كانت المخطوطات موضوعاً أساسياً للاستشراق الأوروبي بين القرنين ال16 وال18 الميلاديين. ففي تلك الآونة كان الأدبُ العربي مخطوطاً، إذ إن الطباعة باللغة العربية لم يكن لها وجود حتى القرن ال19. ومن المعلوم أن طلائع الاستشراق الأوروبي كانت تقتفي المخطوطات أو تركز على المخطوطات العربية المُجمعة في أوروبا آنذاك، أما المخطوطات العربية نفسها فلم تكن نادرة وقتذاك، إذ كانت أشياء مألوفة في البلدان العربية والإسلامية من المغرب حتى إندونيسيا وكانت تباع في الأسواق. وبطبيعة الحال لم يكن الأمر يخلو من صعوباتٍ مثل ضعف وسائل نقل المخطوطات وبدائيتها، وأيضاً قلة عدد المختصين بهذا الشأن. والسِفر الذي نحن بصددهِ هو ذلك المرجع القيم الذي قام بالاعتناء به وتقديمه إلى القارئ العربي أنس مخلوف، وصدر عن معهد الدراسات الشرقية في المجمع العلمي الروسي في سان بطرسبرغ، بالتعاون مع مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث. يعرض الباحث أهم ما يتعلق بالمخطوطات العربية، مؤكداً أنه في القرن التاسع عشر، ومع تعقد دراسات اللغة العربية وآدابها ازداد تدفق المخطوطات العربية إلى الخزائن الأوروبية وتوسعت الأعمال بفهرستها وانتشرت دراسات بعض المؤلفات، وتم نشر العديد من الآثار المهمة سواء كان نشر النص الأصلي أو المُترجم، وبدأ جرد منتظم لمؤلفات الكتابة العربية العائدة إلى القرون الوسطى ومؤلفيها، وبين الحين والآخر كانت الوقائع المجمعة تستنتج من خلال البيبلوغرافية أو من خلال مؤلفات حول تاريخ الأدب بمختلف فروعه. وفي القرن العشرين بقيت اتجاهات الأعمال الاستشراقية مستأنفة وبنطاقٍ واسعٍ، وأصبح عدد المؤلفات المطبوعة المُكرّسة لوصف المخطوطات ونشرها وترجمة نصوصها هائلاً، لدرجة أنه إذا صُنفت في قائمةٍ فسوف يحتاج ذلك إلى عدد من المجلدات. في بلدان الشرق حيث تخزن غالبية المخطوطات العربية بدأت الأعمال في مجال فهرستها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأجريت بصورة غير منتظمة، وبدأ في كل مكان نشر الفهارس للمخطوطات. يتألف النص المخطوط في الآداب العربية العائدة إلى القرون الوسطى من عناصر عادية هي: العنوان ومقدمة المؤلِف والنص الأساسي والخاتمة. ويرتبط ظهور عدد من مجموعات المخطوطات العربية ونموها مباشرة مع تطور الآداب الكتابية وتزايد كمية المخطوطات الفريدة، وكان بحوزة صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) المتعلمين صحائف منفردة بفحواها وهي مقاطع القرآن الكريم، وعلى ما يبدو كان من ضمن ممثلي الجيل الإسلامي من الثاني والثالث أناس في حوزتهم مجموعات (اللفائف، والصحائف والدفاتر والمخطوطات المكونة من دفاتر عدة)، وتشير التنويهات على هذه المجموعات في المصادر المتأخرة بأن أصحابها كانوا يخزنونها على شكل حِزم ورُزَم في حقائب وربطات وأضابير وعلبٍ وصناديق وأوان فخارية، ولذا كان بمقدور أصحاب هذه المكتبات الخاصة حملها بأنفسهم أو على حيواناتهم في أسفارهم. ولم يقتصر وجود المخطوطات العربية على بلدان المشرق العربي، بل تعداه إلى البلدان التي فتحها المسلمون، فكانت في مختلف المدن الأندلسية، ولا سيما في مرحلة الملوك في القرن الحادي عشر، مكتبات تحتوي على الكثير من المخطوطات. وكانت أشبيلية من أهم المدن كمركزٍ للمخطوطات في إسبانيا العربية وكان شرف الدين محمد بن المعتمد (1069- 1091م) يجمع المخطوطات ويهوى نسخ دواوين الأشعار، ويتمتع بخطٍ بديع. وكان من أشهر هواة جمع المخطوطات محمد بن عبدالله المعافري الأشبيلي، ومحمد بن خير بن عمر الخليفة. ومن مشاهير جُماع المخطوطات الوزير أبو جعفر بن عباس الذي احتوت مكتبته على أكثر من أربعمئة ألف مجلد، وأيضاً أبو عمر ميمون بن ساسين الصنهاجي. كما كانت طليطلة مركزاً كبيراً للثقافة الإسلامية، حيث قطن كثير من عشاق الكتب، فقد جمع أبو الوليد هشام بن عمر الأموي ابن الخشني عدداً كبيراً من المخطوطات الجيدة في الشرق وأحضرها إلى المدينة. واشتهرت مكتبة أبي جعفر أحمد بن محمد ابن ميمون الأموي بحُسن انتقاء المخطوطات. أسس القرطبي أبو القاسم حاتم بن محمد التميمي ابن الطرابلسي مكتبة كبيرة من المخطوطات المنتقاة بدقةٍ تامة، وكان ممثلو أسرة الهوديين في سرقسطة يرعون الشعراء والأدباء. احتشدت في غرناطة – المأوى الأخير للمسلمين الأندلسيين - الكثير من مجموعات المخطوطات العربية، وكان من أشهر مكتباتها: مكتبة يوسف بن إسماعيل، وزير باديس بن حبوس، وكان من أصحاب المجموعات المخطوطية الجيدة أبو عبدالله بن الطراز وابن فرحون. ويؤكد المستشرق ريبيرا أن من الأسباب الأساسية لهلاك المخطوطات العربية – الأندلسية، إتلاف الورق واستخدامه بمثابة الكرتون للأغلفة وتصدير المخطوطات وإحراقها الجماهيري الذي بدأ منذ أواخر القرن العاشر. وبعد الاستيلاء على غرناطة سنة 1942م صودرت من السكان العرب آلاف المخطوطات وأحرقت في ساحة الرملة. ويمكن أن نلخص الأسباب الرئيسية لهلاك المخطوطات العربية أو سوء حفظها في ما يلي: الأحداث الفريدة من نوعها وهي إتلاف المؤلفين مدوناتهم وكتبهم لأسبابٍ دينية، أو من جراء خيبة أملهم في المعارف الكتابية، والإتلاف القصدي لكتب الغير بدافعٍ من الحسد أو المنافسة أو التنافر الفكري بين الأفراد والطوائف وبين أتباع مختلف الأديان، أو الاهتراء الطبيعي للورق والأغلفة المشتد، نتيجة غياب الاعتناء اللازم بالكتب والجهل بأصول حفظها وإهمال المغلف (كأن ينقطع الغلاف عن الكتاب وتنفصل الصحائف والدفاتر عن بعضها)، أو إفسادها نتيجة تعرضها للتأثير الضار من الظواهر الجوية أو من الحشرات والقوارض وكذلك الإحراق العلني للمخطوطات والنزاعات الطبقية والفتن والحروب. وتساعد الأبحاث الاستشراقية المختلفة والمتنوعة على تمديد الجسر الذي بين الذي كان وبين ما وصل إلى أيامنا، ويعود الفضل الأساسي لاكتشاف تاريخ المخطوطات إلى المؤلفات المحددة وفي الغالب تكون هذه المسألة صعبة، فليس معروفاً عن كثيرٍ من المخطوطات إلا واقع وجودها وذلك بذكرها في مؤلفٍ أو عدة مؤلفاتٍ فقد وردت في فهرست ابن النديم بيانات عن الآف المخطوطات من القرون الثلاثة الأولى من تاريخ الثقافة العربية التي لم تحفظ في المخطوطات ومن الجدير بالذكر أن المخطوطات التي تم تسليمها عبر الحقب التاريخية من الأقاليم، هي أقل من التي فقدت، نعرف عن بعض هذه المؤلفات أنها هلكت بصورتها المسودة أو المبيضة ومؤلفها على قيد الحياة، وقد حدث ذلك تحديداً مع بعض مؤلفات ابن سينا. تحتوي المصادر على البيانات حول انتشار أو ندرة بعض المؤلفات هذه أو تلك، فمثلاً يشار إلى وجود طائفة من المخطوطات ك «تذكرة» ابن حمدون و «شرح المقامات» للحريري لمحمد بن عبدالرحمن المسعودي البندهي (1128- 1188م) في خمسة مجلدات كبيرة، وتجارب الأمم المسكويه وغيرها، ومن ناحية أخرى ندرة بعض المخطوطات مثل كتاب «مطمح الأنفس» لأبي نصر الفتح بن محمد بن عبيدالله بن خاقان القيسي الأشبيلي و «كتاب الأنساب» للسمعاني، و «كتاب الحجابة والحُجّاب» لابن التعاويذي. وبعض المؤلفات وصلت إلينا أو تم اكتشافها بنسخة واحدة فقط، وتتلاقى من بين هذه المؤلفات المكتوبة منها بخطوط مؤلفيها، وثمة مؤلفات أخرى لا نعرفها إلا من خلال ترجمتها إلى التركية أو اللاتينية، وأكثر الحالات جودة ووضوحاً مخطوط مكتوب بخط مؤلفه أو أية مخطوطة قديمة أخرى والنسخ المقابلة عليها، عندئذ يظهر كل تاريخ المخطوطات بوضوحٍ، هكذا جرت الأمور مع مؤلفات البيروني، وكثير من مؤلفاتٍ مرّت بتاريخٍ طويل ومعقد ووصلت إلينا في مخطوطات عدة. ولعب الاستشراق دوراً في ربط تاريخ المخطوطات مع تاريخ المكتبات بما فيها القديمة والحديثة. وتشير كمية المعطيات حول مجموعات المخطوطات ماضياً وحاضراً بالاقتران مع تقديرها العلمي في إخبارات المصادر والفرائض الحذرة إلى أن الأدب العربي المخطوط في القرون الوسطى كان الأغنى في العالم بزمانه.