اقتربت ساعة الحسم في المعركة بين السلطات الفرنسية والنقابيين الرافضين لخطة اصلاح نظام التقاعد التي تقضي برفع سن نهاية الخدمة الى 62 سنة. ومع توقع اقرار مجلسي الشيوخ والنواب الخطة بصيغتها النهائية غداً لتتحول قانوناً، باتت باريس امام خيارين: اما انسحاب النقابيين تدريجاً من الشوارع او تصعيد الاحتجاجات بشكل يشل البلاد ويجبر الحكومة على التفاوض لإدخال تعديلات على القانون بعد اقراره. وبدأت فرنسا استيراد البنزين من الخارج للالتفاف على حصار مصافي النفط، فيما اعلنت وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد ان الاحتجاجات تكلف البلاد خسائر تراوح بين 200 مليون و400 مليون يورو يومياً. وأحصت نقابة لأرباب العمل خسائر مجموعها 4 بلايين يورو منذ بدء الاحتجاجات. وواصلت خطة إصلاح نظام التقاعد الفرنسي، مسارها الدستوري، وأقرتها أمس، لجنة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ، في ظل تساؤلات عن إمكان إخماد بؤر المعارضة لهذا القانون التي لا تزال متأججة في أكثر من قطاع. وبعد مصادقة أعضاء المجلسين على الخطة نهائياً غداً، تحال الى الرئيس نيكولا ساركوزي للتوقيع عليها لتصبح قانوناً سارياً. لكن هذا المسار أوحى بعدم اكتراث رسمي للضغط الشعبي، في وقت تواصل اغلاق مصافي التكرير الفرنسية ال 12، والحصار على مستودعات النفط الذي ما تلبث قوى الأمن أن تفكه عن أحدها، حتى يعود العمال الى محاصرتها مجدداً. وزادت الانعكاسات السلبية لإغلاق المصافي وحصار المستودعات، من صعوبات استخدام وسائل النقل العام، نظراً الى قيود فرضها شح المحروقات على حركة السيارات الخاصة. وعلى رغم إصرار المسؤولين الفرنسيين على التخفيف من أهمية أزمة المحروقات، فإن النقص في التزويد أثر على ثلث المحطات في البلاد. واستمرت الاضطرابات في حركة القطارات والسفن، وكذلك في الموانئ والإدارات. وفي وقت راهنت الأوساط الرسمية على ان اقرار القانون سيقلص نطاق الاحتجاجات وصولاً الى انتهائها، برزت أمس مخاوف من انضمام قطاعات عمالية جديدة الى حركة الاحتجاج. ودعا عمال جمع النفايات في مرسيليا، زملاءهم في المدن الفرنسية الأخرى الى التضامن معهم بعد مضي 15 يوماً على إضرابهم الذي أغرق أرصفة وشوارع المدينة بالقاذورات. ولوح سائقو القطارات بالانضمام الى الإضراب، فيما ظلت التعبئة على أشدها في أوساط الطلاب الذين تداعوا الى تظاهرة اليوم (الثلثاء) على رغم العطلة الدراسية. وتولي السلطات الفرنسية اهتماماً بالغاً ليوم التعبئة الجديد الذي دعت اليه الاتحادات النقابية الخميس المقبل، (يليه يوم ثان في 6 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل)، باعتبار ان نسبة التجاوب مع هذين التحركين، تشكل مؤشراً الى الوجهة التي ستميل نحوها الاحتجاجات. وفي ظل التحول الجديد الذي طرأ منذ تصويت مجلس الشيوخ على قانون التقاعد يوم الجمعة الماضي، اعتبرت النقابات ان المواجهة باتت الآن مباشرة مع الرئيس الفرنسي. وعكس ذلك تصريح لرئيس اتحاد نقابات «سي جي تي» برنار تيبو الذي قال: «نطلب من نيكولا ساركوزي عدم سن القانون». وبما ان كل المؤشرات والمواقف الصادرة عن المسؤولين في اليمين الفرنسي الحاكم، تفيد بأن التراجع عن القانون غير وارد على الإطلاق، فإن الأيام القليلة المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه الأزمة ستتصاعد أم ستنحسر. وفي كلا الحالين، انخفضت شعبية ساركوزي الى أدنى مستوى لها وباتت لا تتجاوز ال 29 في المئة، خصوصاً في ظل الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الفرنسي المتوعك أساساً.