مع بدء الحملات الانتخابية للمرشحين لمنصب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأميركية ساد، في صفوف المعارضة العراقية ولدى الكثير من المراقبين، انطباع مفاده ان الدور الأميركي لدعم عملية التغيير في العراق واطاحة النظام، وكذلك دعم "المؤتمر الوطني العراقي" استطراداً سيتراجع، أو يراوح مكانه ويوضع في "البراد" طوال الحملة الانتخابية وما بعد انتخاب الرئيس الجديد، في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، بل وحتى ما بعد تسلمه مهام عمله، رسمياً، في كانون الثاني يناير المقبل لفترة ستة شهور، ربما، أو أكثر، ريثما يرتب الأولويات في "أجندة" اهتماماته. ووفقاً لهذا الانطباع، فإن "المؤتمر الوطني" الذي يعتبر الاطار السياسي المعارض، الأكثر قرباً من الولاياتالمتحدة، والأكثر اقتناعاً بدورها في مساندة الجهود والمساعي الهادفة لتغيير النظام واطاحته، لا يعتقد بصحة ذلك الانطباع، بل انه، خلافاً لذلك - حسب مصادره - يعمل من أجل توليد انطباع مغاير، بعقده الرهان على الانخراط، بشكل أو آخر، في الحملة الانتخابية والافادة منها، واستثمار التنافس بين المرشحين المفترضين للحزبين، الجمهوري والديموقراطي، لمنصب الرئيس، لتثبيت مواقفهما في دعم التغيير في العراق ومساندة الشعب العراقي. وفي ضوء هذا التوجه - الرهان، قام وفد من "المؤتمر الوطني" ممثلاً بكامل أعضاء هيئته الرئاسية، بزيارة واشنطن خلال الاسبوع الأخير من شهر حزيران يونيو الماضي استهلها، يوم 26 من الشهر ذاته، بالاجتماع الى آل غور، نائب الرئيس الأميركي ومرشح الحزب الديموقراطي المفترض لمنصب الرئيس المقبل. وإذ جرى الحديث عن الوضع الراهن في العراق ومستقبله ومعاناة شعبه، أكد غور للوفد، وفي البيان الذي صدر عن مكتبه الخاص، تعهده "بدعم التغيير ورفع العقوبات بعد الاطاحة بالنظام، والعمل على تخفيف معاناة الشعب العراقي ومحاكمة صدام والحلقة الخاصة من حوله بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية". وبينما عبر وفد "المؤتمر" عن ارتياحه لهذا الاجتماع "الذي وجد في آل غور صديقاً جديداً" فقد حرص عدد من أعضائه على النأي بآل غور، وتمييزه، عن ادارة كلينتون التي وجه لها نقداً لاذعاً بالقول، انه منذ اجتياح القوات الحكومية منطقة تواجد "المؤتمر" عام 1996 "يقوم مسؤولون في مجلس الأمن القومي و"سي. آي. إي" ووزارتي الخارجية والدفاع بالحط من قيمة المؤتمر والتقليل من شأنه". كما طالبوا بتوحيد الخطاب السياسي الأميركي المتباين تجاه المعارضة العراقية. أما ريتشارد بيرل مستشار جورج بوش للحملة الانتخابية فقد وجه، في اجتماع احدى اللجان الفرعية للشؤون الخارجية بالكونغرس، نقداً مماثلاً باتهامه مسؤولين في ادارة كلينتون "بالعمل، من وراء الستار، على الحط من شأن المعارضة العراقية في كل مناسبة" وهو الأمر الذي اعتبره وفد "المؤتمر" موقفاً متضامناً معه ضد المواقف السلبية لبعض المسؤولين في ادارة كلينتون تجاهه. واستكمالاً لهذا التوجه - الرهان لاستثمار انتخابات الرئاسة الأميركية، وعلى رغم ان بوش الابن وحزبه الجمهوري، أكثر وضوحاً في موقفهما بتأييد المعارضة والدعوة لاطاحة النظام في بغداد، فإن من المتوقع - حسب مصادر المؤتمر - ان يلتقي وفد منه أواخر الشهر الجاري المرشح الجمهوري بوش للبحث في القضايا ذاتها التي طرحت مع آل غور، وخصوصاً مطالبته تأكيد تعهداته بدعم التغييرفي العراق وتأييد "المؤتمر الوطني" ومساندته. غير أن هذا التوجه - الرهان، الذي يعلق عليه "المؤتمر" الآمال في تفعيل الدور الأميركي لدعم التغيير، وفي إبقاء القضية العراقية في دائرة الضوء على الصعيد الدولي، أثار لدى البعض، في الوقت نفسه، العديد من الملاحظات والتساؤلات والشكوك، حول ما إذا كان من مصلحة القضية العراقية و"المؤتمر" الزج بهما في لعبة الانتخابات الأميركية، وإذا ما كان الانخراط فيها سيجعل منهما ورقة انتخابية في ايدي المتنافسين على منصب الرئاسة، ثم حول ما حققه، أو سيحققه "المؤتمر" من هذا الرهان، وبالتالي، ما ينطوي عليه نجاحه في كسب رهان الانخراط في هذه الانتخابات؟ لقد تمت الدعوة لزيارة واشنطن والاجتماع الى آل غور وكذلك الدعوة للاجتماع المتوقع مع المرشح الجمهوري جورج بوش، رسمياً، من قبل المرشحين ذاتهما، كمضيفين. لكنهما تمتا - في الواقع - بمبادرة من "المؤتمر" والحاحه على مستشاريهما وعلى أعضاء في الكونغرس من الحزبين لترتيبهما. وهذا يعني، أن الدعوة للاجتماعين لم تكن، كما يرى منتقدوها، بمثابة "استدعاء لاستخدامها ك"ورقة انتخابية" كما لم يستفد منها المرشحان للرئاسة الأميركية وحدهما، انما كانت الافادة والمصلحة مشتركة: للمرشحين آل غور وبوش لكسب أصوات اضافية يراهن كل منهما في الحصول عليها من الناخبين الأميركيين، ول"المؤتمر" للحصول على المزيد من التأكيد على التعهدات في استمرار دعم عملية التغيير واطاحة النظام في العراق، بشل أوضح. أما الأضرار والآثار السلبية التي يخشى البعض من أن تنجم عن دخول "المؤتمر" لعبة الانتخابات، ومن ثم انحيازه لطرف دون آخر، فإن قيادة "المؤتمر" تجيب على ذلك بالنفي، مستندة في ذلك الى أن ما تقوم به هو عمل سياسي مشروع ودستوري وسائد في الحياة السياسية الأميركية، بل ان أحداً لا يفترض أية آثار سلبية لذلك، وأن من بين الأدلة على ذلك هو موافقة المرشحين، الجمهوري والديموقراطي، على الاجتماع مع وفد "المؤتمر" والتعهد أمامه، وأمام الرأي العام الأميركي، بمواقف سياسية راهنة ومستقبلية، لمصلحة الشعب العراقي ودعم التغيير في العراق. وفي ضوء ذلك، يرى كثيرون، من المتتبعين للشأن العراقي، ومن مختلف تيارات المعارضة العراقية وأطيافها، بمن فيهم الذين يختلفون مع "المؤتمر" ولهم مواقف معارضة وانتقادية تجاهه، ان استثمار حملة الانتخابات الأميركية والاجتماع الى المرشحين لمنصب الرئاسة، لتأكيد التعهدات بدعم ومساندة التغيير في العراق واطاحة النظام، هو لمصلحة العراقيين ويمثل تطوراً ايجابياً مهماً في مسار القضية العراقية، وأنه يوي على دلالات مهمة أبرزها: أولاً: تحويل مسألة دعم التغيير في العراق، وتأييد القضية العراقية أساساً، الى مسألة لا تهم أو تعني فقط أحد الأحزاب الأميركية الرئيسية، الجمهوري أو الديموقراطي، ولا ادارة محددة دون أخرى، انما تهم وتعني الحزبين، وأية ادارة اميركية قادمة. ثانياً: تحويل هذه المسألة ايضاً، الى قضية داخلية وطنية اميركية، مثلما هي قضية وطنية عراقية، تهم وتعني الرأي العام والناخب الأميركي، الذي سيضع أي ادارة قادمة، وأي رئيس، أمام المساءلة بمدى الالتزام بتعهداته، وأمام المساءلة والتنديد والنقد إزاء أي تراخ في الالتزام بتلك التعهدات من جهة، وازاء أية محاولة لتغيير الموقف من مسألة دعم التغيير في العراق، من جهة ثانية. ثالثاً: توافر الأسباب، والمبررات الأقوى، في ضوء ذلك، أمام أي ادارة قادمة للبحث جدياً، في اشكال وآليات دعم التغيير في العراق، بما يؤدي فعلاً الى تحقيقه. ولعل أهم تلك الأشكال والآليات، هو توفير الولاياتالمتحدة وحلفائها الدوليين والاقليميين، وبالتنسيق مع المعارضة العراقية، العوامل السياسية والديبلوماسية والاعلامية والعسكرية الملائمة، التي تمكن الشعب العراقي وقوى التغيير في الداخل، من انجاز عملية التغيير واطاحة النظام، والتي يعتمد تفعيلها، ونجاحها، الى حد كبير، على التقاط الرسائل الموجهة اليها من الخارج، والتي تعني الاشارة الى توافر، أو استكمال توافر العوامل الخارجية المذكورة، التي تمثل إحدى الآليات الأهم لدعم التغيير داخل العراق. وثمة أمر آخر ينطوي على دلالة مهمة في اشارته ب"السلب" الى أهمية استثمار الانتخابات الأميركية لدعم التغيير، وهو موقف نظام الحكم في العراق من ذلك، والذي كان من أكثر المظاهر تعبيراً عن انزعاجه وهلعه، هو التعليق "السياسي" الذي بثته اذاعة بغداد "الرسمية" في 6 تموز يوليو الجاري تعقيباً على اجتماع وفد "المؤتمر" الى نائب الرئيس الأميركي آل غور، حيث جاء فيه: "ان المعارضين العراقيين الذين التقاهم غور في 26 حزيران يونيو الماضي ليسوا الا عملاء ومأجورين لبلاده ولا يمثلون الا أنفسهم ولا صلة لهم بالعراق وشعبه لا من قريب ولا من بعيد... وان هذا الاجتماع يأتي في اطار المزايدات الانتخابية الرخيصة والمكشوفة لمساعي غور كسب أصوات الناخبين اليهود"!! ويبقى السؤال الذي يطرحه كثيرون، هل ستواصل المعارضة، وخصوصاً "المؤتمر الوطني" متابعة استثمار الانتخابات الأميركية، حتى ما بعد انتخاب الرئيس الجديد ومطالبته بالالتزام بتعهداته في دعم ومساندة التغيير في العراق؟! * كاتب عراقي