عكست إجتماعات طارئة ومتلاحقة في الخرطوم أمس قلق الحكومة السودانية من التطورات العسكرية في جنوب السودان، إثر تصعيد المتمردين الجنوبيين هجماتهم أخيراً في مناطق اقليم بحر الغزال وتهديدهم مناطق انتاج النفط. في غضون ذلك رفض الرئيس المصري حسني مبارك أمس "التدخل الخارجي في شؤون السودان او ما يمس سلامة أراضيه ويحدث اضطراباً في مسيرة العملية السلمية التي تقوم على حوار مقترح تعمل من أجله حتى يتوقف النزيف الداخلي في السودان". وأعلن وزير الخارجية السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل عقب اجتماع مع مبارك في القاهرة التي زارها أمس في طريقه الى بريطانيا، ان اجتماع الحكومة السودانية والمعارضة الذي تستضيفه القاهرة سيعقد الشهر المقبل. تفاصيل ص 5 وعقد مجلسا الامن والدفاع الوطني والوزراء إجتماعين منفصلين أمس، كما عقد الرئيس عمر البشير اجتماعاً مع ممثلي الاحزاب السياسية شارك فيه حزب الامة المعارض. وقال وزير الاعلام السوداني الدكتور غازي صلاح الدين إن المجلسين إتخذا قرارات وإجراءات كفيلة بصيانة الامن والاستقرار والمحافظة على مكتسبات البلاد، بعد البحث في "اعتداءات حركة التمرد وخرقها المتكرر لوقف النار". وقال إن مجلس الوزراء "أيد قرارات مجلس الامن والدفاع وأعلن الاستنفار والتعبئة العامة، وأقر رفع درجة الاستنفار في أجهزة الدولة وتوظيف امكاناتها لمواجهة الظروف القائمة ودعوة المجتمع والقوى السياسية لإعلاء صوت الدفاع عن الوطن على ما سواه من القضايا". ورأى أن "حركة التمرد تستهدف من تصعيد عملياتها في هذه الفترة الانجازات الكبيرة التي حققتها الحكومة في انتاج النفط وتسعى إلى افشال مساعي الحكومة لإقرار تسوية سياسية مع المعارضين". على صعيد آخر، اتهم حزب الأمة السوداني المعارض جهات لم يسمّها بتحريض أفراد قواته التي أعادها الى السودان أخيراً على التذمّر والخروج عن النظام العام بعد مطالبة جنود الحزب بتسريع عملية تسوية أوضاعهم. وأكد الامين العام لحزب الأمة الدكتور عمر نورالدائم "وجود عناصر متذمرة بين قوات الحزب نتيجة الحملة الرامية الى إحداث بلبلة وسط القوات العائدة". وأضاف أن جهات روّجت لمستحقات مالية لم تعد بها قيادة الحزب. والحزب وفى بما وعد به ولا يستطيع تقديم أكثر مما يقوم به. وكانت قوات الحزب تتمركز في منطقة الحدود السودانية - الاريترية وعادت الى البلاد الشهر الماضي ضمن إطار التسوية السياسية الجارية حالياً. وانتقل نحو مئة من أفراد قوات الحزب، أول من أمس، إلى دار الحزب في مدينة امدرمان بعد تلقيهم أوامر من الحكومة بإخلاء معسكرهم في أرض المعسكرات في ضاحية سوبا. وطالب ممثل القوات العائدة عبيد الرفاعي قيادة حزب الامة ب"توفير المتطلبات التي تعين العائدين على مواجهة الحياة، وتوفير الدعم المالي والعلاج للمرضى، والسعي الى استيعاب العائدين في الخدمة العامة خصوصاً ان أعداداً منهم فصلت من وظائفها في أوقات سابقة، وإعادة الطلاب المفصولين الى مدارسهم وجامعاتهم". لكن رئيس لجنة العائدين في الحزب الدكتور علي حسن تاج الدين قال إن فترة بقاء "قوات الأمة للتحرير" الذين يصل عددهم الى 240 شخصاً في أرض المعسكرات الحكومية انتهت، مما اضطر قيادة الحزب لنقلهم الى دار الحزب في أمدرمان الى حين توزيعهم بعد معالجة أوضاعهم. وأوضح أن الحزب رأى عدم جدوى نقلهم الى معسكرات جديدة. من جهة أخرى، قلل نورالدائم من شأن مجموعة أعلنت أمس انشقاقها عن الحزب وأصدرت بياناً هاجمت فيه سياسات قيادة الحزب و"تهميش الآخرين"، وما سمته "الهيمنة والتسلط والانفراد بالقيادة ومصادر المال والقرار داخل الحزب". وقال نورالدائم ان حزبه "يتمتع بثقل جماهيري وسند لن يتأثر بالهيجات التي تقوم بها شخصيات معزولة سرعان ما تختفي كما حدث لمن حاولوا قبلها. هذا أمر لن نعيره اهتماماً". ولم تكشف المجموعة التي اصدرت البيان عن أسماء أفرادها. ونفى نورالدائم وجود صراع بين أعضاء الحزب من غرب البلاد ووسطها، وشدد على أن الهيكل الجديد الذي أقرّه الحزب "حمل توازنات مرضية للجميع". ووصف من يروّجون وجود صراع من هذا النوع بأنهم من "دعاة الجهوية المتخلفة". وأشار الى ان الهيكل الجديد "نال رضا كل القيادات وبينها أعضاء أمانة الحزب السابقة"، بعدما تردد أن هؤلاء لم يُختاروا في القيادة الجديدة نتيجة مواقفهم المتصلبة إزاء التسوية السياسية مع الحكومة. وأضاف ان التشكيل الجديد "انتقالي ولمدة ستة أشهر. المؤتمر العام للحزب سيحسم أمر التشكيل بالانتخاب لدى انعقاده في 26 كانون الثاني يناير المقبل". وعكف المكتب القيادي لحزب الأمة على درس رسالة وصلت اليه من زعيم الحزب السيد الصادق المهدي الموجود حالياً في الخارج. وامتنع قياديون في الحزب عن الخوض في فحوى الرسالة، لكن مراقبين رجحوا أن تكون ذات صلة بخلافات برزت أخيراً بعد تشكيل المكتب القيادي الجديد. وراجت معلومات في الخرطوم أفادت أن المهدي اختار مساعدين لرئيس الحزب من شخصيات لم تسند اليها مهمات في القيادة الجديدة مثل عبدالرحمن نقدالله الذي تردد أنه اختير مساعداً لرئيس الحزب لشؤون "التجمع الوطني الديموقراطي" المعارض، وآدم موسى مادبو للشؤون السياسية وبكري عديل للشؤون التنفيذية.