عندما ثارت معركة معبد ابوجا في الهند، في اواسط التسعينات، بين المسلمين والهندوس، ذهبت الى نيودلهي، واجريت مقابلة مع رئىس الوزراء في حينه ناراسيمها راو. ورأيت وانا ادخل عليه ما اعتبرته امراً عجباً، فقد كان "سوامي"، او رجل دين هندوسي اعرفه، خارجاً من مكتبه. ورأيت رئىس وزراء 800 مليون هندي اصبحوا اليوم بليوناً يلمس طرف قميص "السوامي"، طلباً للبركة، ويبتعد عنه ماشياً الى الوراء، حتى لا يدير ظهره له، كأنه قديس. وازداد عجبي عندما دعاني "السوامي" في اليوم التالي الى غداء في بيته حضره رئىسا وزارة سابقان، وبعض اركان الحكم، فقد قال لي على مسمع من الجميع، ما يعني ان لم يكن يكذب، ان رئىس الوزراء لا يتخذ قراراً او يقطع امراً حتى يقرأ له "السوامي" بخته. بكلام آخر، رئىس وزراء الهند لا يطعم 800 مليون نسمة مرة اخرى هم بليون اليوم الا اذا سمع: هل دخل عطارد في المريخ او خرج المشتري من زحل؟ انا مع الشاعر العربي: خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به/ في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل. بكلام آخر، لا اصدق المنجمين صدقوا او كذبوا، وفي حين انني اقرأ جرائد الشرق والغرب كل يوم، فإنني لا اذكر انني قرأت "حظي" مرة، ولو على سبيل الفضول. غير انني لست مهماً، قرأت الابراج او لم اقرأ، وانما رئىس وزراء الهند و"السوامي" مهمان، وكذلك فرنسوا ميتران، رئيس جمهورية فرنسا الذي توفي سنة 1996، فهو ما جعلني اتذكر راو و"السوامي"، بعد ان قرأت ان المدام اليزابيت تيسييه، وهي قارئة بخت فرنسية، تملك تسجيلات تظهر ان رئىس البلد الذي اعطى العالم افكار الحرية والمساواة والاخاء، كان لا يقطع امراً من دون استشارة الابراج. المدام تيسييه قالت انه طلب منها ان تقرأ له بخته قبل دخول حرب الخليج، بل طلب منها ان تقرأ له بخت جورج بوش وهلموت كول وصدام حسين قبل ان يقرر اذا كان سيرسل جنوداً للقتال في الخليج. ومع ان المدام تيسييه دعمت مزاعمها بنشر التسجيلات مع ميتران، فإن ابنته غير الشرعية مازارين بينجو قالت ان هذه المزاعم "مهينة وغير مهمة"، وان والدها لم ينتظر نصح المدام تيسييه قبل اتخاذ قراراته السياسية. كانت هناك محاولة مماثلة في الولاياتالمتحدة لانكار ان نانسي ريغان، زوجة الرئيس السابق رونالد ريغان، لجأت الى الابراج باستمرار، وكانت تنصح زوجها باتخاذ قرارات سياسية بحسب نصح المنجمين. وبما ان ريغان كان متقدماً في السن، وبدا يفقد ذاكرته قرب نهاية ولايته الثانية، فقد اكتسب الموضوع ابعاداً كبيرة لأن القرارات المتخذة كانت تتعلق بالمواجهة مع الاتحاد السوفياتي، او "امبراطورية الشر" كما وصفها ريغان يوماً، اي الحرب والسلام العالميين. هناك قاعدة في التبصير والتنجيم هي انه اذا زادت التكهنات فإن بعضها لا بد ان يصدق. وهنا تدخل الصورة قاعدة نفسية هي ان الناس يذكرون التكهنات الصحيحة بعد ذلك، وينسون الخاطئة. ولعل افضل مثال على ذلك هو الاميركية جين بنكرت ديكسون التي كانت حتى وفاتها سنة 1997 من اشهر قارئات البخت في اميركا. واساس شهرتها هذه انها توقعت اغتيال الرئىس كنيدي. ولكن هل توقعت هذا فعلاً؟ مجلة "باريد" الاميركية نشرت لها في 13 ايار مايو 1956 تكهنات جاء فيها حرفياً: "بالنسبة الى انتخابات سنة 1960، فإن المسز ديكسون تتوقع ان يطغى عليها موضوع العمال وان يفوز بها ديموقراطي، الا انه يغتال او يموت في البيت الابيض، ولكن ليس بالضرورة في ولايته الاولى". وهكذا فقد اصابت ديكسون بالنسبة الى الحزب الفائز، واخطأت بالنسبة الى العمال، ولم تذكر كنيدي بالاسم، ولم تجزم بكيفية وفاته، اغتيالاً او موتاً، او في الولاية الاولى او الثانية كنيدي اغتيل في 1963 وهو في ولايته الاولى. وبنت ديكسون شهرتها على هذه النبوءة التي لم تصب فيها اكثر من 25 في المئة، ونسي الناس لها انها توقعت التالي: - يعين الرئىس ايزنهاور الجنرال دوغلاس مكارثر في منصب رفيع، ربما كان سفيراً، وهذا لم يحدث. - يرشح والتر رويتر، رئىس مؤتمر المنظمات الصناعية نقابة الصناعيين الاميركيين، نفسه للرئاسة الاميركية. وهذا لم يحدث ايضاً. - تنتهي حرب فيتنام في 90 يوماً. وهي استمرت اكثر من تسع سنوات. - سيكون اول رائد يهبط على سطح القمر روسياً. وهو كان الاميركي نيل ارمسترونغ كما نعرف جميعاً. لو كان الذين يقرأون الابراج يعرفون المستقبل فعلاً، لكانوا قرأوا اتجاهات البورصة، واصبحوا من اصحاب البلايين لا الملايين فقط، بدل ان يستمروا في كتابة الابراج للجرائد والمجلات في مقابل قروش معدودة. ومع ذلك قرأت فكرة مضمونة للشهرة في قراءة الابراج والكسب على طريقة "رزق الهبل على المجانين" خلاصتها: ارسل 64 ألف رسالة الى 64 ألف متعامل مع البورصة تتوقع في 32 ألفاً منها ان البورصة سترتفع خلال الاسبوع المقبل، وفي 32 ألفاً ان البورصة ستهبط. وبعد اسبوع ارسل 32 ألف رسالة الى الذين اعطيتهم التوقع الصائب، نصفها يتوقع ان ترتفع البورصة في الاسبوع المقبل، ونصفها يتوقع ان تهبط، واستمر بهذه الطريقة. فبعد ستة اسابيع سيكون هناك ألف متعامل مع البورصة اعطيتهم ستة توقعات صائبة على التوالي، وهؤلاء سيكونون على استعداد لتصديق اي توقع تالٍ لك، وليشهدوا لك بين الناس. وهم اذا فعلوا فستظهر في برامج تلفزيونية وتسألك الحسان عما تخبئ لهن الاقدار من نصيب. اما انا فلا اصدق شيئاً من هذا، ولا اعرف عن المستقبل سوى انه سيأتي، وحتى هذا غير مضمون.