من يتابع القضايا المطروحة على أجندة مجلس الأمة الكويتي ذات الصلة بالمرأة يلحظ أن المجلس تعامل معها بنوع من الاستعلاء والرفض الذي نتلمسه من خلال اقرار المجلس لقانون منع الاختلاط بين الرجال والنساء في جامعة الكويت وفي الجامعات الأهلية، وتصويته ضد الاقتراح الأميري في تشرين الأول أكتوبر الماضي القاضي بمنح المرأة حقها السياسي في التصويت والترشح لانتخابات مجلس الأمة. استند المجلس في مواقفه السلبية تجاه المرأة، خصوصاً في قراره الأخير، على مبررات دينية واجتماعية واخلاقية وسياسية، بعيدة كل البعد من الصواب، ويمكن مقاربة هذه المبررات كالآتي: المبررات الدينية: استند التيار الاسلامي في المجلس لخلفية شرعية تنص على حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء، وأن ذلك أمر تحرمه الشريعة الاسلامية وترفضه رفضاً تاماً، يقول الشيخ أحمد القطان أحد رموز التيار الاسلامي "ان الذين يدعون الى الاختلاط انما يحاربون الله ورسوله والذين آمنوا ويجب على من أقر بأن لله الخلق أن يقر بأن لله الأمر"، كما أكد الشيخ القطان بأن "من ينادي بالاختلاط لا يستحي من الله ورسوله وأن الغيرة والمروءة والنخوة تموت في نفس الإنسان بسبب الغيرة". ان الذي يقرأ عبارات الشيخ القطان سالفة الذكر يجد فيها مخالفة لصريح ما جاء في كتب الحديث والسنّة من وجود الاختلاط بين الصحابة والصحابيات في زمن الرسول صلى الله عليه وسلّم. وهناك من العلماء من يقول بجواز الاختلاط شرط عدم الوقوع في الحرام، مما يجعل المسألة مفتوحة أمام الاجتهادات المختلفة أي أن المسألة ليست محسومة وليس هناك حكم اسلامي مطلق بالحرمة يتفق عليه الجميع. 2 - المبررات الاجتماعية والاخلاقية: اعتبر المدافعون عن قانون منع الاختلاط أن هناك أسباباً اجتماعية واخلاقية تجعلهم يرفضون الاختلاط مستدلين في ذلك على طبيعة التركيبة السكانية المحافظة للمجتمع الكويتي، وتمسك المجتمع بالأخلاق العامة والأحكام الاسلامية، وأن طبيعة المجتمع طبيعة قبلية محافظة تغار على المرأة وتحافظ عليها، ولا ترضى لها التفسخ الاخلاقي، متذرعين بأن الاختلاط عادة غربية لا تتناسب مع طبيعة المجتمعات الشرقية المسلمة. للرد على ذلك نقول صحيح ان المجتمع الكويتي مجتمع مسلم محافظ، لكن ذلك لا يعني أن الاختلاط سيغير من طبيعته المحافظة، وسيعمل على نشر الانحلال الخلقي. ان المشكلة تكمن في الذهنيات التي ترى في الاختلاط نقيضاً للمحافظة والآداب العامة، وهذا تفسير عقيم ومغلوط. ان الاختلاط لا يعني نشر الرذيلة، وانما يعني أن تكون علاقة الرجل بالمرأة علاقة طبيعية، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون في بناء المجتمع وترسيخ دعائمه، ضمن اطار الآداب العامة، وما تسمح به طبيعة المجتمع. فالاختلاط موجود في الأسواق والدوائر الحكومية والشركات والأماكن العامة، من دون أن يؤدي ذلك الى تفسخ المجتمع الكويتي. والدليل على ذلك وجود التيارات الاسلامية المعارضة للاختلاط وحضورها في الساحة الاجتماعية، وتعاون شرائح متنوعة معها من الرجال والنساء والصبيان من دون أن يكون هناك أي حرج في ذلك. - المبررات السياسية: تتمثل هذه المبررات في كون الحكومة تريد أن تمرر قرارات لادستورية تقرها رغماً عن أنف المجلس. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كون الاختلاط يمثل غزواً ثقافياً غربياً يراد به التسلط على مقدرات الأمة وهدم كيانها، لذا وجب التصدي له ومنعه. للجواب عن ذلك نقول، على فرض أن الحكومة كانت تريد أن تمرر قراراتها على المجلس، وأن في ذلك استغفالاً لا يرضى به المجلس، كان بمقدور المجلس أن يطيح قانون الحكومة ثم يقترح قانوناً جديداً ويصوت عليه اذا كان اعتراضه على الطريقة غير الدستورية للقرار، ويقر في القانون الجديد الاختلاط وبملء ارادته. لكن الحقيقة أن المجلس ذاته كان ضد الاختلاط، وإن تذرع بأمور أخرى قانونية. بعد أن أشرنا لبعض المبررات التي استند اليها المؤيدون لقانون منع الاختلاط في الجامعات، نتطرق بنوع من الايجاز لسببين من الأسباب التي تدعو مجلس الأمة الكويتي لأن يكون سلبياً تجاه المرأة. وهذان السببان مرتبطان بتركيبة العقلية السائدة أو لنقل المتصدية للأمور في مجلس الأمة الكويتي: اولاً، العقلية القبلية: المجتمع الكويتي مجتمع قبلي تحتل فيه القبيلة موقع القطب الذي يدور في فلكه المنتمون اليها. واثرت هذه التركيبة القبلية تأثيراً كبيراً في المجتمع الكويتي واصطبغ بعاداتها وتقاليدها وثقافتها، من دون أن تكون هناك عملية تنقية، ومن تلك مسألة مكانة المرأة في القبيلة ونظرة المجتمع للمرأة. قد يقول البعض ان المجتمع الكويتي مجتمع متحضر، انتقل من القبيلة الى مرحلة الدولة، ولم يعد أسير العقلية القبلية. والصحيح أن المجتمع الكويتي مجتمع مدني وحداثي، لكنه ما زال تحت تأثير العقلية القبلية، وما زالت هذه العقلية حاضرة وبنسب متفاوتة في اللاوعي. وأن الحداثة التي يمتاز بها المجتمع الكويتي هي حداثة الآلة لا حداثة الانسان. فهل يعقل أن يكون المجتمع حداثياً وفي الوقت نفسه يغيّب آراء قطاع كبير من المجتمع يفوق عدد الرجال، إذ جاء في صحيفة "الشرق الأوسط" عدد الأربعاء 5/7/2000 أن "عدد الذكور الكويتيين البالغين 21 سنة فأكثر وهو السن القانوني للتصويت بلغ هذا العام 174000 بحسب احصاءات الهيئة العامة للمعلومات المدنية، فيما بلغ عدد النساء من الفئة العمرية نفسها حوالي 197000"، أي بزيادة قدرها 23000 نسمة لمصلحة الاناث. - العقلية الدوغماتية: التي تدعي الانتماء للسلف الصالح، بينما هي انتقائية تنتقي من سيرة السلف ما يتوافق ومصلحتها من دون أن يكون الحكم والفيصل في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا كيف نبرر تجاهلها للكثير من الأحاديث التي تقرر الاختلاط في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والواردة في كتب الصحاح. كان على مجلس الأمة الكويتي، اذا كان يثق في أخلاق شعبه، أن يترك الاختيار بيد الشعب وأولياء أمور الطلبة وأمرهم، بدلاً من أن تقر الأمور بنوع من العصبية المغلفة بالديموقراطية والمتلبسة بلباس الدستور. * كاتب سعودي.