ما زال مبكراً جداً التفاؤل بحوار مباشر بين الكويتوالعراق، رغم المفاجأة المزدوجة في قمة الدوحة الاسلامية، والتي استحقت بالفعل جهوداً استنزفت ثلاثة أرباع الديبلوماسية القطرية على هامش مداولات القادة. فأن تتخلى الكويت للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنين عن ادانة العراق باستذكار العدوان والاحتلال، لا يعني سوى استعدادها للتعامل مع الوقائع الجديدة والمتغيرات، اقليمياً وعربياً ودولياً، رغم عدم تقديم بغداد ما يوحي باستعدادها للاعتذار عن خطيئة الغزو. ولعل ذلك يفسر تكرار الاشادة القطرية بجنوح الكويت الى الخطوة الأولى لتسهيل مساعي رئاسة القمة، في مقابل خطوة صغيرة تمثلت في تخلي خطاب الرئيس صدام حسين الذي قرأه عزت ابراهيم الدوري عن "ايديولوجيا ام المعارك"... لمصلحة "القتال لتحرير فلسطين". سقط "العدوان على الكويت" أو حذف، بمخرج "لفظي"، إذ اقتبست القمة الوصف "الواقعي" المدرج لدى الأممالمتحدة، للتعامل مع "الحالة بين العراقوالكويت"، التي لن يكون سهلاً ابتعادها عن ذكريات الاحتلال اذا لم تنأ بغداد عن حملات التخوين والتحجيم، لتتعاطى أيضاً مع المتغيرات بلغة السياسة: خطوة في مقابل خطوة. وليس أقل أهمية من مفاجأة "شطب العدوان"، اجماع قادة الدول الاسلامية - بما فيها الكويت - على الاعتراف ضمناً بأن تنفيذ قرارات مجلس الأمن انحرف عن أهدافه لأغراض سياسية. ولا يمكن قراءة مطالبة القمة بوقف "ما يتعرض له العراق من أعمال غير مشروعة خارج اطار قرارات المجلس"، إلا تعبيراً عن معارضة الغارات الأميركية - البريطانية على هذا البلد، بالتالي تنضم الكويت الى المنادين بوقف ضرب العراق في منطقتي الحظر الجوي، كما لم تتحفظ عن عدم معارضة الرحلات الجوية منه واليه. وإذ تسربت معلومات الى أروقة القمة الاسلامية، عن "تصلب" الوفد العراقي حيال محاولات لانتزاع اعتذار عما حصل في 2 آب اغسطس 1990، اتضح حجم "التنازلين" اللذين قدمهما الوفد الكويتي لتسهيل الولادة العسيرة ل"صيغة" الدوحة. اما قول الشيخ صباح الأحمد "تساهلنا كثيراً" فيوحي بالرهان للمرة الأولى على فرصة تُعطى لبغداد كي تثبت نياتها ورغبتها في المصالحة، كما يعني إقراراً بعدم جدوى إبقاء المنطقة الى الأبد في نفق تداعيات الخطيئة وحرب الخليج... وبعبثية انتظار ثمار سياسة الاحتواء الأميركية للنظام العراقي. بعد عقد على الحرب، تلوح بوادر أمل ببداية النهاية لتلك الحقبة التي بدأت بحصار واحد شجع حصارات أميركية على العرب، لتتمدد معها الحروب الاسرائيلية. لكن ذلك لا يعفي بغداد التي تتحمل الوزر الأول، من مسؤولية الاقدام على قرار شجاع يوازي القرار الكويتي الذي جاء ليهدم أول حجر في جدار التشرذم والضعف والانكسار العربي... أو يحاول اخماد واحدة من الحروب العربية - العربية، التي اطلقت العنان لفأس المجازر الاسرائيلية تنهال على رقاب الفلسطينيين. هي فرصة لاستعادة قرار يوقف هدر ما تبقى من الثروات في ذبح الذات وتمني الخلاص على أيدي الغير. وإذا قدر للجهود القطرية أن تنجح في تشجيع الكويتوالعراق على الالتقاء في منتصف طريق الحوار، فإن الحوار الثاني بين بغدادوالأممالمتحدة سيصطدم بجدار القرار الأميركي في مجلس الأمن. رغم ذلك، الكويت وحدها، حيث كانت بداية المحنة، قادرة على مساعدة الجار "الخصم" في مسيرة تفكيك العقوبات، اذا استوعب رسالة التنازل وتخلص من أسر الانفعال. العالم يتغير، وآن الأوان لادراك ان كلفة التنازل للتعايش أقل بكثير من الحرائق، بل من محاولات اطفائها.