كثيراً ما يطالب المطالبون السلطة الفلسطينية بأن تتوقف عن مواصلة التفاوض العبثي مع الحكومة الاسرائيلية. وكثيراً ما يجري تصوير هذه المطالبة بأنها تعبير عن موقف الرافضين لمبدأ المفاوضات، وهنا يتركز خطأ اعلامي كبير. فالمطالبة بوقف التفاوض مع اسرائيل ليس هدفها إلغاء المفاوضات، انما هدفها تحسين المفاوضات، وتوفير فرص النجاح لها. بمعنى آخر: إن وقف المفاوضات، هو أحياناً، أسلوب من أساليب التفاوض. التفاوض الفلسطيني - الاسرائيلي الراهن يستند الى أساس خاطئ، ومن هنا تنبع المماطلة الاسرائيلية، والتعالي الاسرائيلي، وفرض التراجعات على الطرف الفلسطيني، والمطلوب إلغاء الأساس الخاطئ الذي تقوم عليه هذه المفاوضات، ووضع أساس صحيح وصالح لمعاودتها ولاستمرارها ولنجاحها. الأساس الخاطئ في المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، انها لا تقوم على أساس، ولا تستند الى شرعية دولية، ولا الى قانون دولي، ولا الى شرعة حقوق الانسان، انما تقوم حسب اتفاق أوسلو على "شرعية المتفاوضين"، فما يتفق عليه هو الشرعي، وما لا يتفق عليه لا شرعية له، وهذا هو جوهر اتفاق اوسلو، ونصوصه ايضاً. والأساس الجديد المطلوب لمفاوضات يمكن ان تنجح هو وضع قاعدة شرعية وقانونية لهذه المفاوضات، فيجري الاتفاق والنص مثلاً ان هدف المفاوضات هو تطبيق القرار 242 بما يعني الانسحاب من الاراضي التي احتلت عام 1967. ويجري الاتفاق والنص مثلاً على ان هدف المفاوضات هو عودة اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الاممالمتحدة رقم 194... وهكذا. ولكن هذه النصوص ليست موجودة في الاتفاقات الفلسطينية - الاسرائيلية. والموجود فقط هو القول "بالاستناد" الى القرار 242، أو اعتبار القرار 242 "أساساً" للبحث. وهكذا من دون تحديد أو إلزام بالتطبيق، وربما من أجل الاسترشاد فقط. ولذلك هناك حاجة لوقف المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، وايجاد أزمة تفاوضية محلية واقليمية وعالمية حولها، لكي يشعر الجميع بوجود هذه الأزمة، ولكي تتحرك الجهات المعنية وفي مقدمها الولاياتالمتحدة، للبحث في هذه الأزمة وسبل حلها. وهناك الآن حاجة موضوعية لهذا التوقف عن المفاوضات، بعدما أعلن المستشار القانوني للحكومة الاسرائيلية الياكيم روبنشتاين، ان القرار 242 لا ينطبق على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وان اسرائيل ليست مرغمة على اعادة هذه الأراضي الى السلطة الفلسطينية، لأن كيان السلطة الفلسطينية تأسس عام 1994 ولم يكن قائماً عند صدور القرار 242 عام 1967. غداً سيجتمع المجلس المركزي الفلسطيني، وهي مناسبة لإعلان قرار وقف المفاوضات، العبثية، حسب وصف الرئيس ياسر عرفات. وهي مناسبة للمطالبة بوضع اساس قانوني تتجدد المفاوضات على أساسه. والأساس القانوني الفعلي هو قرار التقسيم رقم 181 الصادر عام 1947، والذي قامت اسرائيل على اساسه، ولم تعترف بها الاممالمتحدة، وعلى اساس قرار التقسيم، إلا بعد ان وافقت وتعهدت بإعادة اللاجئين الفلسطينيين ايضاً. لقد ردّ الأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبدالرحيم على تصريحات روبنشتاين داعياً بسخرية الى اعتماد القرار 181 "اذا كان روبنشتاين لا يعجبه القرار 242". نتمنى ان تتحول هذه السخرية الى موقف جاد، مع التأكيد انه لا مجال للسخرية والنكتة في معالجة موضوع خطير من هذا النوع.