تعالت في الأيام الأخيرة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول أزمة المياه الناجمة عن سنوات عدة من الجفاف بحيث لم تعد المياه تكفي للاستهلاك الآدمي والزراعي والصناعي. وصدر آخر هذه التصريحات عن نائب مدير شؤون البنية الأساسية في وزارة البيئة يوسي بار اونار، الذي أشار إلى أن موارد إسرائيل الرئيسية من المياه، وهي بحيرة طبرية ومخزون المياه الجوفية الساحلي والمخزون الجبلي للمياه الجوفية الذي تشترك فيه مع الفلسطينيين، تتناقص على نحو خطير. ويخشى الإسرائيليون من أن سعيهم لتحقيق الحلم الصهيوني "بتخضير الصحراء" ذهب سدى مع تدفق أكثر من مليون مهاجر جديد في العقد الأخير وسيادة "ثقافة أحواض السباحة" والحدائق. وتم توقيت فيض تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول أزمة المياه ليتزامن مع انعقاد قمة كامب ديفيد التي من المفترض أن تبحث في التسوية الدائمة لجملة من القضايا من بينها الحدود، وهي مسألة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمسألة المياه التي يجب أن يتقاسم الجانبان، الفلسطيني والإسرائيلي، مواردها بشكل منصف. ولا يحصل الفلسطيني حالياً إلا على حصة يومية من المياه تقل بنسبة 30 في المئة عن الحصة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، وهي مئة لتر يومياً لكل شخص، بينما تصل هذه النسبة في إسرائيل إلى 348 لتراً في المتوسط يومياً. وبينما أصبحت مسألة شحة المياه، إضافة إلى النوعية السيئة لما يتوافر منها يكابد المواطن الفلسطيني من جرائها يومياً، يؤكد متخصصون في مجال المياه ان الأزمة الحالية مرشحة للتفاقم، إذا لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم في المياه، ويجدوا مصادر أخرى لسد العجز والنقص الحاصل فيها، إضافة إلى ضرورة ترشيد الاستخدام واصلاح خطوط الصرف للتخفيف من مقادير الفاقد. ويقول المدير العام لسلطة المياه الدكتور خيري الجمل إن الفلسطينيين في الضفة والقطاع بحاجة إلى 580 مليون متر مكعب حتى يصبحوا متساوين مع الإسرائيليين مائياً، مشيراً إلى ان قطاع المياه في غزة يحتاج إلى تحلية 100 مليون متر مكعب من مياه البحر المالحة، وجلب 50 مليون متر مكعب إضافية من مصادر أخرى لمعالجة النقص المستمر في الخزان الجوفي للمياه. وللدلالة على عدم الانصاف في توزيع المياه، تشير الدلائل إلى أن المستوطنات اليهودية في قطاع غزة تمتلك وحدها 31 بئراً، وتبيع خمساً من المياه لسكان محافظاتغزة تحت اسم شركة المياه الإسرائيلية "ماكروت"، في حين ان فلسطينيي الضفة لا يحصلون من المياه إلا على 12-15 في المئة، بينما يسيطر الإسرائيليون على الباقي. ويشير تقرير صدر أخيراً عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسليم" إلى أنه منذ بدايات الاحتلال انتهجت حكومات إسرائيل المتعاقبة سياسة تمييز في توزيع المياه بين السكان في الأراضي المحتلة والسكان في اسرائيل والمستوطنات، حيث استخدمت الآبار الارتوازية الشرقية في الضفة الغربية والآبار الارتوازية في قطاع غزة لمد المستوطنات بالمياه، بينما لم يستفد الفلسطينيون من هذه الآبار، خصوصاً تلك التي حفرت بعد الاحتلال. وحتى بداية حزيران يونيو 2000 وفي الضفة الغربية وحدها بلغ عدد القرى غير المربوطة بشبكة المياه 150 قرية يقطنها 215 ألف شخص، اذ ان مصدر المياه في هذه القرى هي مياه الآبار التي يتم جمعها على الأسطح وتحفظ بالقرب من كل بيت. وهذه المياه تفي بالغرض مدة اشهر فقط، اذ يضطر السكان اثناء فصل الصيف لجلب المياه من "العيون" في عبوات بلاستيكية أو شرائها من التجار بأسعار عالية. ووفقاً لتقرير "بتسليم" فإن الوضع في قطاع غزة اكثر سوءاً، حيث تتدنى نوعية المياه التي تصل من خلال الأنابيب بالنظر الى ان مصدر المياه الوحيد هو بئر ارتوازية تغطي 96 في المئة من احتياجات السكان. وحفرت هذه البئر في الخمسينات وصارت ملوثة، الأمر الذي هدد الصحة العامة وأدى الى اللجوء الى اعادة تنقية المياه في الكثير من الحالات. وعلى رغم بعض ما جاء في الاتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي حول اقتسام المياه، الا ان اسرائيل ما زالت تتحكم بقرارات افتتاح آبار مياه جديدة. وفيما ينص بعض بنود الاتفاقات على زيادة ضخ المياه التي تزود بها اسرائيل الفلسطينيين خلال الفترة الانتقالية بنسبة 30 في المئة، فإن تقريراً "بتسليم" يشير الى ان "حتى حزيران يونيو الماضي، أي بعدما يقرب من عام على انتهاء الفترة الانتقالية وفق الاتفاق، فإنه لم يتم تزويد الفلسطينيين الا بما نسبته نصف الكمية الاضافية الموعودة". هناك "أزمة حقيقية" في اسرائيل تنطلق من شحة ما يتوافر لملء برك السباحة بالمياه العذبة في المستوطنات، وهناك أزمة في شحة المياه في فلسطين، ضفة وقطاعاً، بحيث لا تتوافر كميات المياه غير الصالحة للشرب. ويبدو ان انطلاق التصريحات الاسرائيلية حول أزمة المياه في هذا التوقيت، يهدف الى حرمان الفلسطينيين من المياه بما فيها تلك غير الصالحة للشرب.