انتقلت المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية من ستوكهولم إلى إسرائيل التي أعلنت أنها دخلت مرحلة حاسمة. سبق ذلك لقاء بين الرئيس بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك، وتلاه إعلان انتقال دنيس روس المنسق الأميركي لعملية السلام، ليكون قريباً من المفاوضات السرية، وكذلك اعلان توجه مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية إلى الشرق الأوسط، حيث ستجتمع مع باراك والرئيس ياسر عرفات "في محاولة لكسر الجمود" كما صرح ناطق باسم الحكومة الإسرائيلية. لماذا هذا التحرك الأميركي، ومعه تحركت السويد التي أعلنت أن رئيس وزرائها غوران بيرسون سيتوجه إلى المنطقة. وكذلك المانيا التي أعلنت أن وزير خارجيتها يوشكا فيشر سيتوجه أيضاً إلى المنطقة. لماذا هذا التحرك المحموم؟ هل وصلت المفاوضات على المسار الفلسطيني إلى مرحلة الاتفاق والحل، حتى يتدافع كل هؤلاء المسؤولين إلى الشرق الأوسط؟ أجرت "الحياة" أمس اتصالات واسعة بمسؤولين في الحكم الذاتي، وبآخرين في الفصائل وبمسؤولين سياسيين عرب، وبأوساط دولية مطلعة. وتجمعت لديها صورة عامة شبه مفصلة عما يجري، وعما اتفق عليه من حيث المبدأ ولا تزال تنتظر الموافقة الرسمية لكبار المسؤولين، وبخاصة عرفات وباراك. وأظهرت هذه الحصيلة من الاتصالات أن المفاوضات السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين قديمة، بدأت مع اطلاق المحادثات العلنية التي رأس الجانب الفلسطيني فيها ياسر عبدربه. وانعقدت في أماكن عدة داخل إسرائيل وفي أراضي الحكم الذاتي. وبلغ عدد جولاتها السرية تسعاً. وحين نقلت إلى ستوكهولم، كانت تلك الجولة العاشرة، لكنها تميزت عن سواها بأن الطرفين قررا الانتقال من تبادل الأفكار إلى صياغتها، وعندها ادرك عبدربه ان المفاوضات السرية انتقلت إلى مرحلة عملية وجدية فقرر الاستقالة! وعلى الأثر، تولى فريق مفاوضات اتفاق أوسلو، إدارة المحادثات واحتل المقدمة أحمد قريع رئيس المجلس التشريعي مع حسن عصفور ومحمد دحلان وخالد سلام، المعروف باستعداده للتعامل مع الأفكار الإسرائيلية، وإدخال تحسينات عليها وقبولها. وهو ما أدى دائماً إلى إعلان المفاوضين الإسرائيليين ارتياحهم إلى وجوده. وتقول مصادر مطلعة، في روايتها لما جرى في ستوكهولم، ان الوفد الفلسطيني انصت لآراء إسرائيلية عرضت في السابق، فادخلت تعديلات عليها بناء على المواقف الفلسطينية الرافضة، ثم دونت هذه المواقف من حيث المبدأ كوثيقة معتمدة للتفاوض، أما القرار السياسي فيها، قبولاً أو رفضاً، فمتروك للقادة السياسيين، أي لباراك وعرفات. وتضمنت وثيقة ستوكهولم مواقف تتناول قضايا: حق العودة للاجئين، والقدس، وعودة النازحين، والدولة الفلسطينية. وكل هذه النقاط مسلم بها مبدئياً، وهي مدار بحث الآن في المفاوضات السرية الدائرة في إسرائيل، وتنتظر قراراً سياسياً من الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني. ماذا في التفاصيل المبدئية التي تنتظر بثها في قمة باراك - عرفات سلباً أو ايجاباً؟ 1- القدس: تبقى القدس موحدة وعاصمة لإسرائيل ولها بلدية يرأسها إسرائيلي. تنشأ بلديات في أحياء القدسالشرقية العربية وليس بلدية عربية للقدس الشرقية، وتنال هذه البلديات حق إدارة ذاتية. السيادة على المدينة لإسرائيل، أما البلديات العربية فتتصل بالسلطة الفلسطينية في قضايا التعليم والصحة والبنية التحتية تقاسم وظيفي. المسجد الأقصى يرفع فوقه العلم الفلسطيني. المقدسات المسيحية يوضع اتفاق خاص بها مع الفاتيكان وذلك للمرة الأولى. 2- اللاجئون: هناك مقدمة في هذا البند تجدد وجهة نظر كل طرف في موضوع اللاجئين. توافق إسرائيل على مبدأ لم شمل لعشرات الآلاف حوالى 100 ألف، لا علاقة له بالقرار 194، وينفذ على مدى عشر سنوات. ويطبق خصوصاً على اللاجئين في لبنان الذين يقسمون إلى ثلاثة أقسام: الأول يعود إلى فلسطين إسرائيل ضمن صيغة لم الشمل، أو إلى أراضي السلطة الفلسطينية. القسم الثاني حوالى 100 ألف يوطنون في لبنان خصوصاً المقيمين في الجنوب، والقسم الثالث يوطن خارج لبنان، وخارج البلاد العربية، إذا رفضت هذه الدول توطينهم. 3- النازحون عام 1967 يقسم هؤلاء إلى ثلاثة أقسام: فالذين نزحوا قبل 1967 لا يعودون، والذين نزحوا بين شهري حزيران يونيو وأيلول سبتمبر 1967 يعودون، والعدد المتفق عليه هو 300 ألف يفدون بالتدريج على مدى عشر سنوات. أما القسم الثالث، فمن الذين نزحوا بعد أيلول 1967 وهؤلاء لا يعودون. عقد مؤتمر دولي لتمويل توطين اللاجئين خارج البلاد العربية وتعويضهم. 4- الدولة الفلسطينية إسرائيل مستعدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة كجزء من اتفاق بين الطرفين، على أساس التوزيع الآتي: - 66 في المئة للدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، موزعة على 3 كانتونات، يضاف إليها كانتون رابع هو غزة. - 20 في المئة تضم إلى إسرائيل. - 14 في المئة تؤجر لإسرائيل إسرائيل تقترح مدة 99 سنة، والجانب الفلسطيني لم يوافق على ذلك. وهذا كله تظهره الخريطة التي قدمتها إسرائيل إلى الوفد الفلسطيني العلني في مفاوضات إيلات، ورفضها ياسر عبدربه، ثم أعيد طرحها ومناقشتها في ستوكهولم. هذه التفاصيل وغيرها توصل إليها الطرفان في المفاوضات السرية بجولاتها التسع، ثم صيغت مسودة للنقاش في جولة ستوكهولم العاشرة. والآن يقف الطرفان أمام احتمالين سياسيين سيتعاطى مع أحدهما الرئيس كلينتون، بعد التقويم الذي ستجريه أولبرايت لجولة المفاوضات الجديدة. الاحتمال الأول، ان توافق سلطة الحكم الذاتي على الخطة الإسرائيلية المعروضة، سواء بقيت على حالها أم عدلت مع بقاء الجوهر، وعندها يدعو الرئيس كلينتون إلى قمة ثلاثية تعلن "مبادئ التسوية الشاملة". الاحتمال الثاني ان ترفض السلطة الفلسطينية الموافقة على قضيتي القدس واللاجئين وهذا هو الأرجح، فتعقد عندها قمة ثلاثية لإعلان "اتفاق مبادئ"، يتضمن اعترافاً إسرائيلياً بالدولة الفلسطينية بحدود الحكم الذاتي وليس بحدود 1967، ويقتصر هذا الإعلان على القضايا المتفق عليها، ويؤجل التفاوض في قضيتي القدس واللاجئين. وعند انجاز أي احتمال يتواصل التفاوض بين "دولتين" وليس بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كما يجري حتى الآن، ويكون ذلك بمثابة اعلان لانتهاء منظمة التحرير. على صعيد آخر، صرح وزيران إسرائيليان تعليقاً على استئناف المفاوضات أمس في مكان لم يعلن عنه داخل إسرائيل، بأن المحادثات دخلت في مرحلة حاسمة حاييم رامون، وانها أتاحت تحقيق تقدم بنيامين بن اليعازر. واقترح الأخير ارجاء المفاوضات على مستقبل القدسالشرقية. وأعلن باراك ان المفاوضات مع الفلسطينيين قد تحظى بدفع جديد بعد تدخل الولاياتالمتحدة، وأنها دخلت مرحلة حاسمة. وتزامنت هذه المواقف مع انعقاد لقاء أكاديمي غير رسمي في قبرص، لمناقشة موضوع القدس، دعا إليه "المركز الإسرائيلي - الفلسطيني للأبحاث والإعلام" ومقره القدس، وسيدير حلقات النقاش أحد أعضاء الحزب الديموقراطي السويدي. ولم يشارك في اللقاء أي مسؤول فلسطيني أو إسرائيلي.