أعلن الحداد على 118 بحاراً لقوا حتفهم على متن الغواصة "كورسك"، وتوجه الى موقع الحادث الرئيس فلاديمير بوتين الذي يواجه انتقادات مريرة بسبب طريقة تعامله مع الكارثة البحرية. ولمح أحد قادة سلاح البحرية الى أن هناك "شخصاً" وراء الحادث فيما شدد وزير الدفاع على أن غرق الغواصة هو "نتيجة لنهب البلد". وكان وزير الدفاع الأميركي وليام كوهين رويترز اعتبر أن غرق "كورسك" يبرز الحاجة الى التدريبات الدقيقة الصارمة "وهو شيء ربما تفتقر إليه القوات المسلحة الروسية". وقال: "روسيا ليست عدواً لنا، وموت 118 شخصاً بمثل هذه الطريقة يذكرنا جميعاً بالأخطار التي يواجهها العسكريون". وأضاف: "ليست لديهم الروس الدقة الصارمة في أنظمة تدريباتهم مثلما هي لدينا، ينبغي لنا أن نكون أكثر تفانياً في تدريباتنا في ضوء هذه الكارثة". وأقر مرسوم رئاسي صدر أمس بمقتل طاقم الغواصة النووية، وأمر بوتين باعلان اليوم الاربعاء يوم حداد تنكس فيه الأعلام وتمنع البرامج الترفيهية. وقرر رئيس الدولة ان يتوجه شخصياً الى قاعدة سيفرمورسك البحرية ومنها الى موقع غرق "كورسك" لكي يضع إكليلاً من الزهر على مياه البحر ويلتقي قادة الأسطول ويجتمع الى ذوي الغرقى لمواساتهم. وينتظر أن يقيم بطريرك عموم روسيا اليكسي الثاني الصلاة على أرواحهم بحضور رئيس الدولة. وكانت انتقادات مريرة وجهت الى بوتين لأنه لم يقطع اجازته ولم يتوجه فوراً الى بحر الشمال ليتولى الاشراف على عمليات الانقاذ. وذكر وزير الدفاع ان الرئيس سأله إذا كان ينبغي أن يتوجه شخصياً الى بحر بارنتس، وأجابه بأن "لا ضرورة لذلك". وواضح ان المارشال سيرغييف يريد أن يتحمل قسطه من المسؤولية ويخفف العبء عن رئيس الدولة الذي غدا عرضة لهجوم واسع من اليسار واليمين. فقد دعا قادة الأحزاب اليمينية الى تشكيل لجنة تحقيق ووجهوا اتهامات الى القيادة السياسية ب"العجز" و"اللاأخلاقية". ووقع عدد من أقطاب اليسار، بينهم الزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف وعلماء معروفون وقادة أسطول سابقون، رسالة مفتوحة تشير الى ضرورة عقد "مجلس دولة" يحضره بوتين وأعضاء الحكومة وممثلون عن البرلمان وأعضاء مجلس الأمن القومي، لتحديد "أسباب الكوارث" الأخيرة وتشخيص "الأعداء الداخليين" الذين يقفون وراءها. وإذا كانت اشارة الشيوعيين الى "العدو الداخلي" شفافة ويقصد بها من وصفوا ب"الليبراليين الراديكاليين" فإن تساؤلات عديدة أثارها قائد أسطول الشمال الذي قال "سأفني حياتي في البحث عن شخص دبّر هذه المأساة"، وأضاف الاميرال بوبوف ان طاقم الغواصة لا ذنب له وأن غالبية أفراده قتلوا في غضون ثلاث دقائق من "وقوع الحادث" الذي لم يوضحه. إلا أن وزير الدفاع عاد فأكد ان "كورسك" غرقت بسبب اصطدامها ب"غواصة كبيرة" من طراز مماثل ل"كورسك". وكشف ان الأجهزة رصدت ثلاثة انفجارات وليس اثنان فقط، كما ذكر سابقاً. وقال ان الأسطول الروسي اكتشف الى جانب الغواصة الروسية الغارقة "جسماً غريباً" سرعان ما اختفى، وأضاف ان موسكو وجهت استفساراً الى حلف الأطلسي فنفى أن تكون غواصة غربية في موقع الحادث، إلا أن سيرغييف شدد على "ان أحداً لن يعترف بشيء حتى وإن كانت الغواصة الأطلسية موجودة". إلا أن محافظ مقاطعة كورسك التي سميت الغواصة باسمها الكسندر روتسكوي، وهو نائب لرئيس الدولة سابقاً وجنرال متقاعد، قال ان الغواصة غرقت بسبب عطل حصل عند اطلاق نموذج من طوربيد جديد لتجربته. وطلب اجراء تحقيق فوري لمعرفة المسؤول عن اجراء تجارب اثناء المناورات وهو أمر ممنوع في الأعراف العسكرية. وهذا يؤيد تصريحات للناطق باسم الجيش النروجي البريغادير جيل غراندهيغن قال فيها ان انفجار طوربيد أو أي سلاح روسي آخر هو على الأرجح السبب في غرق الغواصة. وقد أمر وزير الدفاع بوقف استخدام الغواصات المماثلة ل"كورسك" ريثما يجري التأكد من سلامتها، وأكد في الوقت ذاته ان القوات المسلحة وصلت الى وضعها المزري الحالي "نتيجة نهب بلادنا وتعريتها منذ سنوات". وذكر ان الجيش كان يحصل على أقل من 50 في المئة من اعتمادات الموازنة الضئيلة اصلاً. وقد أعلن نائب رئيس الوزراء اليكسي كودرين امس ان مشروع الموازنة للسنة الجديدة سيتضمن زيادة محسوسة في النفقات العسكرية. وقد غادرت موقع غرق "كورسك" سفينة نروجية تقل الغواصين الذين تمكنوا من فتح مخرج الطوارئ، وأعلن لاحقاً أن مجموعة نروجية أخرى قد تعود للمساعدة في انتشال الجثث. وللمرة الأولى اعترفت موسكو رسمياً بأنها كانت متأكدة من مصرع الطاقم بعد يومين من غرق الغواصة. وذكر نائب رئيس الوزراء ايليا كليبانوف الذي يشرف على لجنة حكومية للتحقيق، ان وصول النروجيين في وقت مبكر ما كان ليغير النتيجة النهائية "فمنذ النصف الثاني من يوم الاثنين 14 آب/ اغسطس لم يبق عملياً أحياء" على الغواصة. وأضاف: "لم نكن نملك حقاً أخلاقياً في الاعلان عن وفاة الجميع" قبل التأكد من عدم وجود أحياء في واحدة من مقصورات الغواصة كان يحتمل أن يكون فيها هواء. وفي ستوكهولم، أعلن رجل الأعمال السويدي بير ليندستراند الذي يدير شركة تصنيع مناطيد وبالونات تستخدم في علم الفضاء، انه تلقى عرضاً من شركة روسية لرفع الغواصة "كورسك". وأكد ستراند ان شركته أجرت دراسة أولية بشأن تكاليف العملية وتبين أنها تبلغ عشرات الملايين من الدولارات، كما شرح أنه لم يحاول أحد من قبل رفع غواصة غارقة من قاع البحر، وفي حال تم الاتفاق مع السلطات الروسية فإن شركته ستكون الأولى في العالم التي تحاول رفع غواصة غارقة. اما عملية الرفع فيقول ستراند انها ستتم بواسطة بالونات ضخمة تربط بحبال حول الغواصة ويتم نفخها من اليابسة، وان كل واحد منها بإمكانه رفع ألف طن، لكن ستراند الذي اشتهر بمحاولاته العديدة والفاشلة للطيران بمنطاد حول الأرض، لم يؤكد نجاح عملية رفع غواصة يعادل وزنها وزن 2500 سيارة، واكتفى بالقول: "لم نقم من قبل برفع غواصة من قاع البحر، ولم يقم أحد قبلنا بعملية من هذا النوع". وفي أوسلو أ ف ب أعلن جوليان تومسون الناطق باسم الشركة الدولية "ستولت اوفشور" المتخصصة في خدمات ناقلات النفط، ان عملية انتشال الجثث من الغواصة "قد تكون مستحيلة" بسبب نوع الغواصة وحالها. وأوضح ان "هيكل الغواصة خطر جداً بسبب الذخائر والمفاعلات النووية التي يمكن أن تنفجر". وأضاف ان ذلك "يتطلب عملاً هندسياً طويلاً وتخطيطاً يمكن أن يستغرق أسابيع". ويعتبر غرق "كورسك" الرابع من نوعه بالنسبة الى الأسطول الروسي، لكنه أكبرها بخسائره البشرية ونوعية الغواصة. اذ سبق أن اختفت غواصة نووية سوفياتية عام 1970 قبالة سواحل اسبانيا، وغرقت أخرى من فئة "تشارلي" قرب جزر كاتشاكتا شمال المحيط الهادئ عام 1983، وغرقت ثالثة عام 1989 على بعد 500 كلم من النروج. ويبقى الحادث الأكبر اختفاء الغواصة الذرية الأميركية "ثريشر" قبالة سواحل نيو انغلاند عام 1963، وكان على متنها 139 بحاراً.