قاعة الفندق الأنيق، وسط بيروت، كانت في ذلك المساء خالية الا من بعض الحضور، وكان هؤلاء متجمعين وسط القاعة من حول كهل انيق الثياب، دائم الابتسام، يبدو واضحاً انه اجنبي، ومن اوروبا الشمالية تحديداً. كان هؤلاء المتحلقون يضجون ويتكلمون بصوت مرتفع، ازعج الى حد ما، الشخصين الجالسين غير بعيد منهم. والكهل الوقور لاحظ ذلك، لكنه اذ وجد ان ليس في امكانه اقناع رفاقه بخفض اصواتهم، التفت ناحية المنزعجين، ثم نهض وتقدم منهما وعلى وجهه أمّارات الاعتذار. لكنه ما ان حدق بواحد منهما حتى انفرجت اساريره عن ابتسامة وقال له: "يبدو لي انني اعرفك ايها السيد. ألم تكن امس على شاشة التلفزة...؟". قالها بانكليزية نقية وبدا واثقاً من كلامه. فابتسم الآخر وقال: "اجل كنت امس وانا هناك كل يوم. فالتلفزة مهنتي". زادت ابتسامة الاجنبي وقال: "انا لا اتقن العربية. لذلك لم افهم كلمة مما كان يقال في برنامجك، لكني لاحظت اسلوبك في العمل وفي محاورة ضيوفك - كما يبدو الآن - انه اسلوب في غاية اللطف والأناقة. اسلوب حضاري جداً... ليتنا نرى مثله دائماً على الشاشة الصغيرة". ابتسم الآخر بتواضع وخجل وبدا من الواضح انه يبحث عن كلمات يقولها فلا يجد. هكذا هو عماد الدين اديب، منطلق واضح واثق من نفسه حين يتحدث ويسأل ويناقش ضيوف برنامجه التلفزيوني، لكنه ينقلب طفلاً خجولاً مرتبكاً حين تواجهه بكلمات المديح. إلا أنه في ذلك المساء، كان اكثر خجلاً وتواضعاً، لاأنه - وربما للمرة الاولى - يسمع رأي شخص يحكم عليه من خلال سماته وتصرفاته، لا من خلال الكلام الذي يقوله والاسئلة التي يطرحها. وعماد الدين اديب، الاعلامي العريق والتلفزيوني المتميز، يعرف ان هذا يكون عادة واحداً من اصعب الامتحانات. مكانة ما لبيروت في الفندق البيروتي الأنيق، لا يشعر عماد الدين اديب بأي غربة. فهو اعتاد هذه المدينة منذ زمن بعيد. وحين يكون فيها لا يعتبر نفسه خارج مدينة القاهرة "بل انا اعرفها، يقول مبتسماً، مذ كنت طفلاً حين كان يصحبني والدي الكاتب السينمائي عبدالمحيي اديب انا واخوتي إليها لأنه كان يعمل فيها". ومنذ ذلك الحين توثقت علاقة عماد ببيروت وصار مطلعاً في شكل يومي على كل ما يحدث فيها. من هنا، حين يخوض اليوم، عبر برنامجه الأشهر "على الهواء" في تفاصيل الملف اللبناني وجزئياته ويحاور السياسيين والمفكرين اللبنانيين، يشعر عماد الدين اديب أنه جزء من القضية. عماد الدين اديب هو اليوم الاشهر بين مقدمي البرامج السياسية في طول العالم العربي وعرضه. وهو واحد من قلة تتمتع بذلك الطابع العربي الشامل. بالنسبة اليه، ليس ثمة فارق بين موضوع مصري وموضوع لبناني، موضوع عراقي او سوري او فلسطيني او مغربي. فالهموم مشتركة والقضايا متداخلة. ولكنْ، كثر من اللبنانيين يرون انك عند الاهتمام بقضاياهم تبدو على سجيتك تماماً؟ - هذا ما يقال عني في لبنان. ولكن في الاردن يرى الاردنيون انني على سجيتي بالنسبة الى قضاياهم، وكذلك الحال مع الفلسطينيين وفي مصر. وقد يعود السبب الى تلك التربية التي وفّرها لي والدي مذ كنت طفلاً: تربية عربية ليس فيها اي نزعة قطرية. وهنا يستدرك عماد الدين اديب ليحذّر محدثه من ضرورة عدم اخذ هذا الامر على اي محمل ايديولوجي "العروبة في دمي، وليست في الافكار فقط" يقول الرجل. بدأ عماد الدين اديب عمله الصحافي باكراً، حين كان في العشرين من عمره او نحو ذلك، وهو عمل اولاً في الصحافة المكتوبة، قبل ان يتوجه نحو الصحافة المرئية، انما من دون ان يهجر القلم والسطور والورق، فهو، حتى اليوم، يوزع وقته بالعدل والقسطاس بين الصحافتين، وهو نجم فيهما معاً. بل لعله النجم الذكر الوحيد في عالم تقديم البرامج، لا ينافسه في ذلك اي نجم آخر. ومن الواضح ان ما صنع لعماد الدين اديب مكانته ونجوميته، جرأته وحبه لعمله. فهو في هذا المجال لا يترك اي مجال للمصادفة او للارتجال. ويلاحق تفاصيل التفاصيل، عارفاً مسبقاً انك تنجح اكثر بمقدار ما تكون مختلفاً اكثر. وهو امر يلاحظه متتبعو حواراته التي لا تخلو من جرأة قد يعتقد البعض احياناً انها ستكلف صاحبها الكثير. حتى اليوم، حاور عماد الدين اديب العدد الاكبر من رجال السياسة والفكر والفن في العالم العربي، وكثراً من المسؤولين الاجانب. وهو محاور مرّ لا يتعب، لكنه في الوقت نفسه لا يحاول ان يتعب محاوره او ان يستفزه. صحيح ان الاستفزاز قد يكون طريقاً الى تحقيق "خبطة" صحافية، لكنه طريق كريه لا مستقبل له... "لانه في نهاية الامر سينفر الناس ويبعدهم عنك. في المقابل لا بد من خوض لعبة الحوار عبر اشاعة الثقة بينك وبين من تحاوره، لان الثقة وحدها ومعرفته أنك لست هنا ضده ولا لكي تسجل انتصاراً على حسابه، ما يمكن ان تجعلاه قادراً على ان يعطي ويكشف ويصارح". وهذا الامر يكتشفه جمهور عماد الدين اديب مع كل حلقة يقدمها، واكتشفوه خصوصاً خلال الاسابيع الاخيرة، حين ركز جزءاً كبيراً من اهتمامه على الملف اللبناني بسبب توالي الاحداث المهمة والخطيرة في هذا الجزء من العالم، اذ انه من خلال حواراته مع اناس من وزن الرئيس نبيه بري أو النائب وليد جنبلاط أو السيد حسن نصرالله، تمكن من ان يضع الجمهور امام الكثير من الحقائق والتحليلات المعمّقة. قفزة الى المستقبل هيام عماد الدين اديب بالصحافة المكتوبة، لا يمنعه من ان يبدي ايمانه بأن المستقبل هو للصورة. وكذلك فان حبه للصورة التلفزيونية خصوصاً لا يمنعه اليوم من ان يقول أن "المستقبل القريب سيضعنا في قلب عالم جديد لم نحسب له اي حساب من قبل. عالم الانترنت والمعلوماتية والويب وما الى ذلك". ولان عماد الدين اديب يسير مع عصره، ويذكر بفخر كيف انه آمن بالصورة المتلفزة منذ وقت باكر حين شاهد في العام 1977 اول نقل على الهواء مباشرة من جهة من الكرة الارضية الى اخرى، وكيف انه كان من اوائل الذين استخدموا الفاكس والكومبيوتر والانترنت، لانه هكذا، ها هو اليوم يدخل العالم الجديد، عالم القرن الحادي والعشرين من بابه الواسع: باب الويب والانترنت. وهو يقول عن هذا الامر "ان الثورة المقبلة، يا عزيزي، هي ثورة هذا الجهاز الصغير الذي تحمله بين يديك - مشيراً الى الهاتف المحمول - انه هو الذي سيحل قريباً محل اي مصدر للمعلومات والصور يمكن ان تفكر فيه". ويرى عماد الدين اديب ان لا خيار لنا في مواكبة هذه الثورة. "فإما ان نواكبها وإما ان نعود الى العصور الوسطى". ولان عماد الدين اديب رجل عملي. لم يكتف بالتنظير لما يقول، بل انطلق مواكباً تلك الثورة وفي شكل عملي، اذ اسس قبل ايام، وبعد تحضير دام شهوراً طويلة، واحدة من اكبر شركات بث المعلومات في هذا الجزء من العالم. وهي شركة "غود نيوز. اي. تي" التي اعلن تأسيسها في القاهرة، على ان يتوزع نشاطها بين العاصمة المصرية وبيروت ودبي وعمان. هذه "الشبكة" التي يرأس عماد الدين اديب مجلس ادارتها ويبدو من الواضح، وكالعادة انه هو الدينامو المحرك لها، تضم في مجلس الادارة هذا، عدداً من كبار رجال الأعمال الذين أسهموا معاً في توفير رأسمالها البالغ اليوم نحو 20 مليون دولار، مع امكان زيادته الى 70 مليون دولار. ويقول عماد الدين اديب إن للشركة الآن هدفين اولين هما: تقديم خدمات "المحتوى" المعلوماتية والخدماتية والمرئية والمسموعة للعرب والاجانب، بالعربية اولاً ثم بلغات اجنبية في مقدمها الانكليزية، من جهة، واقامة اضخم بوابة للدخول الى رحاب عالم الانترنت باللغة العربية على نطاق لا سابق له، حجماً وتنوعاً، من جهة اخرى. ويقول عماد الدين اديب إن الفكرة الاساسية التي تقف خلف هذا المشروع تنطلق من ان المواطن العربي يستخدم اجهزة استقبال المعلومات الكمبيوتر والانترنت اليوم، والهاتف غداً، وربما غير ذلك في ما بعد، من يدري؟، بات في حاجة الى من يبث له ملايين المعلومات والاخبار والتفاصيل عن كل ما هو جديد ومفيد في هذا العالم، في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والثقافية ومجالات الافكار والبورصة وسواها. من دون هذه المعلومات لن يكون هناك اي مستقبل. ومن هنا يرى عماد ان اقدامه على هذا المشروع انما هو قفزة الى المستقبل "لكنها قفزة مضمونة وواضحة". يقول وهو يبتسم، وفي خضم ذلك كله يتابع هذا الاعلامي النشيط، وهذا النجم العربي - في زمن تبهت فيه النجوم - اهتمامه بمحاوريه فيطرح عليهم اسئلته الحادة والمقلقة بكل تهذيب، ثم يتركهم واجوبتهم امام حكم متفرجيه الذين يقول عنهم بثقة "انهم دائماً اكثر ذكاء ودخولاً في العصر مما نعتقد".