تواجه الحكومة المصرية مأزقاً حرجاً إثر شيوع انباء عن فرار رجل الأعمال البارز رامي لكح الذي تبلغ ديونه للمصارف العامة قرابة بليون ونصف بليون جنيه. ويعد الهروب المزعوم للكح الثالث من نوعه خلال فترة وجيزة. إذ سبقه نظيره السيد مصطفى البليدي الذي تبلغ ديونه للمصارف 147 مليون جنيه. وقبله فرّ رجل الاعمال محمود وهبي 480 مليون جنيه. غير أن الاخير تصالح مع الحكومة، وتمكن من سداد مديونيته، بعد مغادرته مصر. ومثّل "هروب" رجال اعمال من البلاد القصة الأكثر إثارة في الصحف المصرية على مدار الشهرين الماضيين، إذ انها تتصل بأزمة السيولة النقدية التي تمر بها البلاد، من ناحية، ولكن في الوقت ذاته، تبدو أيضاً مرتبطة في شكل وثيق بما أسمته المعارضة "عمليات نصب" قام بها بعض هؤلاء للاستيلاء على أموال المصارف. ويشار الى وجود نماذج عدة متكررة لعمليات الهروب التي تزايدت أخيراً، ومن أبرزها قضية السيد حاتم الهواري الذي تزيد مديونيته على 250 مليون جنيه، والمستثمر اليوناني الأصل مارك دوارف 700 مليون جنيه. وقبلهما المتهمة في قضية "قروض النواب" علية العيوطي تزيد ديونها على 140 مليون جنيه. وتسعى الحكومة الى التفاوض مع هؤلاء لاعادة جدولة ديونهم، بما يحمي حقوق المدخرين في المصارف، ويسمح باستعادة الجانب الأكبر من هذه الاموال. وقال رئيس بنك مصر السيد بهاء الدين حلمي، في لقاء عقده قبل يومين في نقابة الصحافيين، ان المصارف تتصل حالياً بالذين خرجوا من البلاد، بهدف عودتهم مجدداً، و"التفاوض معهم في شأن القروض التي حصلوا عليها لتسهيل عملية السداد". ويُرجع رجل الاعمال البارز السيد منير فخري عبدالنور هذه الظاهرة الى "بعض مظاهر الفساد في بعض البنوك". ويلفت الى ان "غالبية القروض المنهوبة خرجت من البنوك العامة التي تعمل بنظام تلقي القرارات والتعليمات السياسية، وهو ما يقتضي اعادة النظر في النظام المصرفي، والتوجه الى خصخصته، بما يضمن نشاطه الاقتصادي على أسس فنية واقتصادية، وليس بتوصيات وأوامر". لكن المعارضة السياسية تستخدم ظاهرة "الهروب" لدعم ما تردده في شأن "الفساد" الموجود في المصارف والذي يؤدي الى منح قروض وائتمان ضخم من دون ضمانات كافية، وغياب نظام رقابي صارم للتحقق من استخدام هذه الاموال في مشروعات استثمارية حقيقية. غير ان الحكومة تعتبر مزاعم المعارضة "تهويلاً وتضخيماً". وقال وزير الاقتصاد الدكتور يوسف بطرس غالي امام اللجنة الاقتصادية في البرلمان إن "حجم الائتمان بلغ نحو 180 بليون جنيه، وهذا مؤشر ايجابي لمصلحة الاقتصاد المصري". غير ان ملاحظات ابداها نواب الحزب الوطني الحاكم حول "مردود ذلك على الاقتصاد في ظل حال الكساد والبطالة" اثارت تساؤلات عن حقيقة الموقف. ويشار الى ان الادارة المصرية نفت مراراً ما تردد عن وضع 32 رجل اعمال على قوائم المنع من السفر من دون إذن السلطات المعنية. لكن صحفاً عدة أوردت وقائع معاكسة لذلك. وتقلل الحكومة المصرية من تأثير هذه الظاهرة على مكانة الاقتصاد الوطني. إذ اوضح رئيس هيئة الرقابة الادارية السيد هتلر طنطاوي ان "حجم الاموال التي خرجت من البلاد لا يتجاوز اربعة بلايين جنيه، حصلت الدولة في المقابل على اصول لهؤلاء المقترضين تساوي النصف تقريباً"، مشيراً الى ان "حجم الودائع البنكية يبلغ نحو 250 بليون جنيه، وتبلغ الاموال الهاربة نحو 2 في المئة منها، أي ما يمثل اقل من نصف هامش المخاطرة الائتمانية المتاح في المقاييس العالمية".