لجأت الحكومة الفرنسية أمس قبيل ساعات من تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على مشروعها لاصلاح نظام التقاعد، الى عرض قوة جديد في مواجهة المحتجين، فسيطرت بالقوة على مصفاة النفط التي تؤمن المحروقات لباريس، وطالبت مجلس الشيوخ بالاسراع في التصويت على الخطة وعدم الاسترسال في مناقشة بنودها. وأدى اقتحام رجال الأمن لمصفاة غران بوي في ضاحية باريس والتي تزود العاصمة بحوالى 70 في المئة من احتياجاتها من المحروقات، الى مواجهات مع العمال المضربين أصيب خلالها ثلاثة أشخاص بجروح. وبرر وزير الداخلية الاقتحام بالاضطراب في توزيع المحروقات، فيما حمل عمل المصفاة بشدة على الخطوة ووصفوها بأنها عملية إعلامية ستخفف من النقص في المحروقات لمدة يومين لا أكثر. والرسالة الواضحة التي رافقت الاقتحام مفادها ان السلطة استنفدت قدرتها على مهادنة عمال المصافي الذين يهدد إضرابهم البلاد بالشلل، وانها لن تتوانى عن اللجوء الى القوة لحملهم على فك الإضراب الذي يشمل مجمل المصافي الفرنسية وعددها 12. وجاءت الرسالة الثانية التي وجهتها الحكومة تشريعية، بهدف تحويل خطة إصلاح نظام التقاعد التي أقرها البرلمان الفرنسي الى أمر واقع ابتداء من بعد غد (الاثنين). وفي هذا الإطار طالب وزير العمل اريك نورت مجلس الشيوخ الذي بدأ بعد ظهر امس مناقشة المشروع حتى ساعة متقدمة ليلاً، باختصار الملاحظات على بنود الخطة وتقليص عدد التعديلات المقترحة. ويتضح من كلا الرسالتين ان الحكومة والرئيس نيكولا ساركوزي عازمين على استخدام الأساليب كافة المتوافرة لديهما، لفرض الخطة الإصلاحية وقلب صفحة الاحتجاجات والإضرابات التي تثيرها. ومن المؤكد ان الاتحادات النقابية أدركت فحوى الرسالتين، لكنها دعت مجدداً الى يومين جديدين من التعبئة الوطنية في 28 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي و6 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وهو ما عكس استمرارية في وحدة الموقف النقابي، وعدم تعرضه حتى الآن للتصدع نتيجة الحساسيات بين الاتحادات المختلفة. وقد يكون للتعاطف الكبير مع المحتجين الذي أبداه الرأي العام الفرنسي حتى الآن، دور في تعزيز الوحدة النقابية وفي الدعوة الى يومي تعبئة جديدين قد يكونان الأخيرين في سياق التحركات المناهضة لإصلاح نظام التقاعد. فالأوساط النقابية باتت تدرك تماماً ان ساركوزي لن يتراجع عن خطته، ويتعذر عليه التراجع عنها لأنه إذا فعل، فسيكون مصيره الشلل خلال السنتين المتبقيتين من ولايته الرئاسية. وقد يصيب ساركوزي الهدف الذي ينشده ويتحول الى الرئيس الذي امكنه تجاوز القدرة الشائعة عن الفرنسيين على تعطيل أي عملية إصلاحية. لكن حسمه للمعركة الحالية لصالحه، سيضعه أمام معركة أكثر صعوبة تقضي بإعادة كسب تأييد الرأي العام الذي يقابل بحذر وريبة كل خطوة او بادرة تصدر عنه.