يرجع تاريخ تكوين مجموعات المخطوطات الشرقية عموماً والمخطوطات العربية خصوصاً في اوروبا الى فترة حروب الفرنجة، حين بدأت اوروبا عن طريق هذا الاحتكاك في التعرف إلى الانتاج الفكري العربي. ولكن البداية الحقيقية لانشاء مجموعات المخطوطات الشرقية العربية والفارسية والتركية في اوروبا ترجع الى القرن السادس عشر عندما بدأ اتصال فرنسا بالمخطوطات العربية، غير انها كانت محدودة، ثم ارتفع عددها في العام 1668 ليبلغ 498 مخطوطة عربية، وذلك بشراء "مكتبة الملك" المجموعة الخاصة التي كونها غيلبير جولمان الذي خلف عند وفاته سنة 1665 مكتبة غنية اشتملت على 600 مخطوطة شرقية بينها 233 مخطوطة عربية. واضيفت الى المكتبة 164 مخطوطة عربية كانت بين كتب الكاردنيال مازارين. وعندما اصبح كولبير وزير فرنسا الاول ارسل وكلاء الى الشرق جلبوا من اسطنبولوالقاهرةودمشق وعواصم شرقية اخرى 680 مخطوطة عربية ضمت الى مكتبة الملك بين سنتي 1671 و1678. وفي سنة 1732 اضيفت الى المكتبة مجموعة كولبير الشخصية وتشتمل على 188 مخطوطة، وفي سنة 1338 أصبح اجمالي عدد المخطوطات العربية في المكتبة 1683 مخطوطة، وتوالى بعد ذلك تزويد المكتبة بالمخطوطات مثل مجموعات ملسيبسيدس تيفانو، واصلان دي شرفيل، وشارل شيفر، واميل اصيليو، اضافة الى ما حصلوه في مصر في فترة الحملة الفرنسية ومن شمال افريقيا، والشام في فترة الاستعمار والانتداب. ومن اهم واحدث المكتبات الغنية بالمخطوطات العربية النفيسة في اوروبا مكتبة شيستربتي الموجودة الآن في دبلن في ارلندا، وجمعت هذه المكتبة بعناية فائقة من جانب السير ألفريد شيستربتي احد هواة جمع المخطوطات الشرقية في القرن العشرين. ونجح هذا الرجل من خلال شبكة واسعة من الوكلاء والخبراء المنتشرين في الشرق الاسلامي في جمع 3510 مخطوطات شرقية بينها 2896 مخطوطة عربية و954 مخطوطة فارسية و158 مخطوطة تركية وكلها في حال جيدة من الحفظ وبينها مخطوطات مفردة بخطوط مؤلفيها او بخطوط العلماء، وعليها علامات تملك وتوقيف مؤرخة اضافة الى مخطوطات فريدة بالمنمنمات والصور. وتشتمل هذه المجموعة كذلك على 244 مصحفاً من مختلف البلاد الاسلامية من غرب افريقيا الى حدود الصين، بينها المصحف الوحيد الذي وصل إلينا بخط علي بن هلال بن البواب المؤرخ سنة 391ه، ومجموعة كبيرة من المصاحف والتربعات المملوكية والايلخانية والجلائرية والتيمورية. وتحتفظ المكتبة اليوم بأرشيف ضخم للمراسلات التي دارت بين سير ألفريد شيستربتي وتجار الكتب الدينية زودوه بهذه المخطوطات، وكذلك على اساتذة وعلماء شرقيين وغربيين كان يطلب استشارتهم حول هذا المخطوط، او ذاك، ويشتمل هذا الارشيف المهم على كل ما له علاقة بنشاط جمع هذه المجموعة منذ العام 1914، كما انه يحدد لنا المصدر الصحيح لعدد كبير من هذه المخطوطات جنباً الى جنب مع معلومات عن مخطوطات اخرى عرضت عليه وفحصها ولم يحصل عليها ولا ندري ماذا يميزها. وكانت هذه المجموعة التي جمع معظمها من مصر والشام موجودة في العام 1930 في بارودا هاوس في لندن وعدّت آنذاك واحدة من اشهر مجموعات المخطوطات العربية في العالم، ثم نقلت في العام 1950 الى دبلن. ولها هناك مبنى خاص ووضع لها بين عامي 1955 و1964 المستشرق الانكليزي اربري فهرساً لمقتنياتها في سبعة اجزاء، كما وضعت لها اورسولا ليونز كشافاً صدر عام 1966 هو الجزء الثامن من فهارس المكتبة، كما قام اربري بعمل فهرست للمصاحف المزوقة الموجودة في المكتبة صدر عام 1968. وتحتفظ هذه المكتبة بالمصحف الذي اعتبره رايس العمل الوحيد الذي وصل إلينا من اعمال الخطاط العربي الشهير علي بن هلال بن البواب، كما انه اقدم المخطوطات العربية المزخرفة بالكامل التي اكتشفت حتى اليوم، وهو عبارة عن مجلد صغير يقع في 286 ورقة قياس كل صفحة منها 5.17 × 5.13 سم وابعاد السطح المكتوب 5.13 × 9 سم ومسطرة كل صفحة 15 سطراً، وتوفر على دراسة هذا المصحف النادر المستشرق الانكليزي د.س.رايس وقدم لنا في سنة 1955 دراسة فنية رائعة عن ابن البواب والمصحف الوحيد الذي وصل إلينا بخطه. ومن بين المخطوطات التي بخطوط مؤلفيها وتحتفظ بها هذه المكتبة الجزء الثاني من "النهاية في غريب الحديث والاثر" لمجد الدين ابن الاثير، و"مجمع الاقوال في معاني الامثال" لابي البقاء العكبري. كما تحتفظ بخطوط لكل من الحافظ التلفي، وابن عساكر، وابن الانباري، وياقوت الحموي، والحسن بن محمد الصغاني، والمزي، وصلاح الدين خليل بن ابيك الصفدي، وابراهيم بن ايدمر العلائي المعروف بابن دقماق، وجلال الدين المحلي، وشمس الدين السخاوي، وعبدالعزيز بن عمر بن فهد المكي، واحمد بن يحيى بن فضل الله العمري، وموهوب بن احمد الجواليقي. وكان من بين الوراقين الذين امدوا هذه المكتبة بالكثير من نفائسها احمد عبيد، صاحب المكتبة العربية في دمشق، وابن الخانجي، مؤسس مكتبة الخانجي في القاهرة. ومن الكتب التي زود بها الخانجي مكتبة "شبستربتي" نسخة من "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي عرضها في عشرينات القرن العشرين على العلامة المرحوم محمود محمد شاكر الذي استنسخ لنفسه نسخة منها لم يتمها. وعندما فكر في نشر الكتاب في سنة 1952 طلب النسخة من ورثة امين الخانجي ليتم نسخ ما تبقى منها ولكنه لم يقف عليها. ثم نشر اربري في سنة 1954 مقالاً في مجلة "مدرسة الدراسات الشرقية" في لندن يصف فيه مخطوطاً جديداً اضيف لمكتبة شيستربتي هو نسخة من كتاب ابن سلام الجمحي، وهي النسخة التي اطلع عليها محمود شاكر عند امين الخانجي قبل ذلك بعشرين عاماً وكتب عليها بخطه وتوقيعه. كما ان نسخة "معجم السفر" للحافظ التلفي الموجودة في المكتبة عرضت على دار الكتب المصرية في القاهرة واستنسخت منها صورة "فوتو ستاتية"، حفظت بها تحت رقم 3932 تاريخ 1942. ومع ان هذه المكتبة بدأت كمكتبة خاصة، إلا ان لجنة من الامناء هي التي تشرف على ادارتها، كما انها تمول بمنحة سنوية من وزارة المالية الارلندية، وتشغل مكتبة "شستربتي" ثلاثة مبان اولها: مخصص لقاعة العرض الرئيسية، وثانيها: المبنى الاصلي للمكتبة، يستخدم كقاعات للعرض، وخصص ثالثها للادارة بالاضافة الى مكتبة المراجع وقاعة الاطلاع. * كاتب مصري.