يواجه حزب الوفد أكبر أحزاب المعارضة المصرية، مستقبلاً غامضاً يهدده بفقدان حال الاستقرار، بعد غياب زعيمه فؤاد سراج الدين الذي نجح لسنوات طويلة في الحفاظ على توازنات دقيقة داخله، بدت بوادر تفجرها مجدداً أمس في إطار الصراع بين قياديه. وعلى رغم اجواء الحزن على رحيل "الباشا" في هذه المرحلة التي يستعد فيها الحزب لخوض الانتخابات البرلمانية، جرت اتصالات ومشاورات بين قادة حزب الوفد لتهدئة الأجواء ومحاولة استيعاب الخلاف الشديدة على منصب الرئيس، والذي بدأ قبل تشييع جثمان سراج الدين. وكان عدد من قيادي الحزب، عقدوا اجتماعاً مساء أول من امس عقب اعلان الوفاة مباشرة، لوضع برنامج التشييع غداً السبت، من جامع عمر مكرم وسط القاهرة. واصدر الحزب نعياً رسمياً قال فيه: إن "الفقيد العظيم وافته المنية بعد حياة حافلة بالنضال من أجل حرية الوطن والمواطن، ومن أجل الاستقلال والديموقراطية، وكافح منذ صباه الى جوار الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس، وقاد معركة القناة، اثناء توليه وزارة الداخلية في اعقاب الغاء معاهدة العام 1936، وذاق مرارة الاعتقال والسجن والتنكيل، ثم أعاد بناء الوفد واستأنف المسيرة الوطنية في ظروف بالغة الصعوبة". ونشرت صحيفة "الوفد" أمس نبأ تعيين نائب رئيس الحزب الدكتور نعمان جمعة لتولي الرئاسة حتى انعقاد اجتماع الجمعية العمومية في موعد لا يتجاوز ستين يوماً من تاريخ خلو المنصب، استناداً الى النظام الداخلي للحزب. واللافت ان هذا الاعلان صدرمن دون عقد اجتماع للهيئة العليا. وفسر قياديون في الحزب، هذه المبادرة، بالرغبة في الإسراع بتوفير مناخ ملائم للسيطرة على الحزب في هذه المرحلة الانتقالية، تجنباً لصراع بارز يدور داخل صفوفه بين جمعة ومنافسه شقيق "الباشا" السيد ياسين سراج الدين الذي يتولى أيضاً منصب نائب رئيس الحزب، وزعيم كتلته في البرلمان. ويبرز في الصراع القطب الثالث عضو البرلمان السيد فؤاد بدراوي، وهو حفيد "الباشا" والمقرب اليه، إذ ظل مديراً لمكتبه سنوات طويلة. وعمل الراحل على تقوية موقع حفيده، باختياره نائب رئيس الكتلة البرلمانية، وتوسيع صلاحياته في متابعة النشاط في المحافظات. وتؤكد مصادر الحزب اتجاه الاطراف الثلاثة الى الترشح لمنصب الرئيس، فيما يروج أنصار جمعة رفض فكرة "وراثة" الحزب ومهاجمة ما يطلقون عليه "التحالف العائلي" ويقصدون عائلتي سراج الدين وبدراوي اللذين تربطهما صلة نسب ومصاهرة تمتد من "الباشا" الى احفاده. ويروج هؤلاء ايضا تأكيد مبدأ الانتقال الديموقراطي للسلطة داخل الحزب، بانتخاب رئيسه عبر الجمعية العمومية، وبدء مرحلة "جيل الوفد الجديد" نسبة الى القياديين الذين لعبوا دوراً في الحزب بعد استئناف نشاطه مطلع الثمانينات. وفي المقابل يخشى أنصار سراج الدين الشقيق، وبدراوي من سيطرة اتجاهات "متشددة" على قيادة الحزب، لا تعبر عن توجهاته السياسية الأصلية، إذ دائماً ما وصف جمعة بأنه "تعبير عن ارائه الشخصية، ورؤيته السياسية لما ينبغي أن يكون عليه الوفد، وليس ما هو قائم بالفعل". وبحسب عضو الهيئة البرلمانية للحزب للدكتور أيمن نور فإن "انقسام الآراء وارد، لكن فكرة الانشقاق مستبعدة"، مشيراً في تصريحات الى "الحياة" الى وجود "سيناريوهات" عدة لتجاوز المرحلة الانتقالية التي تتسم بجوانب سلبية، تبذل جهود مضنية لتجاوزها، ومنع امتداد اثرها على الحزب الذي يستعد لخوض انتخابات برلمانية صعبة للغاية. ويسعى قياديون في الحزب الى تجاوز أزمة اختيار "الرئيس" بعد غياب "الزعيم" عبر اقتراح صفقات، تحيل الصراع الثلاثي القائم الى ثنائي فقط، بما يقلل من حدة أثاره، ويزيد من امكان حسمه ديموقراطياً، باختيار جمعة رئيساً وبدراوي نائباً له، غير أن تحرير هذه الصفقة يتطلب إنهاء نزاع عنيف بين الطرفين، نشب في الاسابيع القليلة الماضية. ويرى مراقبون أن اختيار جمعة للرئاسة في حال حدوثه، سيمثل تغيراً جوهرياً في موقف الحزب، على خلفية علاقته الوثيقة بأحزاب المعارضة، ورغبته في تقوية التنسيق والتعاون معها، وتبنيه لرؤية سياسية "متشددة" في مواجهة الحكومة. ويشار الى أن الصراعات بين قيادات الحزب الرئيسية تمتد لسنوات طويلة مضت، برزت في كثير من الأحيان، وربما من أهمها الانتقادات التي وجهها جمعة الى سراج الدين الشقيق قبل عام، وانصبت على نزوعه للتعبير عن مواقف سياسية داخل البرلمان تتعارض مع توجهات الحزب الرسمية، وتقترب أكثر من المواقف الحكومية.