ليس للفلسطينيين حديث هذه الايام سوى المقارنة بين "شح" التقدم في المفاوضات العقيمة مع الاسرائيليين والنقص الحاد في مياه الشرب، خصوصاً أن للدولة العبرية الدور الاكبر في هذه الازمة التي طاولت كل بيت فلسطيني في فصل الصيف الذي بدأ مبكراً هذه السنة. وحذر رؤساء الاجهزة الامنية الاسرائيلية اخيراً من خطر اندلاع مواجهات حامية بين قوات الاحتلال والفلسطينيين في حلول ايلول سبتمبر الذي سيعلن فيه الفلسطينيون قيام دولتهم في حال عدم التوصل الى "اتفاق اطار" للحل النهائي. الا ان الوضع "المائي" في الضفة الغربية ينذر بخروج الناس الى الشوارع قبل ذلك الموعد بكثير مطالبين بالحصول على"شربة ماء" ادراكاً منهم أن شركة "ميكروت" الاسرائيلية تقوم بتحويل المياه بعد ضخها من آبارهم الى برك السباحة المنتشرة في المستوطنات اليهودية المتخمة بالماء الفلسطيني المنبع. تضخ اسرائيل 50 مليون متر مكعب سنوياً من الآبار التي تسيطر عليها في الضفة الغربية، بالاضافة الى ما يوفره الانسياب الطبيعي للحوضين الغربي والشمالي الشرقي نحو الآبار الجوفية الواقعة ما وراء الخط الاخضر داخل اسرائيل ثم تبيعها للفلسطينيين وفق حصص محددة تعمد الى تقليص نسبها من سنة الى أخرى حسب ما تراه مناسباً لمحاصيلها الزراعية ومشاريعها الصناعية. ولا يصل الى الفلسطينيين سوى 30 في المئة من المياه التي تعتبر من حقهم الطبيعي. ويدعي الاسرائيليون انهم "يزودون" المناطق الفلسطينية الآهلة بالسكان ب28 مليون متر مكعب في السنة. وفي اطار اتفاقاتها "مع وقف التنفيذ" مع الفلسطينيين تقرر ان ترتفع هذه الكمية من 70 الى 80 مليون متر مكعب في السنة. إلا أن بنود الاتفاق على المياه بقيت، مثلها مثل الاتفاقات الاخرى، حبراً على ورق. ويجمع الفلسطينيون على ان هذه الازمة ليست جديدة عليهم ولكنها هذه السنة بدأت مبكرة جداً ووصلت الى منطقة وسط الضفة الغربية المزدحمة بالسكان والتي طالما حافظت على "اكتفاء ذاتي" يبعدها عن سطوة التحكم الاسرائيلي بمصادر المياه وان كان السكان، كما هم في جميع المناطق الفلسطينية، يدفعون ثمن مياههم للجهة التي تستولي عليها. وينتظر المواطنون أياماً للحصول على ماء يشترونه في "السوق السوداء" من اشخاص اصبحت مهنتهم الاتفاق مع المستوطنين بسحب الماء من انابيب المياه الموجودة داخل المستوطنات ليعودوا ويبيعونه بدورهم للبيوت التي لم تصلها قطرة ماء منذ اسبوع في منطقة الوسط وثلاثة اسابيع في المناطق الجنوبية الخليل وبيت لحم والشمالية جنين. هذا النقص الحاد في المياه الذي يعاني منه الفلسطينيون أرغم العائلات الكبيرة على ان "تقتصد" في استخدام المياه ليقتصر على دورات المياه وغسل الاواني المنزلية. أما غسل الملابس وخلافه من الاستخدامات الضرورية فأصبح من "الكماليات" التي لا يستطيع أحد تحملها. وفي ما يتعلق بمياه الشرب، طفحت الاسواق بالعبوات الفلسطينية منها والاسرائيلية ولكن لمن يتحمل جيبه عبء هذا المصروف الذي لم يخطر ببال الفلسطينيين الذين يعانون اصلاً من اوضاع اقتصادية قاتلة. ويشير أيمن الرابي في مؤسسة الارض والمياه الفلسطينية الى أن ممارسات السلطات الاسرائيلية واجراءاتها غير الشرعية في مجال المياه باتت تحت غطاء الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين "شرعية" وتتعامل معها من منطلق ان ازمة شح المياه هي قضية الشرق الاوسط بشكل عام وان اسرائيل تعاني منها مثلها مثل البلدان المجاورة وتتجاهل انها تسرق المياه الجوفية وتحرم الفلسطينيين من حفر الآبار الارتوازية الا في الأماكن التي تعلم ان المياه غير موجودة فيها. ثلاثة اشهر من الجفاف والحرارة تنتظر الفلسطينيين على طاولة المفاوضات وعلى أسطح البيوت التي امتلأت بعبوات ماء ضخمة وفارغة. فهل يأتي الشتاء اولاً أم "الاتفاق" الذي يجري الحديث عنه في كل لحظة او ربما "الانفجار" كما تنبأ الاسرائيليون؟