اتفقت المانياوايران على فتح صفحة جديدة في علاقاتهما، وسط تركيز الماني على الاقتصاد وتركيز ايراني على السياسة وهو ما توّجه الرئيس الايراني محمد خاتمي بالاعلان عن اتفاق في وجهتي النظر الايرانية والالمانية على "ضرورة قيام عالم متعدد الأقطاب"، في اشارة واضحة الى ضرورة مواجهة الأحادية القطبية التي تدعو لها الولاياتالمتحدة الاميركية. ولم يشر أي من الطرفين الى احتمال ان تلعب المانيا دوراً للوساطة بين واشنطنوطهران. ودعا خاتمي اوروبا الى عدم السماح ل"الارهابيين" يقصد منظمة مجاهدين خلق بالعمل على أراضيها. وقال المستشار الالماني غيرهارد شرودر ان المحادثات مع خاتمي "مثمرة وبناءة"، الا ان الطرفين تحدثا عن اختلاف حول بعض القضايا ومنها "الديموقراطية"، اذ اكد خاتمي ضرورة تمشيها في ايران مع الأصول الدينية. واكدت شرطة برلين أ ف ب انها نفذت فجر امس حملة اعتقالات احترازية في المدينة شملت حوالى عشرة معارضين ايرانيين، قبل ساعات من وصول خاتمي. ورداً على سؤال لوكالة "فرانس برس" رفض ناطق باسم الشرطة تحديد العدد الدقيق للمعتقلين أو هوية المعارضين الايرانيين الذين اوقفوا. وكانت المانيا منعت خلال الايام الأخيرة حوالى ستة آلاف معارض ايراني من دخول اراضيها، وجاء معظمهم من فرنسا وبلجيكا وهولندا والدنمارك وحاولوا التوجه الى برلين للتظاهر احتجاجاً على زيارة خاتمي. وتجمع امس وسط برلين ثلاثة آلاف معارض بحسب تأكيدات الشرطة، فيما قدر "المجلس الوطني للمقاومة الايرانية" الجناح السياسي لمجاهدين خلق العدد بعشرين ألفاً. وبدأ خاتمي زيارته لالمانيا بلقاء الرئيس الالماني يوهانس راو، ليعيد الحيوية الى العلاقة بين البلدين بعد فتور منذ أوائل التسعينات على خلفية قضية سلمان رشدي، وبلغ ذروته في العام 1997 بسبب قضية "ميكونوس" الشهيرة ثم محاكمة التاجر الالماني هيلموت هوفر في ايران. واحكمت السلطات الالمانية قبضتها الأمنية في العاصمة برلين تخوفاً من تعرض خاتمي لاعتداء، ونفذت تنقلاته داخل العاصمة عبر طائرات مروحية، فيما كان منتمون الى منظمة "مجاهدين خلق" ينظمون احتجاجاتهم في الشوارع. ودعا خاتمي الى "عدم السماح للارهابيين الذين تلطخت ايديهم بالدماء، وقاموا بعمليات قتل ارهابية" بأن يستفيدوا من اجواء الديموقراطية للقيام بتظاهرات في أوروبا. وكان بذلك يحمل على منظمة "مجاهدين خلق" الايرانية المعارضة التي نظمت احتجاجات في العاصمة الالمانية برلين ودعت خلالها الى "قتل خاتمي" ونددت بالنظام الاسلامي في ايران. وقال خاتمي من "غير المنطقي الاعتراض على المواجهة والتصدي لهؤلاء الارهابيين منظمة مجاهدين خلق في وقت قام هؤلاء بأعمال الارهاب في ايران وحولوها الى أكبر ضحية للارهاب في القرن العشرين". واضاف ان هؤلاء "أعلنوا حرباً مسلحة منذ العام 1981 حتى الآن ضد نظام الجمهورية الاسلامية وقتلوا المئات من المواطنين". وأشار إلى أنهم "أعلنوا مواصلة حربهم المسلحة على هذه الحكومة التي تنادي بالاصلاحات وتحقيق الديموقراطية"، مذكراً بأن أعمالهم الارهابية أدت "منذ مجيء حكومتي" 1997 إلى مقتل العشرات. وأسف خاتمي "لاستطاعة هؤلاء الإعلان عن أعمالهم وتفجيراتهم من الدول الغربية ومنها أوروبا". وقال: "الاعتراض أمر مقبول، لكن القتل والارهاب ممنوعان". على صعيد آخر، أكد خاتمي إمكان قيام "تعاون وثيق" بين طهرانوبرلين في المجالات السياسية والاقتصادية، وأضاف ان زيارته تعكس "عزم الشعبين على تطوير العلاقات على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل". وفي إشارة مباشرة إلى الولاياتالمتحدة، دعا خاتمي إلى ضرورة "عدم قيام أي قوة بفرض سياستها على الدول الأخرى". معتبراً ان ل"الاتحاد الأوروبي موقعاً مهماً في عالم متعدد الاقطاب". وأعرب عن اعتقاده "بوجود وجهات نظر مشتركة مع المانيا في هذا المجال التعددية القطبية". وأوضح أن "من الطبيعي وجود بعض الخلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا، والتي يمكن حلها عبر الحوار". وفي المجال الثقافي، أشار خاتمي إلى اتفاق جوهري بشأن قيام المؤسسات الثقافية في البلدين بنشاطها، مشيراً إلى وجود "بعض المشاكل القانونية التي ينبغي حلها". وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع خاتمي، أكد شرودر ان الطرفين اتفقا على إحداث تطور جديد في علاقاتهما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، مذكراً "بأن هذه العلاقة هي علاقة تاريخية، وسنعمل على تطويرها على أساس الاحترام المتبادل". وأشار إلى أن القضايا الاقتصادية والثقافية أخذت حيزاً كبيراً، وسيتم التوقيع على اتفاق في المجال الثقافي ينص على تبادل العلماء والطلبة. وعن الجانب الاقتصادي، أبدى شرودر ارتياحه لنمو الاقتصاد الإيراني، وكشف عن قرار الماني بمشاركة أكبر في مشاريع الخطة الخمسية الثالثة التي طرحتها حكومة خاتمي، ورفع سقف التأمين على الشركات الألمانية العاملة في إيران من مئتي مليون مارك إلى بليون مارك الماني. وقال أيضاً إن محادثات ستجرى بشأن المشاريع الكبرى وفي حال التوصل إلى اتفاق بشأنها، سيتم رصد التأمينات مهما كانت قيمتها. وأعلن استئناف اللجنة الاقتصادية المشتركة أعمالها بعد توقف بدأ عام 1991، وأوضح أنه بموجب عمل هذه اللجنة، ستقوم المؤسسات الاستثمارية الألمانية بزيادة نشاطها في إيران. وأبدى شرودر ارتياحه إلى المحادثات ونتائجها، مشيراً إلى "اختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا، وهذا من بديهيات المحادثات السياسية". وأوضح ان "من هذه القضايا موضوع الديموقراطية".