لا تزال أزمة ارتفاع أسعار المحروقات تثير تفاعلات في الوسطين الحكومي والنقابي الفرنسيين، في وقت اتجهت الأزمة نحو التصعيد في بريطانيا حيث أعلنت الحكومة أمس أنها تدرس إمكان اللجوء الى القوة لرفع الحصار الذي يفرضه سائقو الشاحنات على مستودعات المحروقات. وفي الوقت نفسه استمرت الاحتجاجات في بروكسيل واتسع نطاقها في ألمانيا. فعلى رغم احتواء الحكومة الفرنسية للاحتجاجات التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي، فإن ارتفاع أسعار المحروقات أصبح بمثابة هاجس، ومصدر تخوف من أن يؤدي الى إبطاء وتيرة النمو الاقتصادي خصوصاً وأنه يترافق مع تراجع مستمر في سعر صرف العملة الأوروبية ال"يورو". ومن هذا المنطلق طالب الأمين العام لاتحاد نقابات "سي جي تي"، أقوى الاتحادات النقابية الفرنسية برنار تيبو الحكومة باتخاذ إجراءات طارئة لخفض أسعار المحروقات. وقال تيبو في مؤتمر صحافي إن التخفيضات الضريبية التي أقرتها الحكومة على أسعار النفط والقرارات التي اتخذتها منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك" لا تسمح بتوقع انخفاض سريع في سعر المحروقات. وأضاف أنه على الحكومة بالتالي العمل بأقصى سرعة على ثلاثة أصعدة هي: خفض قيمة الضريبة المضافة على أسعار المحروقات، وتحميل الشركات النفطية لجزء من النفقات التي تترتب على ذلك وإقرار بدلات نقل للموظفين والعاملين. وذكر تيبو أن هناك عرائض تتنقل في المؤسسات المختلفة وتتضمن مثل هذا النوع من المطالب وتلقى تجاوباً وتأييداً واسعاً في أوساط العاملين، وأن من مصلحة الحكومة عدم تجاهل هذا الأمر والتعامل معه إيجابياً وبأسرع وقت. ويأتي كلام تيبو هذا غداة إعلان رئيس الحكومة الفرنسية ليونيل جوسبان عن خطة يجري إعدادها لتقليص استهلاك المحروقات، على غرار الخطة التي كانت طبقت خلال الصدمة النفطية الأولى قبل 27 سنة. وقال جوسبان إن البرنامج سيشمل وسائل النقل والحياة اليومية للمواطنين والقطاعات الاقتصادية على حد سواء ويهدف الى خفض الاستهلاك الفرنسي للمحروقات بنسبة 15 بالمئة بحلول سنة 2010. ومن المقرر أن تكشف الوكالة الوطنية عن هذه الخطة التي تعدها بطلب من رئاسة الحكومة، في غضون 4 الى 6 أسابيع، وتهدف الى تخفيض فاتورة فرنسا السنوية من النفط. بريطانيا الى ذلك، بدأت احتجاجات المزارعين وسائقي الشاحنات البريطانيين تتحول الى أسوأ أزمة يواجهها رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير الذي ألغى رحلة كان يعتزم القيام بها الى شمال البلاد، ليرأس اجتماعاً وزارياً مصغراً، لبحث اتخاذ اجراءات استثنائية لإعادة تدفق المحروقات الى محطات البلاد. وكان اتساع نطاق محاصرة مستودعات المحروقات، فاجأ المسؤولين البريطانيين الذين سارعوا الى انتقاد سائقي الشاحنات الفرنسيين خلال تحركهم. والاعتقاد السائد في بريطانيا هو أنه بين اللجوء الى القوة والتفاوض مع المحتجين، فإن الخيار الأول يبدو أوفر حظاً، وهذا ما أكده وزير الداخلية البريطاني جاك سترو، في تصريح أدلى به الى إذاعة "بي بي سي"، مؤكداً أنه على استعداد للجوء الى إجراءات استثنائية بحق المحتجين. في غضون ذلك، شهدت محطات المحروقات القليلة التي لا تزال تعمل في بريطانيا، تهافتاً فعلياً من قبل المواطنين خصوصاً بعد إغلاق ألوف عدة أخرى لفراغها من المحروقات. واتخذت إجراءات استثنائية لتأمين المحروقات الضرورية لسيارات الشرطة والإسعاف فيما اضطر التلامذة في مناطق عدة الى التوجه الى مدارسهم سيراً على الأقدام. ومن المرتقب أن تصاب بريطانيا بشلل تام بحلول نهاية الأسبوع إذا لم يطرأ أي تطور ايجابي على الوضع، ومنحت الملكة اليزابيث الثانية الحكومة صلاحيات استثنائية لمعالجة الأزمة وفك الحصار الذي يفرضه السائقون المحتجون على المصافي ومراكز توزيع المحروقات. أوروبا أما في بلجيكا، فإن سائقي الشاحنات الذين يشلون وسط بروكسيل منذ يوم الأحد الماضي وسعوا نطاق تحركهم بحيث بات يشمل مدينة لياج المهددة بدورها بالشلل. كما عمل السائقون الذين يحاصرون مستودعات المحروقات البلجيكية على قطع الطريق الذي يربط بين مدينة ليل الفرنسية ولامان البلجيكية للحؤول دون نقل كميات من المحروقات من فرنسا. وكانت جولة المفاوضات التي عقدت أول من أمس بين وزيرة النقل البلجيكية ايزابيل دوران والاتحاد المهني لسائقي الشاحنات، فشلت في التوصل الى أي نتيجة ما حمل مسؤولي الاتحاد على التلويح بتصعيد التحركات. وفي ألمانيا كما في بريطانيا، رفضت الحكومة الإصغاء الى مطالب سائقي الشاحنات الذين تظاهروا في مناطق عدة أمس، مطالبين بخفض أسعار المحروقات. وصرح وزير المال الألماني هانز ايشيل أن التخفيضات الضريبية التي ستطبق ابتداء من السنة المقبلة وتقدر قيمتها بحوالى 23 مليون يورو، تشكل أفضل رد بوسعنا تقديمه على ارتفاع اسعار المحروقات.