خلال 24 ساعة من اختيار آل غور السناتور جوزف ليبرمان ليكون نائب الرئيس معه في انتخابات الرئاسة الاميركية، قال لي صديق عربي ان غور وليبرمان سيهزمان جورج بوش وديك تشيني، ثم يقتل اليهود غور خلال ستة أشهر من تسلمه الرئاسة، ويصبح ليبرمان رئيساً، وتتحقق مخاوف بنجامين فرانكلين من السيطرة اليهودية على أميركا والعالم. لن يحدث شيء من هذا، وأرجو من كل العرب ألا يحاسبوا ليبرمان على دينه، بل على أقواله وأفعاله ومواقفه ففيها ما يكفي. ليبرمان صهيوني ملتزم من قبعته حتى أخمص قدميه، وهو قال في رسالة الى الرئيس كلينتون سنة 1997، ان الرئيس ياسر عرفات "هو الوغد الذي لا يريد وقف العنف"، كما انه انتقد كلينتون لانتهاجه ما زعم انه سياسة متوازنة أو متعادلة وهي ليست كذلك قطعاً بين العرب واسرائيل. وقال ليبرمان أن العرب لا يستحقون ذلك. وقال البروفسور افرايم انبار، رئيس معهد بيغن - السادات في جامعة بار - ايلات الاسرائيلية، ان قريبه ليبرمان زار اسرائيل مرات عدة، وانتقد أبو عمار باستمرار، أما موقفه من النزاع العربي - الاسرائيلي فهو واحد مع اسرائيل. وهو هدد يوماً سورية وقال ان من حق سكان الجليل السلام. ولكن ربما كان أفضل مؤشر على السياسة الصهيونية الكاملة للمرشح الديموقراطي لمنصب نائب الرئيس هو خطاب ألقاه في 29 نيسان ابريل 1996 في مؤتمر اللوبي اليهودي الرسمي ايباك. ليبرمان يعيش خرافات المتطرفين اليهود وأوهامهم الدينية، فهو بدأ كلامه بالاشارة الى أن ايباك عمرها 42 سنة، ولكن جذورها تعود الى أربعة آلاف سنة. وتحدث ليبرمان عن الأنبياء اسحق ويعقوب وموسى ووصاياه العشر، ثم قال ان النبي داود احتل القدس قبل ثلاثة آلاف سنة، وبنى ابنه سليمان الهيكل الذي هدمه نبوخذ نصر قبل 2582 سنة على حد قوله. وكنت قبل أيام فقط نقلت عن اسرائيلي خبير هو عالم الآثار اسرائيل فنكلستين دحضه المزاعم اليهودية عن القدس، فمملكة النبي داود كانت أرضاً صغيرة، والقدس ان كانت هي المدينة المقدسة نفسها، قرية، والهيكل غير موجود، فالاسرائيليون بعد 33 سنة من الاحتلال والتنقيب المتواصل لم يعثروا على أثر واحد يؤكد وجوده، بل كان كل ما عثروا عليه ينفي خرافاتهم الدينية. المهم ان ليبرمان بعد هذه السياحة الدينية، تحدث عن تأييد كلينتون المطلق لاسرائيل، وقال ان بيل كلينتون حدثه قبل انتخابه رئيساً أنه زار راعي كنيسته وهو على فراش الموت فأوصاه هذا الكاهن ألا يهمل اسرائيل لأن الله لن يغفر له اذا فعل. وقال ليبرمان ان كلينتون حافظ على وعده للكاهن وأيد اسرائيل باستمرار. هل قال الكاهن شيئاً من هذا لكلينتون؟ وهل كلينتون يصلي؟ الرجل الذي قال للشعب الأميركي كله "لم أنم مع هذه المرأة"، أي مونيكا لوينسكي، لن يعجز عن اختراع كاهن وكنيسة لخداع صهيوني متدين مثل ليبرمان كان يحتاج إليه في حملة الرئاسة. ليبرمان قال في خطابه أيضاً أن الجمهوريين والديموقراطيين متفقون على دعم اسرائيل، وان الصداقة الأميركية - الاسرائيلية تفيد اميركا كما تفيد اسرائيل. وهو فاخر بدوره في اصدار الكونغرس قانوناً سنة 1989 لحمل منظمة التحرير على إلغاء الفقرة في ميثاقها التي تدعو الى تدمير اسرائيل، ثم حمل على "الارهابيين" العرب الذين يريدون تدمير السلام، وشكر ايباك لمساعدته على اصدار قانون يعاقب شركات النفط المتعاملة مع ايران. في ذلك الخطاب سنة 1996، أيد ليبرمان بحرارة نقل السفارة الاميركية الى القدس، ودوره في اصدار الكونغرس قراراً سنة 1995 بنقل السفارة في نهاية عملية السلام التي كان حدد لها أيار مايو 1999. وهو قال ان نقل السفارة ليس مبكراً، بل تأخر 48 سنة. وقد غير ليبرمان موقفه بعد اختياره لمنصب نائب الرئيس، واقترح هذا الاسبوع نقل السفارة قرب نهاية السنة، وبعد اكمال مفاوضات السلام. ليبرمان ختم خطابه ذلك كما بدأه بالدين اليهودي، فقرأ شيئاً من المزامير. مرة أخرى، هناك في التاريخ السياسي للمرشح الديموقراطي لمنصب نائب الرئيس عداء كاف وصريح للعرب يمكن مهاجمته على أساسه، من دون مهاجمة دينه. والواقع ان البطاقة الديموقراطية في انتخابات الرئاسة صهيونية خالصة، فليس في ماضي آل غور في السياسة الخارجية شيء سوى تأييده اسرائيل. ويستطيع القارئ أن يعود الى خطابه في مؤتمر ايباك هذه السنة، فهو قال في 23 أيار مايو الماضي ما قال ليبرمان قبله بأربع سنوات. ويستطيع القارئ أن يعود الى أعداد "الحياة" التي غطت بشكل وافٍ المؤتمر ليقرأ التزام غور الكامل باسرائيل، ودوره في ضمانات القروض وانهاء عزلة اسرائيل الديبلوماسية، والضغط على الدول العربية لإنهاء المقاطعة حتى واسرائيل تحتل أرضهم. غور يستطيع أن يكون صهيونياً، وأن يختار يهودياً ارثوذكسياً لمنصب نائب الرئيس، لأنه قد يعمل حساباً لأشياء كثيرة في حياته السياسية وحملته الانتخابية، إلا أن مصالح العرب أو مشاعرهم ليست بينها، فهم هانوا على أنفسهم حتى هانوا على الناس.