نشرت جريدة الحياة في 3 حزيران/يونيو الفائت مقتطفات من بيان صادر عن السيد محمد خليفة سويدي من اصل سوري يقول فيه انه يتعرض الى سرقة ادبية ما لبثت ان تحولت الى مؤامرة ماكرة واسعة النطاق تشارك في حبك فصولها اطراف عدة في عدد من العواصم العربية والاوروبية. وفي خضم هذه المعمعة وجهت الاتهامات ضدي سمير بوتاني وضد دار النشر التي اديرها في ستوكهولم منذ عام 1975 صوت اسكندنافيا. واضح من البيان الذي نشرت الحياة بعضاً منه، بان خليفة يعاني من كوابيس خبيثة اجبرته على الاستعانة بالبرلمان السويدي والاتحاد الاوروبي وهيئة الاممالمتحدة لتنقذه من "المؤامرة الدولية" التي تتمحور حول "السرقة الادبية". ونظرا لورود اسمي ضمن هذا الاطار، فانني انتهز هذه الفرصة لاعرض بعض الجوانب المتعلقة بموضوع "السرقة الادبية" المزعومة التي يقول خليفة انه ضحيتها. وفيما يلي امور جوهرية لابد من ذكرها لايضاح الصورة متكاملة: قمت في ربيع 1995 بتعريب مجموعة من الوثائق والبحوث ونشرها في السويد لحساب وزارة الخارجية السويدية بمناسبة مبادرتها في تنظيم وعقد مؤتمر "الاسلام واوروبا" في ستوكهولم في حزيران/يونيو من العام نفسه. وكان من ضمن المواد المعربة والمنشورة الفصل الاخير من كتاب "الاسلام وأوروبا - تعايش ام مجابهة؟" للدبلوماسي والمفكر السويدي انغمار كارلسون، بعنوان "الحمراء نموذجا للبيت الاوروبي". وقد ترجم الفصل هذا وتم نشره قبل ان اتعرف على محمد خليفة. بعد محاولات متكررة وافقت في نهاية عام 1996 ان اترجم بقية الكتاب موضع البحث. وقد انجزت الترجمة وتم تسليمها الى اصحابها للنشر في ربيع 1997، بعد ان مرت بمراحل الترجمة الاولية ثم المعاملة اللغوية واعادة كتابة النصوص وتدقيق الجوانب النحوية واخيرا مطابقتها مع الاصل. ولدي تفويض من الكاتب انغمار كارلسون يمنحني فيه كل حقوق الترجمة والنشر بالعربية لكتابه موضع البحث. في اواسط آيار/مايو 1999 طلب الي ان انشر الكتاب في السويد، بعد ان اضيف اليه فصل جديد كتبه المسؤول في وزارة الخارجية السويدية عن تنظيم مؤتمر "الاسلام واوروبا". وصدر الكتاب بعد شهر من ذلك تقريبا. قمت قبل بدء عملية التعريب بعدد من الاتصالات واستمزجت الاراء والامكانات واخترت الفريق الذي تعاونت معه في مختلف مراحل الترجمة. وكان السيد خليفة، الذي تعرفت عليه في ستوكهولم اثناء انعقاد مؤتمر "الاسلام واوروبا"، ضمن فريق العمل هذا. قام بالترجمة الاولية اخي حنا بوتاني مباشرة عن السويدية. وسلمت النصوص الى محمد خليفة للمراجعة اللغوية للترجمة الاولية. ونفذ خليفة مهمته في نيسان/ابريل 97 ودفعت له اتعابه. وطبعا لم تدخل مهمة تدقيق الترجمة في عمله اطلاقا ولا في أي شكل كان، اذ ان معرفته باللغة السويدية محدودة اصلا وتكاد لاتغطي متطلبات التفاهم لاحتياجاته اليومية! وراجعت ما انتجه محمد خليفة فوجدت انه قد سمح لنفسه بحرية لا تقر بها الترجمة الامينة. فقد اكتشفت وجود اضافات ونصوص لا علاقة لها بالاصل او بالترجمة الاولية. كما اكتشفت تحويرات وسوء فهم ومواقف وتقييمات مزاجية لا علاقة لها بمحتويات الكتاب. ولم يكلف خليفة نفسه مشقة الاتصال باخي السيد حنا بوتاني للاستفسار عن اي غموض يمكن ان يكون قد واجهه اثناء التعامل مع الترجمة الاولية، لا سابقا ولا لاحقا، لا في موضوع الكتاب ولا في اي موضوع آخر. كما ان الكاتب كارلسون اكد لي مجددا، قبل كتابة هذه السطور، بان خليفة لم يتصل به باي امر يتعلق بالاصدار العربي لكتابه اطلاقا. واطلعت الدكتور نعمان كنفاني في جامعة كوبنهاغن على الورطة التى وجدت نفسي ضحيتها، واتفقنا على ان يوسع مساهمته ويقوم ايضا بتدقيق الترجمة مطابقة مع الاصدار الدنماركي للكتاب. وقام بذلك مشكورا. وكل الاصول التي تعامل معها موجودة في الكامل. وقمت بعد الدكتور كنفاني بمراجعة النص الاخير ومقارنته بالاصل السويدي. وانطلاقا من قناعتي الشخصية والمهنية، اجريت التعديلات النهائية التي ارتأيتها، فانا شخصيا اتحمل كل المسؤوليات القانونية والادبية المتعلقة بالترجمة والاصدار العربي. وفي الكلمة التي قدمت بها الاصدار المعرب من كتاب انغمار كارلسون كتبت التالي : "...الترجمة هي حصيلة تعاون بين فريق يمثل خبرات متباينة صبت كلها في هذا النتاج. فقد قام بالترجمة الأولى عن السويدية اخي حنا بوتاني للاستفادة من معرفته الواسعة باللغة السويدية ومفرداتها. وبعدها قام الزميل محمد خليفة بالمراجعة اللغوية واعادة كتابة بعض فصول الكتاب. ثم شارك الدكتور نعمان كنفاني بسعة اطلاعه ومتابعته للشؤون العربية الاسكندنافية، وقام، اعتمادا على الترجمة الدنماركية، بمراجعة وتمحيص النصوص بدقة الباحث من موقعه في جامعة كوبنهاغن. وكان دوري مراجعة ما تم بعد كل مرحلة من المراحل السابقة، محاولا الاستفادة من خبرتي الصحفية على مدى اكثر من ثلاثين عاما من اقامتي في اسكندنافيا، فقمت بالتعديلات والتغييرات واعادة ترجمة وكتابة بعض الفقرات انطلاقا من قناعاتي واعتمادا على اتصالي المستمر مع الكاتب انغمار كارلسون واستمزاج رأيه في بعض ما اختلفنا عليه نحن الذي شاركنا في عملية التعريب. وبين خلافاتنا والتعديلات التي اجريناها اثناء عملية الترجمة قامت السيدة لطيفة الأشقر باجراء التغييرات في النصوص التي تم تنضيدها مرة بعد مرة بصبر وتفهم تشكر عليه. نحن الذين شاركنا في هذا العمل نأمل ان نكون قد ادينا مساهمة ايجابية للمكتبة العربية. وكل الايجابيات هي حصيلة العمل الجماعي الذي قام به فريق الترجمة. واذا كان هناك ثمة تقصيرات لا نتمناها، فانها غير مقصودة واتحمل شخصيا مسؤولية التقصير، إذ كنت وحدي مسؤولا عن الصيغة النهائية لهذه النصوص". هذه باختصار قصة "السرقة الادبية" المزعومة والخلفية التى دفعت محمد خليفة الى ان يعلن، من على البرج العاجي الذي اقامه لنفسه، بان مؤامرة دولية تحاك ضده. وعليه قرر ان يعلن نفسه ضحية وان يقوم بدور المحامي والمحلف والقاضي في آن واحد، فراح يصب جام الغضب على كل ما هب ودب وعلى كل من تجرأ ان يخالفه الرأي، مدعيا انه لم يتم تغيير "كلمة واحدة" بعد ان غير هو في نصوص "الترجمة الاولية الركيكة". بعد ان اطلع محمد خليفة على الكتاب مطبوعا وجه لي رسالة تفنن في كيل الاتهامات فيها، ثم انذر متوعدا بانه اذا لم اوقف توزيع الكتاب فانه "..سيتصل باتحاد الكتاب السويديين وانه سيرفع القضية الى القضاء ليكشف عملية التزوير هذه بمساعدة المؤسسات الديمقراطية السويدية العريقة ..." وبعد مشاورات قانونية وتبادل الرأي قررت اهمال الاجابة على الرسالة تلافيا للدخول في مهاترة اعتمدت اسلوب التهديد والشتائم والادعاءات الكاذبة. وتركت لخليفة خيار معالجة الامر امام المؤسسات المعنية والقضاء. وفي اواسط آب اغسطس استلمت رسالة من اتحاد الكتاب السويديين جاء فيها "... بناء على معلومات من محمد خليفة... "نحثكم" على ...اضافة تصحيح على صفحة مرفقة لدى توزيع الكتاب تبين ان الترجمة تمت من محمد خليفة وحنا بوتاني ...". واتصلت بالاتحاد معبرا عن دهشتي ومستفسرا عن الاطر القانونية للاتصال الذي بادروا به. فكانت الاجابة بان الامر لا يتعدى كونه نقل وجهة نظر احد المنتمين الى الاتحاد الى الطرف المعني ..لا اكثر ولا اقل. الا ان محمد خليفة "فهم" الرسالة اعلاه على مزاجه وكتب الي قال فيها.."اشارة لقرار اتحاد الكتاب السويدي.. الذي كرس وثبت حقوقي في ترجمة كتاب انغمار كارلسون... وحكم ببطلان عملية التزييف والتلاعب التي قمت بها.. اما وقد انتصر الحق وزهق الباطل، باذن الله العلي القدير، وبفضل المؤسسات القانونية والديمقراطية السويدية الراسخة، فاننا نطالبك بايضاح الاجراءات التي قمت بها...". وهكذا، وبقدرة قادر اصبحت رسالة الاتحاد المذكورة "قرارا". ولا اعرف اذا كان سوء فهم خليفة لمضمون وفحوى الرسالة هو في الواقع نتيجة لمحدودية المامه باللغة السويدية فقط، ام انه تعمد ان يغالط في امرها لتتفق مع بقية ادعاءاته الملفقة. وتكشف هذه المغالطة من جهة اخرى بان محمد خليفة غير قادر على استيعاب عملية اتخاذ القرار في مؤسسات النظم الديمقراطية .. فراح فيما بعد يصب جام غضبه على الاتحاد الذي ينتمي اليه ايضا. في تشرين الاول اكتوبر استلمت رسالة من محام سويدي يفهمني بانه موكل من خليفة ويطالب لحساب موكله، ضمن اشياء اخرى، ان يذكر اسم موكله على الصفحة الاولى كمترجم للكتاب ويطالب بتعويضات مالية، مؤكدا انه في حالة عدم الرضوخ فانه سيقوم بتحويل الموضوع الى القضاء. واجبت، عن طريق وكيلي القانوني، مؤكدا كذب الادعاءات وموضحا انني دفعت الى خليفة اتعابا هي في الواقع اكثر من استحقاقه. ومرت قرابة سبعة اشهر لم نسمع فيها شيئا لامن خليفة ولامن وكيله القانوني. وفي اواسط ايار الماضي استلم موكلي، لدهشتنا، رسالة من محامي خليفة جدد فيها مطالباته وعرض علينا اقتراحا لمسودة رفع القضية الى القضاء. ورفضت الادعاءات مرة اخرى عن طريق وكيلي بانتظار ان يتم البت في امرها امام القضاء. كان محمد خليفة في هذه الاثناء يقوم بتوزيع رسائل وبيانات يكرر فيها مزاعمه وتلفيقاته ضدي شخصيا وضد بعض المسؤولين في مختلف الاجهزة السويدية ايضا، وخاصة تلك التي سبق له ان وصفها ب"المؤسسات الديمقراطية الراسخة". ولم يقف عند حد بل لجأ الى توسيع اتهاماته لتشمل هذه المرة "العمالة والتخوين" وما الى ذلك من الاساليب التي ان دلت على شيء فانها تدل على الافلاس الفكري وضحالة المستوى العام. ومن المؤسف ان يكون خليفة قد استغل طيبة بعض زملائه ومعارفه في الاوساط الصحافية وتمكن من "تمرير" بيانه العتيد ونشر مقتطفات منه في "الحياة" من دون ان يأبه بانه قد يورطهم ويعرضهم بذلك لمسائل قانونية هم في غنى عنها. سمير بوتاني