فوجئ الزوج بكتابات وصور ورموز على باطن الفخذ الأيمن لزوجته. وعندما طلب منها تفسيراً لذلك، تلكأت وتلعثمت، فهددها بالطلاق إن لم تخبره بسر هذه الرموز والكتابات، فاضطرت الى الاعتراف. وقالت له ان جارتها ارشدتها الى ساحر في إحدى قرى ريف دمشق، يصنع المعجزات. ولأنها كانت تخشى أن يتزوج زوجها عليها، ذهبت مع الجارة الى هذا الساحر الذي قال لها ان زوجها ينوي بالفعل الزواج من اخرى، ولا طريقة ل"رصده" ومنعه من الاقدام على الزواج، سوى أن يرسم لها بعض التعاويذ على باطن فخذها الأيمن. وأوصاها بألاّ تطلع زوجها عليها "حتى لا يفسد السحر". ثم همس في أذنها، مستغلاً انشغال الجارة المرافقة، وطلب اليها أن تحضر في الغد، لوحدها، ليكتب لها تعاويذ على الفخذ الأيسر، وبذا "يربط" زوجها ولا يستطيع الزواج من امرأة أخرى. ولدى سماعه القصة كاملة توجه الزوج الى أجهزة الأمن التي ضبطت "الساحر الدجال" متلبساً وهو يهم باغتصاب امرأة بعدما وشم فخذيها بالرسوم. وأحيل الى القضاء لينال جزاء فعلته. تفاقم الظاهرة هذه الحادثة التي وقعت في ريف دمشق ليست الأولى ولا الأخيرة من نوعها، فهناك مئات وآلاف من أمثال هؤلاء المشعوذين منتشرون على امتداد العالم العربي، في المدن والأرياف، يزورهم الكثيرون بحثاً عن "حلول" لمشكلاتهم الحياتية والاقتصادية والجنسية، ولكشف الأسرار والغيب وأماكن الحاجات المسروقة والضائعة. وعلى رغم التقدم العلمي والحضاري، تتفاقم هذه الظاهرة يوماً بعد آخر. والمؤسف أن ضحاياها ليسوا من الجهلاء والسذّج والمرضى والأميين فحسب، بل بينهم أناس من شرائح اجتماعية عالية كرجال سياسة وثقافة وفن وأصحاب أعمال. وكشفت الصحافة العربية أخيراً عن قصص أقرب الى الخيال في هذا المجال. وأجرت تحقيقات زاد عددها على مئة حول قضايا الجن والعفاريت والسحر والشعوذة والتنجيم، إضافة الى دعوات جديدة الى ما يسمى "الطب الشعبي"، والعودة الى العطارين والأعشاب الطبية وغيرها. وهذا نوع من "الردة" فرضته ظروف وافرازات المجتمع العصري من مآس وخيبات وخلل ومظاهر استهلاكية جديدة، مما اضطر بعض الصحف والفضائيات الى استضافة عدد من رجال الدين وعلماء المجتمع والتربية لدحض الافتراءات وتوضيح فتاوى الدين في هذا المجال. ملف حافل وملف السحر والشعوذة في الوطن العربي حافل بقصص وحكايات غريبة. ونذكر على سبيل المثال ان ملفاً حول هذا الموضوع شارك في اعداده صحافيون من مصر والمغرب العربي، جاء فيه ان ثلثي زبائن هؤلاء المشعوذين من المشاهير والمثقفين. وهؤلاء الزبائن، حسب ما جاء في الجزء الخاص فيه عن السودان وغزة، ينتمون الى شرائح اجتماعية مختلفة، بدءاً بالأميين وانتهاء بحملة الدكتوراه. وليس هذا الملف الوحيد في الصحافة العربية، ولو كان اكثر الملفات أهمية، بين التي نشرت في السنوات الخمس الأخيرة. وإذا كان التنجيم وقراءة الطالع والكف وفنجان القهوة ومطالعة الأبراج وفتح المندل وضرب الودع، تعتبر أقل الأنواع ضرراً حتى ان بعضهم يعتبرها نوعاً من التسلية، فإن هناك حكايات أخرى عن هؤلاء الدجالين والمشعوذين، تراوح خطورتها بين الجريمة والجنون والاغتصاب والسرقة والنصب وخراب البيوت وتشتيت العائلات وخداع الشباب والمراهقين وسوقهم الى مواقع الانحراف والدعارة. ومن الأساليب التي يخدع بها الدجالون والمشعوذون الناس، ايهامهم بحكايات تلبّس الجن للانسان وما يسمونه "المس" والادعاء بأن هذا أمر يستعصي شفاؤه على الطب النفسي ولا بد من معالجته "بطرق خاصة جداً" لطرد الجن. والمؤسف ان أكثر هؤلاء المشعوذين يطلقون على انفسهم صفة "الشيخ"، وفي هذا اساءة الى الفضلاء من رجال الدين الذين يحاربون هذه الظواهر، حسب ما يؤكد الدكتور رزق الطويل الاستاذ في جامعة الأزهر الذي يعتبر ان المشعوذين "منحرفون وكاذبون في ادعائهم المعالجة من الأمراض لأنهم بذلك يهدفون الى ابتزاز أموال الناس وهتك الأعراض". كما يرفض ادعاءهم المعالجة باستخدام آيات القرآن الكريم لأن للقرآن الكريم مهمة سامية، وقد قال الله تعالى: "ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم". وكان الشيخ محمد الغزالي تحدث في احدى المقابلات الصحافية عن موضوع الجن والعفاريت، وأشار الى خرافات تسيء الى الاسلام يتبع اصحابها الأوهام والظنون وما يتبع أكثرهم إلا ظناً ان الظن لا يغني من الحق شيئاً. وقال: "نريد تنبيه الناس الى أمور أولها ان الجن الأشرار لا يملكون الا الوسوسة ولا سلطة لهم فوق ذلك، ولا يجوز بعد هذا ان ونصوّر الجن "بلطجية" تضرب من تشاء وتنكح من تشاء وتفرض سلطانها الخرافي لينتفع به الخرافيون من البشر، ثم يتم تطويع الاسلام لخدمة هذا الافك". دجال المشاهير وفي هذه الملفات السود قصة ما أطلق عليه "دجال المشاهير" في مصر الذي أوقع عدداً من الفتيات في حبائله فأصبحن من ضحاياه إذ اعتدى عليهن بحجة القدرة على الشفاء. وهو اعترف في التحقيق بوقاحة غير مسبوقة بأنه متخصص في أعمال السحر الأسود واستخدام الجن السفلي في الأعمال التي يقوم بها. وكان يبيع الأحجبة والرموز لقاء مبالغ كبيرة. كما اعترف بأن من زبائنه الكثير من المشاهير من أهل الفن والسياسة وعدّد اسماءهم، وذكر على سبيل المثال فنانة طالبته بأن يساعدها على التفوق على زميلتها في أحد المسلسلات التي كانت تشارك في بطولتها واكتساب المزيد من الشهرة والزيادة في أعمالها الفنية. نماذج من سورية ولا يختلف الأمر في سورية عن غيرها من الدول العربية لجهة انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها. ولكن بعض الدراسات التي أجراها عدد من الباحثين توصل الى نتيجة مفادها ما يأتي: 1 - تقل نسبة هذه الظاهرة في سورية وخصوصاً في المدن، وهي لا تزال موجودة بصورة خاصة في الريف. 2 - أكثر زبائن هؤلاء الدجالين من النساء اللواتي يعانين اقدام ازواجهن على الزواج عليهن، أو من حالة العقم. 3 - تدخل في نطاق مهمات الأجهزة الأمنية أعمال دهم دورية مستمرة للبيوت التي يمارس فيها الدجالون طقوس خداعهم الناس. 4 - يلعب تنظيم الاتحاد النسائي من خلال فروعه المنتشرة في المدن والمناطق والضواحي والقرى دوراً فاعلاً في توعية النساء الى خطر السعي الى مثل هذه الطرق من الشعوذة. 5 - تنتشر ظاهرة التداوي بالأعشاب في سورية بصورة كبيرة وهناك مئات من دكاكين العطارين الذين يمارسون بيع الأعشاب والزهورات بصورة مرخصة، والمثال على ذلك سوق البزورية في دمشق الذي تباع فيه مئات الأنواع من هذه الأعشاب لمختلف انواع الأمراض. وأسهمت الدعوات في أكثر من مكان في العالم للعودة الى الوصفات الطبيعية بدل الأدوية الكيماوية، في ازدياد الاقبال على هذا النوع من العلاج. 6 - وعلى رغم ان اهتمام الصحافة واجهزة الاعلام، قليل في هذا المجال، إلا أن تداول قصص مشعوذين ممن يقال عنهم انهم "اطباء" و"سحرة" بوجهيها السلبي والايجابي، هو الشغل الشاغل للناس، وخصوصاً للنساء في جلسات "الصبحية" و"العصرية" وفي السهرات. 7 - أحد هؤلاء المشعوذين في احدى قرى غوطة دمشق نال شهرة واسعة على أساس أنه "يكشف الغيب" ويعرف مشكلة المريض أو المريضة من النظرة الأولى. ثم تبين بعد ذلك انه كان يلجأ الى حيلة في ذلك، إذ اتفق مع امرأة كانت ترتدي جلباباً أسود وقفازات سوداء ونقاباً على وجهها، وتجلس في "العيادة" وإذا جاءت النسوة وأكثر زبائنه منهن بدأت تسأل كل واحدة عن مشكلتها... ثم تدخل غرفة "الشيخ" وتروي له مشكلة كل امرأة بعد أن تعطيه أوصافها... وعندما تدخل المرأة وقبل ان تنبس ببنت شفة يقول لها مثلاً: - زوجك يريد أن يتزوج ابنة الجيران، أليس كذلك؟ فتشهق المرأة مذهولة لأنه عرف سرها قبل أن يعرف من هي. وتكون تلك البداية إذ تستسلم بعد ذلك لكل مطالبه، حتى انه يسلبها احياناً بعض الحلي التي تتزين بها... وفي اليوم التالي تتنكر معاونته بحلة أخرى، وتكرر العملية. وهكذا، ألى ان كشف امره وأمرها في النهاية وسيقا الى القضاء. ولا تزال قصص وحكايات وجرائم هؤلاء المشعوذين والدجالين تتكرر في هذا البلد العربي أو ذاك، ولا يزال هناك ضحايا لهم كل يوم. ولا تزال بعض الصحف تنشر اعلانات مأجورة عن أمثال هؤلاء. ولا يزال الذين يسعون الى هؤلاء الدجالين يزدادون كل يوم، وبينهم الجاهل الأمي وحامل شهادة الدكتوراه.