رفضت الأندية الإنكليزية مجاراة مثيلاتها الإسبانية والايطالية وحتى الفرنسية في انفاق مبالغ خيالية على لاعبين جدد من خلال "سوق" الانتقالات التي وصفتها الصحف الإنكليزية ب"المجنونة والملتهبة" على رغم ادعاء بعض هذه الصحف أن السبب الرئيسي هو فشل أنديتها في جذب النجوم اليها من خلال هذا "المزاد السنوي". والاسعار هذه المرة كانت فعلاً مجنونة، لأنه في حين اعتقد الجميع ان المبلغ القياسي الذي دفعه لاتسيو الإيطالي لضم المهاجم الأرجنتيني الدولي هيرنان كريسبو في مقابل 37 مليون جنيه استرليني لن يتحطم لفترة طويلة، واذا بريال مدريد الإسباني يضع اللمسات الأخيرة على صفقة انتقال البرتغالي لويس فيغو من مواطنه برشلونة في مقابل نحو 40 مليون جنيه. ومع تحركات الأندية الإيطالية والإسبانية الكبيرة لضم نجوم كأس أمم أوروبا وغيرهم، عقدت صفقات عدة فاقت كل واحدة منها 20 مليون جنيه، ومنها صفقة الأرجنتيني غابريل باتيستوتا في مقابل 22 مليون جنيه من فيورنتينا الى روما والفرنسي نيكولاس انيلكا في مقابل 21 مليون جنيه من ريال مدريد الى باريس سان جيرمان. وشهدت السوق ايضاً صفقات قلَّت عن هذا العشرين مليوناً كان أبرزها للأرجنتيني كلاوديو لوبيز 18 مليون جنيه من فالنسيا الى لاتسيو وسافو ميلوسيفيتش 5،17 مليون جنيه من سرقسطة الى بارما وعشرات من صفقات اخرى ضمت لاعبين مشهورين امثال الأرجنتيني ريدوندو من ريال مدريد الى ميلان والبرتغالي نونو غوميز من بنفيكا الى فيورنتينا والبرازيلي كاتانيا من ملقة الى ديبورتيفو كورونيا ومواطنه ايمرسون من ليفركوزن الى روما والهولندي بودوين زندن من برشلونة الى لاتسيو. وحتى الفرق الفرنسية التي تأتي بطولاتها المحلية في المرتبة الخامسة بعد الايطالية والانكليزية والاسبانية والالمانية من حيث القوة والثراء، وجدت نفسها تخوض معمعة الانتقالات. وانفق سان جرمان 16 مليون جنيه لضم ستيفان دالما وبيتر لوتشيني قبل أن يتمم صفقة أنيلكا، في حين أنفق موناكو 14 مليون جنيه لاستقدام المهاجم الصاعد شاباني نوندا الذي لقب بجورج ويا الجديد. "برود" انكليزي في المقابل، وقفت الأندية الإنكليزية في موقف المتفرج. ولم يتجمد نشاطها في سوق الانتقالات فحسب، بل أصبحت في مصاف الأندية "البائعة" عندما تخلى ارسنال عن نجميه الهولندي مارك اوفرمارس 25 مليون جنيه والفرنسي ايمانويل بوتي 7 ملايين جنيه الى برشلونة الاسباني، وباع كوفنتري لاعبه الواعد روبي كين الى انتر ميلان الإيطالي في مقابل 13 مليون جنيه. فيما اقتصرت أغلى الصفقات على نجوم من الدرجة الثانية أبرزها انتقال الهولندي جيمي فلويد هاسلبانك من اتلتيكو مدريد الاسباني الى تشلسي في مقابل 15 مليون جنيه ليعادل المبلغ القياسي المحلي الذي دفعه نيوكاسل لبلاكبيرن روفرز لضم الن شيرر قبل نحو 4 سنوات، علماً أن هاسلبانك فشل في حجز مكان له ضمن التشكيلة الهولندية التي خاضت منافسات كأس أمم أوروبا الأخيرة. ودفع توتنهام 11 مليون جنيه لدينامو كييف الأوكراني لضم سيرغي ريبروف الذي رفضته أكثر الأندية الأوروبية الكبيرة، واقتصرت استعدادات بطل الدوري وأثرى ناد في العالم مانشستر يونايتد للموسم الجديد على ضم حارس مرمى منتخب فرنسا وموناكو فابيان بارتيز في مقابل 8،7 ملايين جنيه، وهو يقاوم بشدة اغراءات العروض الإيطالية لانتقال نجميه ديفيد بيكهام الى ميلان في مقابل40 مليون جنيه، وبول سكولز الى انتر ميلان نظير 30 مليون جنيه. واكتفى ليدز بضم المهاجم الاسترالي مارك فيدوكا من سلتيك الاسكتلندي في مقابل 5،7 ملايين جنيه، وأثار الدولي نيك بارمبي غضب أنصار فريقه السابق ايفرتون حين انتقل الى الجار والعدو اللدود ليفربول في مقابل 6 ملايين جنيه ليصبح اللاعب الأول منذ 40 عاماً ينتقل من والى قطبي المدينة. تعددت الأسباب... في حين ركزت الصحف المحلية على النتائج السلبية المتوقعة من جراء فشل الأندية الإنكليزية في استقطاب كبار نجوم اللعبة، وشككت في طموح هذه الأندية في الفوز والسيطرة على المسابقتين الأوروبيتين دوري الأبطال وكأس الاتحاد على عكس طموح مثيلتها الإسبانية والايطالية، لا بد من الاشارة الى عوامل عدة ساهمت في الحد من قدرة الانكليز على استقطاب النجوم. أولها أن الرواتب الخيالية التي يطالب بها كبار النجوم هي أكبر من قدرة الأندية الانكليزية التي تضع اداراتها سقفاً محدداً للرواتب لا تتعداه، وفي حال استثنائية واحدة وافق مانشستر يونايتد الموسم الماضي على مضاعفة راتب قائده الإيرلندي روي كين الى 52 ألف جنيه أسبوعياً بعد مفاوضات عسيرة استمرت لأشهر عدة كان كين يدرس خلالها عروضاً ايطالية أفضل خصوصاً أن عقده كان على وشك الانتهاء ما يسمح له الانتقال من دون مقابل. ولا تتعدى رواتب بقية نجوم الفريق عن 25 ألفاً أسبوعياً، وعلى رغم مضاعفة راتب كين إلا أنه يبقى في المرتبة العاشرة أوروبياً من حيث قيمة الراتب إذا يتقدمه باتيستوتا 95 ألفاً من روما والإسباني راول 80 ألفاً من ريال مدريد والإيطالي اليساندرو دل بييرو 72 ألفاً من يوفنتوس وفيغو 68 ألفاً من ريال مدريد والهولندي باتريك كلايفرت 60 ألفاً من برشلونة والإيطالي كريستيان فييري 59 ألفاً من انتر ميلان وانيلكا 56 ألفاً من سان جيرمان والإنكليزي ستيف ماكمانمان 54 ألفاً من ريال مدريدوالبرازيلي رونالدو 54 ألفاً من انتر ميلان. وتجدر الإشارة الى أن مدرب مانشستر اليكس فيرغسون حاول في السابق التعاقد مع باتيستوتا ومع البرازيلي ريفالدو الا ان المفاوضات فشلت دائماً عندما وصلت الى قيمة الراتب، ما أثار حفيظة فيرغسون خصوصاً ان ناديه هو الأثرى في العالم. والعامل الثاني هو صعوبة القوانين البريطانية المفروضة على اللاعبين الأجانب، فحتى يمنح اللاعب تصريح العمل عليه أن يكون لعب ما لا يقل عن 15 مباراة دولية لمنتخب بلاده و75 في المئة من المباريات الدولية في ال12 شهراً الاخيرة، في حين ان الملاعب الإسبانية والإيطالية، بسبب سهولة قوانينها ومرونتها، تعج بالنجوم من اميركا اللاتينية وأوروبا "الشرقية" الذين يعتبرون صفقات رابحة لخفض قيمة بدل انتقالاتهم من أنديتهم الأصلية ورواتبهم المعقولة ، وتجلت عواقب هذه القوانين الصارمة عندما فشلت صفقتي ارسنال للتعاقد مع البرازيليين اديلسون وادو على رغم الاتفاق الكامل على قيمتي بدل الانتقال وعلى الراتب... لكن بسبب عدم توافر الشروط القانونية فشلت الصفقتان. وعلى رغم ادعاء ادو انه من مواطني الاتحاد الأوروبي لحصوله على جواز سفر برتغالي، إلا أنه تبين انه مزور حين قدم الى انكلترا وأعيد الى البرازيل في الحال. والعامل الثالث يتجلى في ما أشار اليه رئيس نادي كوفنتري براين ريتشاردسون عندما سئل عن سبب موافقته على صفقة انتقال نجم الفريق روبي كين الى انتر ميلان الايطالي في مقابل 13 مليون جنيه الأسبوع الماضي عندما قال: "لا أحد يدري ان كانت هذه الأسعار الخيالية للاعبين ستبقى على حالها أم ستتغير... فنحن فضلنا أن نقبض السعر الأعلى قبل أن يدخل اي قانون جديد يضع سقفاً لقيمة بدل الانتقالات". وتزامناً مع تصريح ريتشاردسون فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم سيناقش في اجتماعه المقبل ما اقترحته هيئة القانون والعمل في الاتحاد الأوروبي بدراسة امكانية وضع سقف لقيمة بدل الانتقالات، علماً ان هذه الهيئة تطالب بحرية انتقال اللاعبين بين الأندية من دون مقابل حتى لو كانت عقودهم لا تزال سارية المفعول. يذكر ان هذه الهيئة هي ذاتها التي ساهمت في فرض قانون الانتقال الحر الذي يعرف باسم "قانون بوسمان". وأي كان من العوامل الثلاثة التي حدّت من تواجد مميز للانكليز في سوق الانتقالات، فإن بطولاتها تبقى الأكثر اثارة وشعبية وستبقى أنديتها منافسة على اللقبين الأوروبيين.