مثلما نجح الاجتماع الوزاري الخليجي والمؤتمر الوزاري لدول إعلان دمشق في إبعاد ظلال الخلاف الحدودي بين قطر والبحرين، فهما تمكنا أيضاً من ترحيل الخلاف على مصالحة مع العراق، باتت تختصر عملياً المصالحة العربية - العربية، منذ طوت الكويت القطيعة مع ما كان يسمى "دول الضد". وما سمي في اجتماع جدة الخليجي أفكاراً قطرية "لرفع المعاناة عن الشعب العراقي" تحوّل في مؤتمر الدول الثماني في القاهرة إلى مبادرة لم يكشف تفاصيلها الوزير حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. لكن عودة إلى تلك الأفكار التي أطلقها في ندوة الكويت وشكلت صدمة لبعضهم، قد تكفي للجزم بأن ما تريده الدوحة هو فتح حوار مع عراق صدام، انطلاقاً من الوقائع "والمسلّمات"، وأبرزها ان صدام باقٍ، وهو ما زال في الحكم بعد عشر سنين على حرب الخليج الثانية... فما جدوى الانتظار؟ ومع مَن في بغداد يتصالح العرب؟ وبين جدةوالقاهرة يكمل التحرك القطري طلب مصر برنامجاً زمنياً لرفع الحظر الاقتصادي، وموازاة الاعتبارات الإنسانية والسياسية في الالحاح على "ضوء" في نهاية النفق الذي يحاصر العراقيين، من دون أن يوضح حمد بن جاسم ولا نظيره المصري عمرو موسى ما هو المطلوب من صدام في مقابل إنهاء عزلته العربية والخليجية خصوصاً، وقبول دول مجلس التعاون الجلوس معه حول طاولة القمة الشاملة. مؤتمر الدول الثماني أعاد المبادرة القطرية إلى المربع الخليجي، بانتظار قرار من قادة دول المجلس، أقرب الجيران إلى العراق، الذين يواجهون المعضلة الجديدة - القديمة: هل بات التعايش مع صدام ممكناً؟ وألا يعني مجرد التفكير في تجاوز مطالبة بغداد بالاعتذار عن غزو الكويت، تحجيم خطيئة الغزو وتداعياتها المدمرة في الخليج أولاً، إلى مجرد فورة غضب بين "أشقاء"؟ وماذا عن مصير الأسرى و... يُفهم من ديباجة البيان الخليجي الأخير ان قطر تعهدت الامتناع عن اتخاذ مبادرة حيال العراق من جانب واحد، خارج سرب مجلس التعاون، في مقابل وعد بدرس أفكارها للخروج من المأزق. أما الدلالة الأبرز في اجتماع جدة ومؤتمر القاهرة فهي مؤشرات إلى انتعاش تيارين تحت سقف المجلس: أحدهما يدفع باتجاه البحث عن حل بوجود صدام، في ظل اقتناع بتراجع "الخطر العراقي"، وبعبثية انتظار الحل الأميركي لمرحلة "ما بعد صدام"، والثاني يملك مبررات كافية للارتياب بسلوك بغداد التي تطلب الحوار مع الخليجيين وتهاجمهم بعد ساعات. كان مؤتمر الدول الثماني في القاهرة حاجة "عراقية" بمقدار ما هو حاجة لسورية، كي لا تبقى وحيدة على مسار المفاوضات المجمد مع إسرائيل. وتدرك بغداد أن اعلان دمشق - كدول وليس كمنظومة جماعية - هو البوابة الرئيسية لأي قرار عربي بالمصالحة، على رغم كل التباينات في طروحات دول مجلس التعاون ومصر وسورية. وسواء أخطأ وزير الخارجية المصري أو أصاب في إعلانه "عودة الروح" إلى تلك المنظومة، فالثابت منذ حرب تحرير الكويت ان مفتاح المصالحة ما زال في يد صدام، على رغم كل تداعيات الحرب ورغبات الأميركيين... بانتظار عودة العقل. وحتى ذلك الحين، ستواجه المبادرة القطرية اختبار انتزاع الثمن. يمكن بغداد أن تستثمر "الصدمة" القطرية، لكن المرجح ان تفسدها - كما فعلت مرات مع مساعٍ عربية - بدليل حملتها على بيان جدة.