في ما يبدو أنه توجهٌ نحو إصدارات لنجوم الغناء "الشعبي"، قدّمت مؤسسة عبدالله شاهين أسطوانة "سي دي" للمطرب نهاد طربيه تتضمن عدداً مختاراً من أغنياته المعروفة منذ بداية احترافه الغناء، مع أن معظم، بل كل شركات الإنتاج تقدم عادة، جديداً، من دون أي رجوع نحو الماضي، مستندة الى "قواعد" رأتها سارية بقوّة هي أن الجمهور يستهلك الأغنيات، وحتى الأشرطة كاملة، خلال وقت قصير، لذا لا بد، من وجهة نظرها، من جديد باستمرار... مؤسسة عبدالله شاهين، كأنها تريد أن تسجّل المحطات الأبرز في حياة نهاد طربيه الفنية. فالأغنيات التي تجمعها الأسطوانة تتفاوت بين قديم وحديث. والقديم هنا، وكذلك الحديث، على "الطريقة الشائعة" واستناداً الى المعاني الحرفية لهاتين الكلمتين، وأبعادهما ومفاهيمهما. وبسهولة، يمكن التعرّف الى تجربة نهاد طربيه عبر هذه الأسطوانة المنوّعة. فنهاد لم يغير في أسلوبه على مدى العشرين عاماً التي تحتضن تجربته. كان يغني اللون المصري الخفيف، وما زال يغني هذا اللون. وكان يرتد الى الغناء اللبناني الخفيف، وما زال يرتد أحياناً الى هذا الغناء. وحتى مستوى الأغنيات فإنه هُوَ هُوَ بحيث أن النصوص في معناها ومبناها لم تتغير ولم تتبدل ولم يطرأ عليها تعديل واضح، باستثناء بعض المقطوعات الهادئة المعبّرة التي تظنها للوهلة الأولى خارجة عن السرب المألوف، على رغم أن نهاد يطرح عبرها صوته مغمّساً بحيوية مشرقة، وبشجن دافئ، وبمهارة بادية للأسماع. هناك همّ رئيسي لدى نهاد طربيه هو نشدان الاستحسان لدى الجمهور العادي، الواسع الانتشار، الذي يصفق ويرقص ويهضم الأغنية في سرعة قياسية. أكثر نتاجه يصب في هذا المنحى، وإذا غادره فالمغادرة ضئيلة وغير ذات تأثير فعّال في التجربة ككل، مع أن المعرفة العضوية بالأصوات تعترف لصوت نهاد بالطواعية الكبيرة، وبالآفاق الطيبة، وبالامتداد المميّز صعوداً وهبوطاً الى درجة أن شهادة معنوية رفيعة نالها من المطرب وديع الصافي الذي قال يوماً إن صوت نهاد قوي ومتمكّن وقادر على أداء كل الألوان الغنائية الشعبية والتعبيرية، فضلاً عن شهادة أخرى من المطربة صباح التي قالت عنه أنه أجمل من غنى الموّال اللبناني والعتابا والميجانا... مثل هذه الشهادات كان يفترض أن ترمي بثقلها على عقلية نهاد طربيه الفنيّة فيسعى الى الاستفادة منها في اختيار أفضل النصوص، وأفضل الألحان، وفي التركيز على الغناء اللبناني، وحتى المصري، غير الإيقاعي الهش، لكنه لم يذهب الى هذه المساحة الغنائية الرحبة، واكتفى بما كان مما كان لا بما يمكن أن يكون... ما يصدره عبدالله شاهين هو ما كان من نهاد طربيه. وهذا الذي كان، يذكّر بأن هذا المطرب كان صاحب حضور متين في الذاكرة الشعبية، قبل أن تشعر هذه الذاكرة باليأس من إمكانية أن يعطيها نجوم الغناء الشباب، في أكثريتهم، جديداً حقيقياً ينبئ بما يسمى التقدم في التجربة الغنائية، وهو غير موجود إلا في أقل من أضعف الايمان، وفي أقل من أشخاص معدودين. وقد مثّل نهاد طربيه في مرحلة من مراحل الماضي القريب نشاطاً كان يُنظر إليه على أنه فاتحة لشيء غير منتظر، فإذا بنهاد لا ينتظر أكثر منه. وهنا حصلت المفارقة التي انحاز فيها نهاد الى اقتناعاته البسيطة السهلة حيث الأغنية ليست أكثر من دقائق تلامس المشاعر بالرقص والدبكة و"الفرفشة"... ويذكر أن نهاد طربيه مولع بالملحنين المصريين الكبار، وقد حصل على تشجيع الراحل محمد عبدالوهاب، خلال مقابلة إذاعية، لكنه لم يستطع أن يحصل على لحن منه. وقد أشبع هذا الولع عبر علاقته الحميمة بالملحن المصري الراحل بليغ حمدي خصوصاً في الفترة التي كان فيها مقيماً في باريس، وقد أنشد من ألحانه أغنيات عديدة ما يزال نهاد يتحدث عنها على أنها أحلى ما غنى، سيما أغنية "حبيبي" التي وضعها نهاد في التداول الإعلامي والشعبي بعد رحيل بليغ حمدي، وقد صنّفت كآخر ألحان هذا الموسيقار، وركّز عليها نهاد في مقابلاته وحفلاته وكانت أكثر "فيديو كليباته" انتشاراً... وعلى ضفاف اللهجة اللبنانية، واللهجة المصرية، زرع نهاد طربيه مجموعة من الأغنيات البدوية التي أتقنها، وبعضها وارد في أسطوانة مؤسسة عبدالله شاهين، ومنتقى بعناية، وقد اعتبر أكثر من ناقد فني، في أكثر من مقالة ومناسبة، أن نهاد يتعامل مع الأغنية البدوية بحب مكتمل تظهر ملامحه بلا أي التباس في إحساس صوتي مفعم بالحرارة والمرونة مع كل أغنية منها... هو نهاد طربيه في أسطوانة من عبدالله شاهين: تجربة إنتاج لافتة.