اتخذتها شركة "فورد" وشركات لسيارات اخرى مركزاً لأنشطتها. كما تشتهر الولاية بانتاج الاسمنت والسكر والشاي والغرانيت والكيماويات والمواد الصيدلانية والمواد البتروكيماوية. وتنتج تاميل نادو 33 في المئة من الشاحنات الثقيلة، و35 في المئة من قطع غيار السيارات و13 في المئة من الدراجات النارية و46 في المئة من الدراجات الهوائية و49 في المئة من عربات القطارات و32 في المئة من احلاج القطن و70 في المئة من الجلود المدبوغة و17 في المئة من الصحف المطبوعة و50 في المئة من المضخّات الكهربائية. كما تملك الولاية مصنعاً للدبابات الثقيلة والمصفحات تابعاً للجيش الهندي وثلاثة مجمعات صناعية للسيارات الاول تملكه "فورد" وينتج 60 ألف سيارة سنوياً من اصل قدرته التصميمية البالغة 100 ألف سيارة والثاني تملكه "هيونداي موتورز" وينتج 120 الف سيارة ينتظر ان ترتفع الى 300 الف والثالث مصنع ل"ميتسوبيتشي" ينتج 30 ألف سيارة سنوياً. ويبلغ عدد المصانع العاملة حالياً 19.2 الف مصنع يتوزع اغلبها على 187 موقعاً صناعياً. ومن المنتظر ان تضاف اليها 120 منشأة ستضمها منطقة صناعية خاصة لمعالجة المطاط الذي تعتبر الهند رابع منتج له في العالم. نظراً الى ان تاميل نادو تنتج 90 في المئة من اجمالي انتاج الهند من المطاط. وتدعم مشاريع الطاقة القائمة تطوير القطاع الصناعي. وستملك تاميل نادو على خلاف بقية الولايات، فائضاً العام المقبل في مجال الطاقة الكهربائية، بعدما كانت تعاني من نقص بلغ العام الماضي عشرة في المئة. ويستفيد المستهلكون من أرخص اسعار معتمدة للطاقة في كامل جنوبالهند. وتظهر دراسة حصلت عليها "الحياة" ان القدرة الانتاجية للطاقة حالياً تبلغ 7.82 ألف ميغاواط. وهناك مشروع قارب على الانتهاء سيبدأ انتاج الف ميغاواط مطلع السنة المقبلة في حين سيؤمن 65 مشروعاً صغيرة للطاقة بوشر بتنفيذها توليد 17.03 ألف ميغاواط. ويدعم قطاع الاتصالات بدوره، وهو قطاع متطور مقارنة مع بقية الولاياتالهندية الاخرى، الجهوذ المبذولة لتحقيق الازدهار الاقتصادي اذ ان الشبكة الهاتفية في الولاية التي تضم 2.1 مليون خط رقمية بالكامل. كما تصل كثافة الشبكة الى 15.9 هاتف في الالف مقارنة بمتوسط عام في الهند 2.54 في الالف. التربية: الرهان الهندي الاكبر إلا أن اكبر استثمار ناجح قامت به الولاية حتى اليوم هو اهتمامها بالانفاق على التربية والتعليم الامر الذي اوصل نسبة المتعلمين فيها الى 70 في المئة من اجمالي عدد السكان البالغ 63 مليوناً. وتعتبر القنصلية الاميركية في تشيناي اكثر القنصليات الاميركية في العالم اصداراً لتأشيرات الدخول الى الولاياتالمتحدة. واصدرت هذه القنصلية العام الماضي وحده 103 آلاف تأشيرة كان نحو 80 في المئة منها مخصصاً لخبراء كومبيوتر ومهندسي برمجة هنود حصلوا على حق الهجرة الى الولاياتالمتحدة للعمل في مجال اختصاصهم وهي ظاهرة باتت تشكل اليوم نزيفاً مستمراً للخبرات التي تبنيها تاميل نادو. ويبلغ عدد كليات الهندسة في الولاية 149 كلية، وعدد معاهد البوليتكنيك 204 معاهد، ومعاهد تكنولوجيا المعلومات 526 معهداً. أما عدد خريجي مهندسي الكومبيوتر ال44 الف مهندس من ضمنهم أكثر من 24 ألفاً في علوم الكومبيوتر وهندسة البرمجيات. وأهّل هذا الوضع الولاية لتحتل المرتبة الأولى على مستوى الهند على صعيد التعليم الخاص بالبرمجيات. ويرغب المسؤولون المحليون في تطوير حجم صادرات البرمجيات وخدمات الكومبيوتر لتنفيذ الخطة التي وضعتها الحكومة الهندية المركزية لتحويل الهند الى لاعب عالمي في مجال تكنولوجيا المعلومات ورفع حجم عوائد صناعة البرمجيات فيها الى 85 بليون دولار عام 2008، على ان تصل نسبة الصادرات منها الى 50 بليوناً. وكانت ولاية تاميل نادو أول ولاية وضعت عام 1997 سياسة عامة، لم تلبث ان طبقتها 13 ولاية أخرى هندية، لتعميم استخدامات تكنولوجيا المعلومات في مختلف أوجه الحياة العامة وبقصد زيادة المزايا التفاضلية للدورة الاقتصادية المحلية. ومنذ تحرير الاقتصاد عام 1992 نمت صناعة البرمجيات الهندية بمعدل سنوي يبلغ 60 في المئة. ويعمل في هذه الصناعة 160 ألف مهني وقد ارتفعت عوائدها من 20 مليوناً عام 1990 الى أربعة بلايين دولار العام الماضي، وبلغت نسبة الصادرات منها 2.6 بليون دولار 61 في المئة منها ذهب الى السوق الاميركية و23 في المئة الى السوق الأوروبية. وتحتل ولاية تاميل نادو المرتبة الأولى في الهند في هذا المجال، اذ تشكل صادراتها 15 في المئة من اجمالي صادرات الهند من البرمجيات. ويعود الفضل في ذلك الى تبنيها خططاً "مرنة" لتكييف الطلب مع الخدمات المقدمة مع سعي واضح الى تطور البنى التحتية والمؤسساتية باستمرار وهو أمر لا تأخذه الولايات الأخرى في الاعتبار. أوجه الاستثمار وتقدم سلطات الولاية اليوم للراغبين في الاستثمار حوافز عدة منها انخفاض تكاليف الانتاج وغزارة اليد العاملة الماهرة والتسهيلات الادارية لإقامة منشآت الانتاج علاوة على حوافز مالية ومساعدات مباشرة. الا ان المشكلة الاساسية التي لا تزال تواجه ولاية تاميل نادو هي ضعف المرافق الأساسية. ويقول ل"الحياة" المدير المساعد لهيئة توجيه مكتب ترويج الاستثمار في تاميل نادو فلمو روغان: "مشكلتنا الأساسية هي البنى التحتية. نحن نملك مزايا تفاضلية لأي مستثمر يرغب في العمل في السوق الهندية التي تضم أكثر من بليون نسمة. لكننا نحتاج الى فترة تراوح بين خمس وسبع سنوات لبلوغ مستوى المعايير الدولية". وهناك حالياً 329 مشروعاً رئيساً تنفذ أو قيد الدراسة في الولاية قيمتها 37.1 بليون دولار. ويتركز أغلب هذه المشاريع في المرافق الاساسية 61 في المئة والكيماويات والبتروكيماويات 29.5 في المئة والسيارات 2.9 في المئة والتعدين 2.1 في المئة والمعادن الاساسية 0.8 في المئة والصناعة الغذائية 0.4 في المئة. ويقول أحد المحللين الاقتصاديين الذي تحدثت اليه "الحياة" ان هناك نقطة أساسية لا يجب تناسيها عند مقارنة حال الفقر التي تسود 40 في المئة من سكان الهند، بما في ذلك سكان ولاية تاميل نادو، وبين الانجازات والاختراقات الكبيرة التي تتحقق في بعض القطاعات التي يمكن ان تحفز بقية القطاعات الاقتصادية. ويضيف ان هذه النقطة هي ان طريق التنمية الطويل تعبده الخطوات الأولى الناجحة، وان الهند سوق عملاقة ينتظر لها ان تصبح اكبر سوق في العالم خلال السنوات العشرين المقبلة وان ولاية تاميل نادو ستكون محوراً نشطاً للتنمية ولاستخدام تكنولوجيا المعلومات لتطوير الاقتصاد وتحديثه.