يتواجه تكتيك الرئيس ياسر عرفات التفاوضي، مع تكتيك ايهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي، في معركة سياسية قاسية، يلعب دور الحكم فيها الرئيس بيل كلينتون. جوهر تكتيك عرفات هو الإصرار على ضرورة ان تنفذ إسرائيل الانسحاب الثالث المقرر في اتفاقات أوسلو، والذي يعطي الفلسطينيين جميع أراضي الضفة الغربية باستثناء ما هو مفروز لمفاوضات الحل النهائي. ويعني التطبيق هنا، ان يسيطر الفلسطينيون على 90 في المئة من أراضي الضفة باستثناء أراضي القدس والمستوطنات ومعسكرات الجيش التي تشكل 10 في المئة من أراضي الضفة. والخطوة الثانية في تكتيك عرفات هي التوجه نحو المفاوضات النهائية، وبموعد أقصاه منتصف شهر أيلول سبتمبر 2000، لمعالجة قضايا القدس وعودة اللاجئين والانسحاب الإسرائيلي الشامل من الأراضي التي احتلت في الرابع من حزيران يونيو 1967، فإذا لم يتم الاتفاق حول كيفية معالجة هذه القضايا، وهو الأرجح، يتوجه عرفات نحو الخطوة الثالثة في تكتيكه وهي إعلان سيادة الدولة الفلسطينية فوق الأرض المسيطر عليها 90 في المئة وعاصمتها "القدس الشريف"، وابلاغ العالم بأن بقية الأرض الفلسطينية محتلة، وان الدولة الفلسطينية تطلب المساعدة من دول العالم لإنهاء هذا الاحتلال. أما تكتيك باراك فهو تكتيك مضاد، يصرح علانية بأنه يرفض تنفيذ المرحلة الثالثة من إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي حسب اتفاقات أوسلو، ويصر على الربط بين المفاوضات الانتقالية ومفاوضات الحل النهائي، بحيث لا ينسحب من أرض جديدة إلا بعد الموافقة الفلسطينية على الصيغة الإسرائيلية المطروحة لقضايا القدس واللاجئين والحدود، بحيث تبقى القدس تحت السيادة الإسرائيلية، ويتم الإقرار بتوطين اللاجئين وتعويضهم عبر مؤسسة دولية يتم انشاؤها لهذا الهدف، مع الإقرار بأن إسرائيل لن تعود إلى حدود 1967، وستضم إليها الأراضي التي لا تنسحب منها. ويذكر هنا، ان موقف باراك قديم، إذ سبق له، وهو وزير في وزارة اسحق رابين، ان صوّت ضد اتفاق إعادة الانتشار في الضفة، داعياً إلى استمرار سيطرة إسرائيل على الأرض للمساومة عليها في مفاوضات الحل النهائي. وحين يتعرض باراك إلى الضغط، فإنه يعلن استعداده لأن تكون مرحلة إعادة الانتشار الثالثة بنسبة 7-10 في المئة، وحين يتعرض لضغط أكبر، يعلن استعداده للعودة إلى اتباع تكتيك نتانياهو، الذي كان يعرض إعادة انتشار بنسبة 1 في المئة، ويطالب ب"التبادلية" مقابل ذلك، أي تقديم تنازلات فلسطينية مقابل كل انسحاب إسرائيلي. تواجه هذان التكتيكان المتعارضان في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية الانتقالية صائب عريقات والنهائية ياسر عبدربه، ووصلا إلى نقطة "العبث والاستخفاف" حسب وصف عريقات، وتأزم الأمر إلى أن تقرر الاحتكام إلى الرئيس الأميركي الذي اجتمع مع باراك في لشبونة، ومع عرفات قبل يومين في البيت الأبيض. والذي حدث هو ان كلينتون تبنى الموقف الإسرائيلي لجهة الربط بين الانسحاب الثالث بالحل النهائي، وطلب من عرفات أن يوافق على مد المفاوضات لفترة أسبوعين، يرسل خلالهما دنيس روس منسق عملية السلام ومادلين أولبرايت وزيرة الخارجية، لبحث صيغة ما للحل. وتعليقاً على هذه الخطوة، رد عرفات على سؤال عما إذا كانت مهلة أسبوعين كافية للتوصل إلى اتفاق: "سنرى كيف سيكون التنفيذ". ولخص نبيل أبو ردينة المستشار الإعلامي لعرفات الوضع بنقطتين: إن قمة عرفات - كلينتون نجحت في وضع آلية لتواصل المفاوضات، وان الفجوات لا تزال كبيرة بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي. ويرى مسؤولون فلسطينيون كبار ان المفاوضات تتجه نحو مأزق محتم، وان كل ما تفعله إسرائيل هو العناد، وكل ما تفعله واشنطن هو مواصلة الضغط على عرفات. وفي هذا الإطار يجب أن يفهم تصريح عمرو موسى وزير خارجية مصر، بعد انتهاء اللقاء بين عرفات والرئيس حسني مبارك، والذي أعلن فيه رفض مصر عقد قمة أميركية - إسرائيلية - فلسطينية، مستنداً إلى نقطتين، الأولى ان المفاوضات لم تشهد تقدماً يسمح بعقد القمة، والثانية انه من غير المقبول عقدها من أجل الضغط على الجانب الفلسطيني.