من الطبيعي ان تشترك فنانتان في معرض اذا احستا بتجانس اعمالهما الابداعية. وعلى رغم اختلاف الاسلوب الفني للواحدة عن الاخرى، الا ان في اعمالهما ما يتماشى مع فكرة واحدة تنتجها روحهما. وكثيرون ممن زاروا المعرض المشترك للفنلنديتين ميريا نومي وصويلي هلونين، اكدوا تجانس اعمالهما على رغم اختلاف الاسلوب الفني لكل منهما، فميريا ترسم على اللوحة وصويلي ترسم على خامة الزجاج. زجاجيات صويلي وقالت ميريا: "صويلي صديقة عزيزة مقربة مني وهذا احد اسباب مشاركتي اياها. واعمالنا المعّدة للمعرض، كانت تتنامى في دواخلنا كما تتنامى صداقتنا وتتحد في اعماقنا. والفن ابداع معبر عن اللاشعور والعقل الباطن. وفي عام 2000، اردنا ان نقدم اعمالاً مختلفة عن تجربتنا السابقة في معرضينا الشخصيين". وعلى رغم ان خامة الزجاج غاية في الشفافية، جاءت الوان صويلي تبعاً لشفافيتها، الا انها استطاعت من خلال هذه الشفافية العالية في اللون والخامة، نقل افكارها بدقة ووضوح يدلان على براعة في تسخير الخامة للفكرة. وقالت صويلي "ليس كل الزجاج شفافاً وان كان حساساً ودقيقاً، ومن الزجاج ما لا يمكن رؤية ما وراءه، وهذا يعتمد على نوعية الزجاج المستعمل وطريقة اكتشاف انواعه واذابتها وتشكيلها بما يتناسب مع اللاشعور المعبر". وأبدت تفضيلها الزجاج الملون لانه وان تعرض للشمس كثيراً، يبقى لونه ثابتاً لا يتغير. لوحات ميريا وميريا تومي التي ترسم اللوحة التشكيلية تأتي باشكال تتداخل بينها خطوط رفيعة والوان تتعمد ان تنثرها بطريقة خاصة في اجواء لوحتها، لكنها لا تتعمد ان يأتي شكل التصميم الذي ترسمه في سطور وخطوط متساوية، لانها تفضل الا يكون عملها هندسياً. وشرحت ميريا فكرتها العشوائية في الرسم فقالت: "الامر يشبه رؤية الاحجار الصغيرة في قاع ماء غاية في الصفاء. والالوان المطلة من قاع، يخدعنا قربها منا خدعة هندسية لا يدركها البصر ولكن يحسها اللاشعور المتيقظ في اعماق الفنان. وهذا منبع هندسة الفطرة في الفنان ولا يمكن التنبؤ بما يمليه الخيال علينا كفنانين نتلاعب بالالوان، والهندسة مع علاقتها الوطيدة بالفن ومع تعدد اشكالها واتجاهاتها تعجز عن خلق الخيال الابداعي او تأطير جنونه. ومهما اخضعته لمقاييسها الدقيقة، فالخيال المبدع في لا-شعور الفنان يستطيع تجاوز متاهة الاشكال الهندسية بما في خطوطها من تناسق وتواؤم". وتمزج ميريا بين الذهبي ولونين آخرين هما الاسود والرمادي يشاركهما الابيض في مساحة ضئيلة، وتتضح في اعمال ميريا مسحة من الحزن يعكسها الخيال المتأمل، محاولة منها لسد الشرخ الذي قد ينبثق من الم الواقع، وهو خيال يبعث الحياة في اللحظة اليومية المستهلكة وهذا بفضل علاقة التضاد البديعة التي تربط بين الموجودات. وفي قطع صويلي الزجاجية يبدو الشكل الهندسي اكثر مما هو في اعمال ميريا تومي التشكيلية، والوانها تعطي الاحاسيس بما يناسب لوضعه فيها، او لاستخدامه تحفة خالية الا من الالوان المدهشة لمشاهدها عندما تنادي عينه لتأملها. واضافت صويلي: "اعمالي محطات استراحة من حياة الرفاهية. والخيال بسحره اللامحدود، يحولها لعبة بما فيها من مكونات. وعندما اعلق بعض اعمالي على شباك من ورائه منظر آسر للطبيعة الخلابة من ماء وشجر ونباتات متنوعة تصحبها زرقة السماء، تنطلق وتبدو اكثر بهاءً". وبعض اعمال صويلي الاخيرة تبدو متأثرة بالفنون الاسلامية وزخارفها الفاتنة وتأتي تسمياتها قطعها، دليلاً آخر على تلك الهوية، مثل لوحتها المسماة "احلام شرقية"، ولوحة اخرى اسمها "ليلة عربية"، وغير ذلك. المعرض المشترك لميريا وصويلي اضاف الى تجربتهما الشخصية السابقة كثيراً، وعلقت صويلي على ذلك: "عندما قررت ان اعمل مع ميريا احسست بجدية اكثر وأردت تقديم عمل مختلف مماثل في اختلافه اعمال ميريا". اما ميريا فقالت: "العمل المشترك بيننا نتيجة انسجام ابداعنا الفطري"، كثير من الزوار ارادوا ان يشتروا قطعة لصويلي ولوحة لميريا لما يبدو بينهما من توحد وألفة. وهذا الانسجام الفطري بين اعمال الفنانتين لاقى الاعجاب. واوضحت صويلي: "كنا نعمل بمفردنا ولم تر احدانا اعمال الاخرى الا قبل اسبوع من الاعداد للمعرض، ولذا كانت دهشتنا بتناسق اعمالنا مع اختلاف اساليبنا الفنية وطرائق تعبيرنا كبيرة الاثر في اعماقنا". واعمال ميريا السابقة كانت صغيرة الحجم. وفي هذا المعرض جاءت مختلفة حجماً لانه حسب قولها: "الحجم الاكبر يعبر اكثر وفيه كثير من الراحة لأي فنان وهو يمنح بذلك كثيراً من الشجاعة نتيجة لحريته التعبيرية لجهة المساحة، بينما يشعر الفنان مع اللوحة الصغيرة بالقيد ومحدودية الفكرة ويظل يشعر بأن هناك شيئاً لم يقله بعد". ومع ذلك، تفضل ميريا اللوحة الصغيرة لانها مملوءة بالدفء وفيها شعور بالخصوصية في التعبير عن ذات الفنان بينما لا تكون اللوحة الكبيرة كذلك لانها في الغالب تعبير عن الحياة بشكل اكثر اتساعاً وشمولاً. وأكدت ميريا: "انشد البساطة معززة بالتفصيل، والوحدة الصامتة للظل، كما اود ان اكتشف اكثر الاماكن هشاشة وسرية في عالم اللاوعي، واشعر وكأن كل انسان يتوق الى العزلة والسرية، من دون وعي منه". وتسعى ميريا الى لحظة في وعي وادراك المشاهد عند توحده مع اللوحة في مشهد يشبه المقابلة بين الشخص ونفسه حين تكون المواجهة المدروسة والمعالجة الصحيحة لفطرة الذات الانسانية بما فيها من صفاء يماثل صفاء الريشة والالوان والزجاج الذي لا ينكسر وتنبثق الروح من انائها الى فضاء الكون معلنة بداية جديدة بديعة الخلق.