لا تكاد تمضي سنة أو نحوها إلا ونقرأ دراسة علمية جديدة خلاصتها ان الأعسر أذكى. هذا الأسبوع طلع علينا الدكتور آلان سيرلمان، من جامعة سانت لورنس في ولاية نيويورك، بتقرير خلاصته ان الذين يستعملون اليد اليسرى يتمتعون بذكاء "سائل" أعلى وأرجو من القارئ ألا يسألني عن الذكاء السائل لأن الدكتور لم يشرحها وأنا لست أعسر لأفهم قصده على الطاير. والنتيجة ان هناك نسبة أعلى منهم في المهن الابداعية، مثل الهندسة المعمارية، والموسيقى والفن والأدب. وأكدت الدراسة الأخيرة هذه أنه في حين أن الذين يستعملون يدهم اليسرى لا تتجاوز نسبتهم 13 في المئة من عدد السكان في الولاياتالمتحدة، فإنهم يزيدون على الذين يستعملون اليد اليمنى بين الناس الذين يتجاوز ذكاؤهم 140 نقطة، وهو ما يعتبر حد العبقرية. أينشتاين كان أعسر ومثله بيكاسو ومارلين مونرو وبول مكارثي وتشارلي تشابلن وليوناردو دافنشي. وكانت دراسة تعود الى سنة 1987 أكدت تفوّق الأعسر، ونسبت ذلك الى تغلب أجزاء من الدماغ على أخرى، إلا أن الدراسة هذه معقدة يكفي أن أذكر للقارئ اسمها وهو غيرشويند - بيهان - غالابرودا، ليدرك انني أحبه، فلا أثقل عليه بالتفاصيل. إذا كان ما يقال عن الأعسر صحيحاً، فعندي السبب الحقيقي للنصر الباهر في حرب الخليج، فكل من الأمير خالد بن سلطان ونورمان شوارتزكوف والرئيس جورج بوش الأب أعسر. ولعل الاميركيين أدركوا أهمية هذه النقطة، ففي انتخابات 1992 تنافس بوش الأب مع بيل كلينتون عن الديموقراطيين وروس بيرو كمرشح مستقل، وكانوا جميعاً عسراً. وقرأت أن ثلث الرؤساء الأميركيين كانوا كذلك مع ان نسبة العُسر من المواطنين لا تتجاوز 13 في المئة، كما ذكرت في السابق. وفي الحديث أن النبي العربي كان يحب التيمن في جميع امره ما استطاع، وانه كان ينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، أي عن يمينه. وكان عمر بن الخطاب أعسر يَسَراً، ومعناها أنه كان يستعمل يديه الاثنتين. وفي القاموس ان الصحيح هو "أعسر يَسَر" وليس "أعسر أيسر"، ومعنئ هذه الكلمة بالانكليزية AMBIDEXTROUS وبالفرنسية AMBIDEXTRE. ويبدو ان العرب كانوا يعتقدون ان الأعسر أشد، وليس بالضرورة أذكى، فهناك عبارة "ليس شيء أشد رمياً من الأعسر". وقرأت في شرح قوله تعالى "سيجعل الله بعد عسر يسرا" وقوله "فإن مع العسر يسرا...". ان العرب اذا ذكرت فكرة وأعادتها بفكرة مثلها صارتا اثنتين، وإذا أعادتها بمعرفة فهي هي. وهكذا فعندما تقول: إذا كسبت درهماً فانفق درهماً، فالثاني غير الأول. ولكن اذا قلت: اذا كسبت درهماً فانفق الدرهم، فالثاني هو الأول. وروي عن ابن مسعود انه قرأ ذلك وقال لا يغلب عسر يسرين. غير ان ربط العسر بالضيق والشدة واليمن بالبركة يسبق العرب بكثير، وهناك في النقوش الهيروغليفية ما يفرق بين يمين ويسار. وقد وضع المصريون خاتم الزواج في اليد اليسرى لاعتقادهم أن شريان القلب يصل الى الخنصر فيها. وبقي التقليد اليوناني - الروماني معادياً لليسار، حتى ان كلمة أعسر اللاتينية من معانيها أيضاً الشر، في حين أن كلمة اليمين تعني المهارة، أو القدرة، أي انها ايجابية كما هي بالعربية. وبالفرنسية الحديثة من معاني كلمة يسار "مفركش". واليوم يعود أصل المصافحة باليد اليمنى الى معنى السلام بين المتصافحين، في حين أن اليد اليسرى تبقى على الخنجر، أو هي دليل انتفاء السلام. وكان يوليوس قيصر أعسر، ومع ذلك فقد سبقه الشيوخ الرومان الى خناجرهم وقتلوه. ولا يزال العالم اليوم عالم اليد اليمنى، فكل ما هو مصنوع يستهدف الذين يستعملون اليد اليمنى، وإذا صنع شيء للأعسر فهو يكلف أكثر. ومع ذلك فكل دراسة عن الموضوع منذ سنوات تؤكد أن الأعسر أذكى. وكان العلماء في البداية اعتقدوا ان الأيمن يستعمل الجزء الأيسر من دماغه وأن الأعسر يستعمل الجزء الأيمن، إلا أنهم اكتشفوا أخيراً أن الأيمن يستعمل فعلاً الجزء الأيسر، إلا أن الأعسر يستعمل الجزءين، وهذا ما قد يشرح تفوقه. وكنت خلال حرب تحرير الكويت اجريت مقابلتين صحافيتين في يوم واحد للأمير خالد والجنرال شوارتزكوف، وكنت أعرف ان الأمير خالد أعسر، فلم أفاجأ بأن أراه يوقع تقارير الغارات الجوية ويعلق عليها بيده اليسرى. ولكن عندما انتقلت من مكتبه الى مكتب شوارتزكوف، فوجئت بأن الجنرال الاميركي يوقع على التقارير باليسرى أيضاً. ورأيت الرئيس بوش على التلفزيون بعد ذلك يوقع أمر الحرب البرية، وأدركت أن صدام حسين لا بد من أن يخسر أمام هؤلاء العسر. وهو لو قرأ مثلي لربما كان انسحب من دون قتال، واحتفظ بقوته، إلا أنه لا يقرأ. مع ذلك اعترف بأن قراءتي لم تفدني يوماً، وقد جاءت ابنتي الصغيرة لتذكرين بأنني لست في ذكاء رجل أعسر، فقد اهدتني "ثقلاً" أضعه على الأوراق عليه عبارة "إذا كنت ذكياً فلماذا لست ثرياً؟" وهو سؤال عييت عن الرد عليه.