بعد تحقيقه "البلدان" لابن الفقيه الهمداني و"الجماهر في الجواهر" لأبي الريحان البيروني، صدر للباحث العراقي يوسف الهادي، العمل الثالث في مجال تحقيقه للمخطوطات وهو "القند في ذكر علماء سمرقند". اعتمدت طبعة الهادي الى مخطوطة اسطنبول، على مخطوطة أخرى محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس، وتتضمن تراجم العلماء والأدباء من حرف الألف الى نهاية حرف الجيم عدد تراجم هذه القطعة 192 ترجمة. وبذلك تكمل هذه القطعة النقص الواقع في المخطوطة الأولى التي تبدأ بحرف الخاء وتنتهي بحرف الكاف. ومع ذلك ظل حرف الحاء مفقوداً اضافة الى ما بعد حرف الكاف. غير أن محقق الكتاب يؤكد وجود ترجمة فارسية للكتاب موجودة في آسيا الوسطى مستنداً الى نقول العالم الروسي بارتولد في كتابه تركستان من هذه الترجمة... وإذا صح وجود هذه المخطوطة ستكون خير معين على سد الفراغات التي حدثت في مخطوطتي اسطنبولوباريس. مؤلف الكتاب واحد من مشاهير علماء الحنفية في ما وراء النهر الأرض الواقعة بين نهري آمودريا وسيردريا اللذين عرفهما العرب باسمي جيحون وسيحون وتتضمن مدن بخارى وسمرقند وخجند وأسروشنه وترمذ، وهي الآن جزء من أوزبكستان. والمؤلف هو نجم الدين النسفي 461 - 537 ه الملقب بمفتي الثقلين لسعة علمه وتعدد المجالات العلمية التي طرقها في التفسير والأدب والتاريخ. فهو صاحب كتاب "العقائد" المعروف بعقائد النسفي. والقند كما في لسان العرب لابن منظور: عصارة قصب السكر إذا جمد. ويضم كتاب "القند" مجموعة كبيرة من تراجم العلماء والمحدثين والأدباء ممن لا يعثر على تراجم بعضهم في أي مصدر آخر، اضافة الى معلومات تاريخية وجغرافية فريدة نقل بعضها عن مؤلفات ضاعت وضاع ذكرها. وفي الكتاب ذكر لمواضع لا نجدها حتى في الموسوعات الجغرافية المتخصصة، ومن الألقاب مما لا يوجد حتى في كتب متخصصة لهذا الفن، كما يقول محقق الكتاب. ومؤلف القند ينقل عن مصادر ضاع أكثرها خلال هجمات الغزاة لهذه المنطقة وخصوصاً المغول الذين أحرقوا كل شيء. ومن المؤلفات الضائعة تاريخ ولادة خراسان للحسين بن أحمد السلاّمي كان حياً سنة 344 ه، وهو مفقود ونقل عنه ابن خلكان في وفياته وابن الأثير في الكامل وغيرهما. ونقل منه مؤلف "القند" في مواضع عدة. كما نقل عن كتاب عنوانه كتاب فيه ذكر فتن بنسف لإبراهيم بن محمد السكاك النسفي الذي لا نعرف عنه شيئاً سوى انه توفي آخرسنة 279 ه أو مطلع 280 ه. كما نقل عن كتاب "القبلة" لسعيد بن جناح البخاري مؤلف كتاب "تاريخ بخارى وسمرقند" وكتب أخرى. وأرخ لحوادث شاهدها بنفسه أو نقلها عن مصادر متقدمة ضاعت لاحقاً، ومن ذلك تاريخه للصدامات الدامية على عهد نوح بن نصر الساماني بين الاسماعيلية والسلطات السامانية سنة 333 ه، ومن ذلك قدوم مبعوث من الثغور الشامية مستنفراً المسلمين في خراسان وما وراء النهر، وهو أبو الفرج خير بن علي بن ادريس الطرسوسي الذي لم يعد الى الشام بعد ذلك، إذ أقام في سمرقند وبخارى ونسف سنين وتوفي بعد 390. وهناك حوادث خطيرة غيرها، فضلاً عن تصحيحه لكثير من الأسماء والألقاب التي غالباً ما يقع الغلط والتحريف فيها من قبل النساخ. ويقع كتاب "القند" في طبعته الجديدة الصادرة في طهران عن دار نشر التراث المخطوط، وهي مؤسسة تعنى بنشر التراث الاسلامي المخطوط سواء أكان بالعربية أم الفارسية أصدرت حتى الآن عشرات الكتب في هذا المضمار، في 866 صفحة معا المقدمة والفهارس التي جاءت وافية تلبي حاجة الباحثين. وألحق المحقق به مستدركاً ضمنه ما عثر عليه من تراجم نقلت عن "القند" في مؤلفات مخطوطة أو مطبوعة واشترط لنقلها أن تكون تلك المصادر نصّت على نقلها عن "القند"، وبلغت 13 ترجمة. * كاتب عراقي.