كانت قمة الاتحاد الاوروبي في فييرا البرتغال قمة القرارات التنفيذية في القضايا الدفاعية والامنية وبعض القضايا الاجتماعية والمالية التي تحتاج الى اصدار تعليمات لا تصل حد التشريع، واجلت القضايا الخلافية التي تقتضي اصدار التشريعات قبل مباشرة التنفيذ الى قمة نيس فرنسا في كانون الاول ديسمبر المقبل بعد ان تتسلم فرنسا رئاسة الاتحاد. ولهذا اعتبرت القمة بمثابة ماستريخت هولندا ثالثة، بمعنى ابرام معاهدة او اتفاقية تلي ماستريخت الاولى والثانية اللتان تعدان الجسم التشريعي للاتحاد الاوروبي حتى الآن. ويمكن ايجاز "قمة فييرا" في نطاق ما اقرته او ما اجلته الى مطلع الشتاء المقبل بأنها قمة القرارات الدفاعية والامنية الشرطة، وايضاً قمة المناظرات المالية والضريبية التي فرضت الاختلافات والاعتراضات تأجيلها. وافق قادة الاتحاد الاوروبي على تفاصيل خطة قيادة قوات "التدخل السريع" المستقلة عن حلف الاطلسي وقوامها 60 الف جندي، التي يجب ان تكون جاهزة لمباشرة مهماتها خلال سنة. وما ليس واضحاً تماماً هو آلية قيادة تلك القوات وتمويلها. وفي ما يتعلق بتطوير الدفاع الاوروبي، بدءاً من قوة التدخل السريع، اوضح خافير سولانا مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد-السكرتير العام السابق لحلف الاطلسي- امام القمة ان الهدف الرئيسي لاوروبا هو ان تصبح قادرة مع حلول سنة 2003 على تحريك قوة بين 50و60 الف جندي خلال شهرين من تكليفها بمهمة ميدانية، وهذا يتطلب التزاماً اكبر مما يظن كثير من الدول، ويحتاج ابقاء القوات في الميدان لسنة على الاقل الى اكثر من 100 الف جندي. ويرى الخبراء ان تحقيق هذا الهدف يحتاج لردم ثلاث ثغرات في الدفاع الاوروبي حتى سنة 2003، اولها رفع المستوى الاستراتيجي، وثانيها تطوير انظمة الاتصالات، وثالثها تنسيق المخابرات والامن العسكري. والعمل جار في مؤسسات الاتحاد لتحقيق ذلك في الموعد المحدد. وتوضح الآن ان الخطة تنفذ على مراحل بحيث تكون هناك قوة اوروبية صغيرة جاهزة للعمل في الخريف المقبل، حين تنعقد قمة نيس، وقوة اكبر عدداً سنة 2002. ووافق قادة الاتحاد على تسريع خططهم الامنية بجعل الخمسة الاف شرطي المكونين لقوة الشرطة الاتحادية جاهزين للعمل في ازمات مثل ازمة كوسوفو، ويذكر ان الاتحاد الاوروبي قدم ثلاثة آلاف شرطي في ازمات عبر العالم. ومع ذلك لم يكن هناك بد من سد الثغرات بقوات الاطلسي كي فور. وفي موازاة قوة "التدخل السريع" التي جرى تجهيزها حديثاً ستقوم وحدة متعددة الجنسيات بحفظ القانون وفق تعليمات خاصة بالاتحاد الاوروبي، وليست تحت قيادة الشرطة في دولها الاصلية. وطالب مفوض العلاقات الخارجية في الاتحاد البريطاني كريس باتن بتشكيل وحدة قوية ذات دور اكبر في الشؤون الخارجية تخضع للمفوضية الاوروبية، ويمكنها مجاراة الدور الاميركي، وهذا يحتاج لتنسيق دقيق بين مؤسسات الدول الاعضاء والاتحاد الاوروبي في آن واحد. فالافراد المطلوبون للعمل في هذه القوة يجب ان يكونوا قادرين على العمل خارج الحدود، ولكن الشرطة البريطانية غير مسلحة، وبالتالي تتطلب اعداداً خاصاً للعمل في المناطق المضطربة، ويُقترح الاستعانة بالمتقاعدين. خلافات واعتراضات اعترى القضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية مثل ميثاق الحقوق المدنية، والضرائب على المدخرات، والغاء سرية الحسابات المصرفية لمواطني الاتحاد الاوروبي، كثير من الاعتراض والتعديل الى درجة اقتضت التأجيل. واعتبر وزير المالية البريطاني غوردن براون من العائدين منتصرين من القمة لانه يقف منذ زمن ضد فرض الضريبة المحتسبة على المدخرات الاقتطاع الضريبي المباشر من قبل المصارف والدوائر الرسمية وتحويله آلياً الى الخزانة، لأن ذلك يشكل ضرراً للاسواق المالية الاوروبية بدفعه رؤوس الاموال خارج دول الاتحاد وخصوصاً بريطانيا وسوقها المالية السيتي، وتقدر قيمة الاسهم والايداعات المالية في اوروبا بثلاثة آلاف مليون دولار. وما يزعج بريطانيا ان التشريع المطلوب انطلق اصلاً للقضاء على التهرّب الضريبي الذي تعاني منه المانيا وبلجيكا بسبب الضرائب المرتفعة فيهما، وقوانين سرية المصارف التي تعاني منها المانياوالنمسا واللوكسمبورغ الاكثر تشدداً حتى من سويسرا الشهيرة بسرية مصارفها. وما طرح في القمة نص على بدء التطبيق لسبع سنوات، يمكن بعدها لكل حكومة على انفراد اتخاذ قرار معارضتها لفرض الضريبة المحتسبة او معالجة التهرّب الضريبي عبر تبادل المعلومات. ويعتمد المشروع على اصدار المراكز المالية الرئيسية في العالم مثل نيويورك وجنيف ولشتنشتاين وجزر الكاريبي وجزر القناة البريطانية-المانش تعليمات مماثلة لتبادل المعلومات، واذا لم توافق تلك المراكز يعد المشروع فاشلاً. وهناك اجماع أن "قمة فيرا" واجهت موضوعات غير عادية ومثيرة للخلاف مع توقعات قليلة بامكان حلها في القمة، وبذلك تنضم الى مجموعة القضايا التي تتطلب معاهدة شبيهة بمعاهدة ماستريخت، ستواجه قمة نيس في مطلع الشتاء. ازداد الضغط في القمة على بريطانيا لتحدد موقفها وسياساتها المتعلقة بالبيئة والعدالة والقانون والامن والنقد وخصوصاً اليورو والضرائب التي لا تعاني الدول ال 11 في موضوعها بقدر ما تعاني بريطانيا او الدانمرك، وتعارض النمسا ايضاً خطة الاتحاد المتعلقة بضرائب المدخرات. وزادت من حرارة القمة برفض خطة التسويات والتنازلات المتعلقة بقانون سرية المصارف، وعزي ذلك الى عدم موافقة القمة على الغاء اجراءات الحظر والمقاطعة المفروضة على فيينا بسبب اشتراك اليمين المتطرف في الحكم. ولكن وزير المالية النمسوي استخف بهذا الربط بين المواقف واوضح ان السرية المصرفية مصانة في الدستور، وتعمل النمسا على اصدار تشريع جديد يوقف العمل بسرية حسابات المدخرات، ويستحيل سياسياً المضي ابعد من ذلك بسبب وجود اليمين المتطرف في الحكم. واعلنت بريطانيا التي تدعم الخطة ان نجاحاً كبيراً تحقق بموافقة الدولة الوحيدة الممتنعة، وهي اللوكسمبورغ، على التخلي عن سرية الحسابات المصرفية لمواطني دول الاتحاد الاوروبي. ميثاق الحقوق الأساسية وكسب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير حلفاء جدد في معركة "ميثاق الحقوق" بجعله محصوراً في نطاق محدود بحيث لا يتعدى تنسيق ما هو مطبق الآن، ولكنه تعرض لضغط فرنسا للموافقة على التعويضات العمالية، وهو امر يحرج لندن بما يرتبه من اعباء على التجارة والاعمال. ويريد بلير اعلاناً بالحقوق الاساسية يكون بمثابة اختبار للوضع الراهن، ومطالبة بعض الدول باضافة حقوق اخرى يثير الخشية من ان تكون خطوة باتجاه تأسيس اوروبا فديرالية. ووصف حزب المحافظين الميثاق المقترح أنه "ميثاق تدمير فرص العمل"، واجلت القمة في النهاية البت في الموضوع الى الشتاء المقبل، ووافق الرئيس جاك شيراك على التأجيل ودعا في الوقت نفسه الى اضافة حقوق جديدة تتعلق بالشؤون الاجتماعية والعرقية والبيئة. وافق القادة في القمة على عضوية اليونان في "اليورو" اعتباراً من 1/1/2001 وهي الدولة 12 التي تنضم للعملة الموحدة ولم يبق سوى بريطانيا والدنمرك والسويد خارجاً. ويذكر ان السويد قررت اجراء استفتاء على الانضمام في ايلول سبتمبر المقبل. ومن المفارقات ان حملة تتزعمها رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر تشكلت لجمع تبرعات لصالح معارضي انضمام السويد لليورو. * كاتب وصحافي سوري مقيم في بريطانيا