ليست المشكلة مع جوزف ليبرمان، المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس الأميركي، أنه يهودي ملتزم، بل هي أنه ملتزم بإسرائيل. وكنت نشرت من سجله السياسي ما يؤكد أنه يقدم مصلحة إسرائيل على كل مصلحة أخرى، ويعادي العرب إلى حد أن يكون عنصرياً، وله تصريحات غوغائية عن الرئيس ياسر عرفات وغيره. وإذا كانت هذه المواقف سبقت ترشيحه، فهي تكررت بشكل أو بآخر منذ اختيار غور له. وفي خطاب ألقاه في قادة ايباك، أو اللوبي اليهودي الرسمي، كرر دعمه الكامل لإسرائيل، وتأييده نقل السفارة الأميركية إلى القدس. غير أنه إذا كانت هذه المواقف تقلق المراقب العربي مثلنا، فإن موقفه الديني، أو تدينه الشديد، يقلق الناخبين في بلد ينص دستوره على فصل كامل بين الدين والدولة. وبلغ الأمر أن بناي بريث، أو منظمة مكافحة التشهير باليهود، انتقدت تصريحاته الدينية خلال الحملة الانتخابية، وقالت إنه "يبيع دينه" لكسب الأصوات، فيثير استياء الناخبين. ليبرمان يزعم أن الله في جانب اليسار، مع العلم أن "اليسار" الأميركي يمين أي بلد آخر، وهو شبّه آل غور بسيدنا موسى، وطلع بتصريحات من نوع "نحتاج كشعب إلى إعادة تأكيد عقيدتنا، وإلى تجديد اخلاصنا كشعب وكبلد لله ولإرادة الله"، و"نحن أبناء إله واحد عظيم". بل إنه قال إن الضمان الاجتماعي والطبابة هما الوصية الخامسة بين الوصايا العشر: اكرم اباك وأمك. ليبرمان متدين إلى درجة أنه يمشي من بيته في جورجتاون إلى الكونغرس حوالى خمسة أميال يوم السبت إذا كانت هناك عملية تصويت، لأنه يرفض أن يستعمل الباص أو يسوق سيارة. وعندما سُئل ماذا سيفعل إذا فاز مع غور، وحفلة التنصيب حدد لها يوم السبت 20 كانون الثاني يناير، قال إن أمّه كانت تقول عن مثل هذه المشكلة "يا ليت كل مشاكلنا مثلها". ليبرمان يحاول الآن أن يكسب الناخبين بتدينه، وبالطرف اليهودية التي يحفظ كثيراً منها، حتى انه فاز في حفلة خيرية قبل سنة بلقب "أطرف شخصية عامة في واشنطن". وتابعت محاولاته في دنيا الكوميديا، ولم أجد شيئاً خفيف الظل أو الدم فعلاً، والأمثلة التي اخترتها تؤكد أنه لا يستحق سمعته، فالممثل الكوميدي اليهودي آل فرانكن اختاره معه نائباً للرئيس في برنامج تلفزيوني، فقال إن فرانكن يحاول موازنة حملته الانتخابية، فهو يهودي إصلاحي وليبرمان يهودي ارثوذكسي. وبما أن جورج بوش يخوض حملته الانتخابية تحت شعار "محافظ متعاطف"، فقد زعم ليبرمان أنه تأخر عن مواجهة آل غور على التلفزيون لأن لورا بوش لم تكن محافظة جداً، وهو أبدى تعاطفاً معها. في مواجهة مثل هذه الطرف ربما كان الأفضل العودة إلى جدل الدين في حملة الانتخابات، فليبرمان يبرز لأنه أول يهودي يرشح لمنصب نائب الرئيس، غير أن غور وبوش ليسا أقل تديناً منه، ونائب الرئيس لم يوجه كلمة نقد واحدة إلى الرجل الذي اختاره نائباً للرئيس معه بسبب مواقفه الدينية، كما أنه يقول عن نفسه إن الله يهدي خطاه. أما بوش فهو سُئل من فيلسوفه المفضل فقال "يسوع المسيح". وهو يخطب بانتظام في المسيحيين المتدينين من الولايات الجنوبية، ويعتبر نفسه ممثلاً شرعياً لهم. مرة أخرى، المشكلة في مثل هذا الفيض من المواقف الدينية أنه يمارس في بلد يفصل دستوره بوضوح بين الدين والدولة، وان الذين يمارسونه هم المتنافسون على أعلى منصبين في البلاد، ويفترض فيهم أن يصونوا الدستور لا أن يعبثوا به. وقد انتقد يهود أميركيون اختيار ليبرمان، أولاً لأنه يركز الأضواء عليهم، وانتقدوه ثانية عندما جعل من تدينه قضية انتخابية خافوا معها أن يثير ابناء بقية الطوائف ضدهم. والواقع ان هناك حملة عنصرية أو لاسامية ضد ليبرمان، من أسبابها تصريحاته، ولكن من أسبابها الأخرى أن هناك فعلاً جماعات لاسامية كثيرة لم ترتح لاختيار غور يهودياً ارثوذكسياً مرشحاً لمنصب نائب الرئيس. ولعل أقسى نقد صدر عن بعض السود، وهؤلاء حلفاء تقليديون لليهود منذ حركة الحقوق المدنية. وقال لي ألكورن، وهو رئيس منظمة سوداء كبرى في دالاس، ان اختيار ليبرمان مشبوه، في حين سأل الداعية الأسود لويس فرخان صراحة هل ولاء ليبرمان للولايات المتحدة أو إسرائيل. عربياً، تبقى هذه النقطة الأهم في مواقف ليبرمان، وهو سيقول إنه مواطن أميركي ولاؤه لبلاده، إلا أن كل مواقفه على مدى العشرين سنة الماضية تظهر التزاماً كاملاً بإسرائيل، فكأنها والولاياتالمتحدة بلد واحد. وهو منذ اختياره إلى جانب غور، فاخر بهذه المواقف، وتاجر بها لجمع المال من الجماعات اليهودية والأفراد، ما جعل زعماء السود يقولون إن اليهود اشتروا له الترشيح نائباً للرئيس. وكان غور وليبرمان بعد نهاية المؤتمر الديمقراطي الشهر الماضي تقدما على جورج بوش وديك تشيني في استفتاءات الرأي العام بعشر نقاط، وأحياناً 18 نقطة، إلا أن شعبيتهما تراجعت تدريجياً، حتى سبق المرشحان الجمهوريان المرشحين الديموقراطيين مرة أخرى الأسبوع الماضي. وثمة أسباب كثيرة لصعود بوش وتشيني من جديد، ربما كان بينها ضيق الناخبين بمتاجرة ليبرمان بدينه، وكأنه مبشر لا سياسي.