هدفت الزيارة التي قام بها وزير الصناعة والتجارة الليبي محمد بيت المال أخيراً لتونس الى تكريس انعطاف في العلاقات الثنائية كان الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس التونسي زين العابدين بن علي اتفقاً على القيام به في المرحلة المقبلة خلال المحادثات التي اجرياها لمناسبة زيارة الأول لتونس الشهر الماضي. وكان بيت المال، الذي زار تونس قبل ايام، أجرى محادثات مكثفة مع الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي ووزير المال توفيق بكار ووزير الاستثمار الخارجي فتحي المرداسي ووزير التجارة منذر الزنايدي ووزير الصناعة منصف بن عبدالله ودرس معهم المشاريع المشتركة التي ستنفذ في المرحلة المقبلة وبينها مشاريع صناعية واستثمارية تعثر تنفيذها في السنوات الماضية. وأو ضح مصدر مطلع ان تنشيط المشاريع التكاملية المعطلة كان في مقدم القرارات التي اتخذها الزعيمان بن علي والقذافي لدى زيارة الأول ليبيا مطلع حزيران يونيو الماضي والتي كانت الأولى التي قام بها الرئيس بن علي لليبيا منذ تعليق العقوبات الدولية في حق طرابلس في نيسان ابريل العام 1999. علاقات شاملة وفي ظل الشلل الذي أصاب المؤسسات المغاربية التي جُمدت منذ خمسة أعوام، ركز التونسيون والليبيون على تطوير التعاون الثنائي باعتبار انه لا يتعارض مع التكامل الاقليمي وانما يخدمه. وأقام الجانبان في الفترة الأخيرة علاقات ثنائية مميزة اعتبرها المراقبون الأفضل بين بلدين مغاربيين على رغم التباعد الذي ظهر في أعقاب تعليق العقوبات الدولية وعكسه تأخير معاودة الرحلات الجوية بين العاصمتين الى تموز يوليو الماضي، أي أكثر من أربعة عشر شهراً. وأكدت المصادر ان تونس وليبيا مقبلتان على "شراكة شاملة" لا تقتصر على البعد الاقتصادي فقط وانما تضم ايضاً الأبعاد السياسية والاعلامية والتربوية وصولاً الى تنسيق السياسات الدولية للبلدين. ويمكن القول ان الاستقرار الذي تمر فيه العلاقات الثنائية منذ أواخر الثمانينات في أعقاب عقدين من الأزمات العاصفة التي وصلت الى حد قطع العلاقات في العامين 1979 و1985، هو الذي عبّد الطريق لإرساء "الشراكة الشاملة" المرتقبة. وفي مقدم عناوين خطة التكامل إعطاء وضع مميز للشركات التونسية في مجال تزويد السوق الليبية بحاجاتها التجارية وتنفيذ مشاريع مقررة في الخطط التنموية الليبية. وفي هذا السياق اتفق مسؤولون في الحكومتين في اعقاب اللقاء الذي جمع الزعيمين القذافي وبن علي في ليبيا الربيع الماضي على رفع حجم التبادل التجاري من 650 مليون دولار الى بليون دولار بحلول نهاية العام الجاري. ومن العناوين الرئيسة لمسار التكامل انشاء قناة تلفزيونية فضائية مشتركة باشر مسؤولون اعلاميون من الجانبين العمل فيها في جزيرة "جربة" التونسية، التي سبق ان شكلت طيلة التسعينات المتنفس التجاري الرئيسي لليبيا لدى اخضاعها للعقوبات التي قررها مجلس الأمن في اطار قضية "لوكربي". وعلى رغم ان مراقبين رأوا في هذه الخطوة رداً غير مباشر على قناة "الجزيرة" التي انتقدتها الحكومتان غير مرة، فإن مصادر الجانبين اكدت ان المشروع "يتطلع الى المستقبل ولا ينظر الى الماضي". تنسيق مغاربي وأفريقي وتوسعت دائرة الانسجام خصوصاً بعد لقاءي القمة الأخيرين في تونس وليبيا ليشمل تنسيق سياسات البلدين مغاربياً وافريقياً. وبعدما كانت السياسات الليبية والتونسية تتقدم في مسارات منفصلة، وأحياناً متعارضة مثلما كان الشأن لدى اعتذار ليبيا من تسلم رئاسة الاتحاد المغاربي في العام 1995، لوحظ أنهما باتتا منسجمتين في الفترة الأخيرة. في هذا الاطار بذل التونسيون والليبيون جهوداً مشتركة لتنشيط المؤسسات المغاربية واقترحوا أن تعاود اللجان الوزارية والهيئات القطاعية المتخصصة اجتماعاتها المعلقة منذ العام 1995 في انتظار تبلور وفاق على عقد القمة المرجأة ودعوة وزراء الخارجية لاجتماع قريب يمهد لها. وفي رأي التونسيين والليبيين أن التنشيط يبدأ من الهيئات القاعدية ولا يتوقف بالضرورة على تحقيق وفاق شامل يعبّد الطريق أمام عقد القمة المرجأة. وشمل التطابق بين الديبلوماسيين المجال الافريقي ولوحظ في هذا السياق أن البيانين المشتركين الصادرين في أعقاب قمتي تونس وليبيا أوليا أهمية كبيرة للقضايا الافريقية وعكسا تطابقاً جديداً في النظر اليها. وتكرس الانسجام أخيراً من خلال حضور وزير الدولة التونسي للشؤون الخارجية طاهر صيود للمرة الأولى الاجتماع الوزاري لبلدان "تجمع الساحل والصحراء"، الذي تقود ليبيا، في أسمرا الشهر الماضي، وقدم صيود طلباً رسمياً لانضمام تونس الى "التجمع" يتوقع أن تبت فيه القمة المقبلة. واستدل محللون بالتبادل الكثيف للزيارات والموفدين على الصعيدين الحكومي والأهلي طيلة الأشهر الأخيرة ليرجحوا أن العلاقات الثنائية مقبلة على نقلة تزيد من تقريب المسافات بين البلدين في ظل استمرار الخلافات المغاربية التي تعطل تحقيق التكامل الاقليمي. وإذا كان اطار الوحدة السياسية ليس مطروحاً بوصفه أفقاً للنقلة المرتقبة في العلاقات الثنائية بسبب حذر التونسيين من أي خطوة "تؤدي الى قفزة في المجهول"، فالثابت، أن المدى المتوقع لها سيجتاز سقف التعاون الحالي الى صيغة أكثر تطوراً ومتانة ربما يتكشف مضمونها لمناسبة الدورة المقبلة لاجتماعات اللجنة العليا للمتابعة اللجنة العليا المشتركة برئاسة رئيسي الوزراء في ليبيا في الأسابيع المقبلة.