تغص المكتبات الايرانية بالآف الكتب والمخطوطات القيّمة التي تُعد كنوزاً ضخمة للتراث والثقافة الاسلامية والعربية، وتجسد هذه المؤلفات التي تزخر بها خزائن مكتبات مدن قم ومشهد ويزد وأصفهان دور العلماء المسلمين الايرانيين في تطوير الحركة الفكرية وحمل مشاعل العلم والحضارة الاسلامية زمناً طويلاً. ومن اجل نفض الغبار عن هذه المخطوطات الثمينة وتحقيقها باسلوب اكاديمي بدأت مؤسسة "نشر التراث المخطوط" في وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي في ايران بإعداد فهارس هذه الآثار القيّمة واعادة طبعها وتصحيحها وفق احدث المناهج العلمية الحديثة. وعلى رغم الجهود المبذولة خلال السنوات الماضية لاكتشاف هذه الكنوز ونشر العديد من الكتب والرسائل فإن الطريق ما يزال طويلاً اذ توجد آلاف الكتب والرسائل العلمية والطبية والعقائدية تنتظر من يعيد لها الحياة. دوّنت هذه الكتب في قرون الجدب الادبي الفكري في اوروبا حيث كان الاسلام يحمل مشعل المدنية وينطلق بثقافته الحرة الى مجاهل العالم لينقل الانسانية الى مضمار التقدم والتمدّن والرقي. وصادقت اللجنة العلمية لمؤسسة نشر التراث المخطوط على تحقيق وطبع مئة كتاب لنخبة من نجوم الحضارة الاسلامية كالفارابي وابن سينا وزكريا الرازي ونصير الدين الطوسي وحافظ الشيرازي وعمر الخيام والبيروني ومن جملة ما انجزته هذه المؤسسة الى الآن باللغة العربية تحقيق وطبع الكتب الآتية لتكون في متناول ايدي الدارسين: 1 - الجماهر في الجواهر، تأليف: ابو ريحان البيروني القرن الخامس الهجري. صدرت هذه الطبعة الكاملة لكتاب "الجماهر في الجواهر" في 562 صفحة وبعد اكثر من ستين عاماً على صدور طبعته الاولى، كي تسدّ العديد من الثغرات والنواقص الموجودة في الطبعة الاولى، واهمها فصل الرصاص وهو غير مدوّن في نسخ الكتاب المعروفة الا في نسخة مدوّنة في مطلع القرن التاسع الهجري، هذا بالاضافة الى تصحيح الاخطاء المطبعية والقراءات المغلوطة في الطبعة الاولى، مما جعل الكثير من نصوص الكتاب غامضاً وعسيراً على الفهم. ويمكن الاذعان بلا مبالغة ان "الجماهر" سيظل متقدماً على جميع المؤلفات التي سبقته او اعقبته، لغزارة معلوماته الدقيقة التي تتناول الاحجار الكريمة والفلزات والمعادن، ولما تخلل ذلك من معلومات تاريخية وادبية ولغوية واجتماعية بحكم العقلية الموسوعية لمؤلفه الذي عُرف بكونه واحداً من عمالقة العلم في زمنه. ولا شك في ان ما بذل من عناء في تحقيق واخراج هذه الطبعة لا يقاس مطلقاً بالجهد المبذول في تأليفه. 2 - طب الفقراء والمساكين، تأليف: ابو جعفر احمد بن ابراهيم الجزار. وتحقيق: الدكتورة وجيهة كاظم آل طعمة. ابو جعفر الجزار 285 - 396ه من مشاهير الاطباء والمؤرخين المسلمين في الاندلس، خلف آثاراً قيّمة عديدة في مختلف علوم الطب والصيدلة والتاريخ منها: زاد المسافر، والاعتماد في الادوية المفردة، والتعريف بصحيح التاريخ، وعجائب البلدان والاحجار. وكتب المؤلف هذا الأثر للفقراء والمساكين الذين يعجزن عن عرض انفسهم على الاطباء لضيق ذات اليد، وهو في 239 صفحة. 3 - القند في ذكر علماء سمرقند 877 صفحة. تأليف: نجم الدين عمر النسفي، تحقيق: يوسف الهادي. مؤلف الكتاب 461 - 537ه من مشاهير علماء الحنفية في ما وراء النهر حيث لُقّب نجم الدين النسفي بمفتي الثقلين لسعة علمه وتعدد مجالاته في التفسير والادب والتاريخ. ويضم كتابه "القند في ذكر علماء سمرقند" مجموعة كبيرة من تراجم العلماء والمحدثين مما لا يُعثر على بعضه في مصدر آخر، فضلاً عن معلومات تاريخية وجغرافية فريدة نقل بعضها عن مؤلفات عدت عليها عوادي الزمن فضاعت وضاع ذكرها. وفيها من الاماكن والمواقع ما لا نجد حتى في الموسوعات الجغرافية المتخصصة في هذا العلم، ومن الالقاب مما لا نظير له في كتب مخصصة لهذا الفن. 4 - التعريف بطبقات الأمم، تأليف: القاضي صاعد الاندلسي، تحقيق: الدكتور غلام رضا جمشيد نجاد. المؤلف فليسوف ومؤرخ ومؤسس لمدرسة خاصة في كتابة التاريخ الاسلامي، وعالم فلكي شيّد مرصد طليلطة في القرن الخامس الهجري وله مؤلفات عديدة لم نعثر الا على اسمائها سوى هذا الكتاب الذي يُنشر اليوم بحلّة جديدة ومقدمة وافية وتحقيق امتد لخمسة اعوام. وهو كتاب قلّ نظيره في مجال التاريخ العالمي للعلوم، وتاريخ علماء الامم والاساليب الحديثة في جدولة العلوم. ويقع في 336 صفحة. 5 - ديوان ابي بكر الخوارزمي القرن الرابع الهجري. اشتهر الخوارزمي بكونه احد كتّاب الرسائل الاخوانية البارزين في القرن الرابع الهجري وطبعت رسائله عدة مرات. اما كونه شاعراً فلا تتناوله الدراسات المعاصرة بسبب فقدان ديوانه. يحاول هذا الكتاب تسليط الاضواء على الجانب الشعري من حياة هذا الاديب، ويعد اوسع دراسة عن الخوارزمي وعصره وحياته وشعره والاغراض التي تناولها ويعتبر اضافة جديدة الى مكتبة الدراسات الادبية التراثية التي تتمتع فيها ايران بمكانة لا يمكن تجاهلها، وهو في 450 صفحة. 6 - خريدة القصر وجريدة العصر، تأليف: عماد الدين الأصفهاني، تحقيق: الدكتور عدنان آل طعمة. سفر نفيس طالما انتظر عشّاق الادب طلوعه لعماد الدين الاصفهاني 519 - 597ه الاديب والشاعر والمؤرخ والكاتب الكبير. "خريدة القصر وجريدة العصر" موسوعة تضم عشرة اجزاء ذكر فيها العماد تراجم شعراء الشام والعراق وايران والحجاز واليمن ومصر والمغرب والاندلس. ولم يترك منهم احداً الا ما شذ وندر. وقد جمع العماد في قسم شعراء اصفهان ضمن 365 صفحة تراجم الشعراء الذين عاشوا بين 500 - 572ه وبزّ فيه كتّاب التراجم الذين سبقوه امثال الثعالبي والباخرزي وهرون المنجم وفاقهم في سعة معجمه الادبي ومختاراته. ويضم الجزء الثاني من الكتاب علماء خراسان وهرات والثالث لفضلاء شيراز. 7 - مفاتيح الاسرار ومصابيح الأبرار، تأليف: الامام محمد بن عبدالكريم الشهرستاني، تحقيق: الدكتور محمد علي آذرشب. الامام محمد بن عبدالكريم الشهرستاني من اكبر علماء القرن السادس الهجري، ولد في خراسان وعرفته المدارس النظامية والمجامع العلمية في عصره عالماً مستوعباً للمذاهب والافكار وناقداً مقتدراً للمعتقدات والآراء ومفسراً يتطلّع الى ما وراء الآيات من اسرار. ومن آثاره المشهورة: الملل والنحل، ونهاية الأقدام في علم الكلام والمصارعة. يشتمل تفسير مصابيح الاسرار على مقدمة قيّمة في علوم القرآن وتفسير سورتي الحمد والبقرة ويعكس ما كان يحمله الشهرستاني من افكار كبيرة ترتبط بالقرآن وتفسيره. وتم تصحيح الكتاب من نسخته الفريدة الموجودة في خزانة مجلس الشورى الاسلامي في طهران. 8 - تحفة الازهار وزلال الانهار، تأليف: ضامن بن شدقم الحسيني المدني، تحقيق وتعليق: كامل سلمان الجبوري. يعتبر كتاب تحفة الازهار وزلال الانهار في نسب الأئمة الأطهار عليهم صلوات الملك الغفّار من اوسع الكتب المتخصصة في انساب العلويين ومن المراجع المهمة لكثير من المعنيين بالانساب والتراحم والتاريخ والسير اذ حاول مؤلفه ان يؤرخ للعلويين في انحاء العالم ويوصل بين اجذامهم واصولهم التي تحدروا منها خلال مراحل تاريخية طويلة تمتد من القرن الاول الهجري حتى نهاية القرن الحادي عشر مبيناً المدن والمساكن التي حلّوا فيها بعيداً عن الجفاف السائد في كتب الأنساب. ويمتاز مؤلفه بأنه توارث علم الأنساب أباً عن جد وقام بجولات ميدانية واسعة ذاكراً الأئمة الاشراف من آل الرسول صلى الله عليه وسلّم وذراريهم في اربعة مجلدات. وقام المحقق بتشجير جميع مجلداته في كتاب مستقبل بثلاثة اجزاء يشمل الاول تشجير السادة الحسنيين والثاني للسادة الحسينيين والثالث للسادة الموسويين. 9 - محبوب القلوب، تأليف: قطب الدين الأشكوري الديلمي اللاهيجي، تصحيح وتقديم: الدكتور ابراهيم الديباجي والدكتور حامد صدقي. يُعدّ قطب الدين الأشكوري من كبار علماء الفقه والكلام والفلسفة والتفسير ايام الحكم الصفوي و"محبوب القلوب" من اهم مؤلفاته وهو موسوعة في التاريخ والفلسفة والكلام ويتضمن ثلاثة مقالات: - الاول: تناول ترجمة حياة الحكماء من لدن آدم ع حتى فجر الاسلام. الثاني: ترجمة حياة الفلاسفة في العصر الاسلامي منذ صدر الاسلام وحتى القرن الحادي عشر وكبار رجال التصوّف والعرفان واحاديثهم. والمقال الثالث، دراسة تاريخ أئمة الشيعة وسيرتهم وحكمهم واحاديثهم. 10 - نبراس الضياء في اثبات جدوى الدعاء، تأليف المعلم الثالث محمد باقر الميرداماد، تحقيق: حامد ناجي الاصفهاني. ميرداماد، احد حكماء العصر الصفوي البارزين سعى الى مزج ودمج مبادئ الحكمة المشائية بالمظاهر والتجليات الاشراقية، وتنم آثاره الفلسفية عن طول باعه في ميادين العلوم والمعارف الاسلامية، وتدور الرسالة الحالية حول مسألة البداء والدعاء وهي من اهم مؤلفات ميردامار الكلامية. وهذا غيض من فيض ما قدمته مؤسسة "نشر التراث المخطوط" باللغة العربية وهي تواصل مشروعها لتحقيق مخطوطاتها المئة لتساهم في اعادة بناء صرح الحضارة الاسلامية واحياء التواصل الحضاري وحوار الثقافات. ولا شك في ان ما تقدمه هو خطوة على درب الألف ميل. * مدرّس الأدب الفارسي في جامعة دمشق