يبدو ان الفارق بين المؤسسات المالية وشركات الهواتف الخليوية او المحمولة يتراجع بصورة لافتة، وبدأ الهاتف النقال عملية تحول تدريجية الى مصرف شخصي، تعززها الخطوات الهائلة التي قفزها ويقفزها عالم الاتصالات اليوم. وهذه الخطوة التي يصفها المحللون بالثورة الاتصالاتية أصبحت بمتناول اليد تقريباً ولم تعد خيالاً علمياً، ومن المنتظر ان تجتاح العالم فعلياً في غضون العامين المقبلين اجهزة "هاتف - انترنت" محمولة من المتوقع ان يكون اثرها على المستهلكين وسلوكهم أكبر بكثير من اثر انتشار اجهزة الكومبيوتر الشخصية قبل عقدين من الزمن. الثورة الاتصلاتية، أو ما يسمى بالجيل الثالث الذي يعتمد نظام "U.M.T.S." النظام العالمي للهاتف المحمول، بدأت طريقها نحو فرض نفسها على عالم الاتصالات وعندما تبدأ أجهزة الهاتف - الانترنت المحمول بالعمل لن يتم التعاطي معها كهاتف تقليدي، اذ ان المحادثات الصوتية خدمة بسيطة من عشرات الخدمات الالكترونية الشخصية التي ستوفرها هذه الأجهزة في أي وقت وفي اي مكان من العالم. وباستطاعة اجهزة الهاتف - الانترنت من الجيل الثالث ان تبث وتستقبل المعلومات الرقمية والبيانات بسرعة تصل الى مليوني بث في الثانية، اسرع بخمس وثلاثين مرة من أسرع جهاز اتصال تقليدي للانترنت، وأسرع بمئتي مرة من أجهزة الهاتف الخليوية التي تعمل على نظام "WAP" Wileless Aerlication Protocol والتي تؤمن لمستخدميها قراءة البريد الالكتروني ومتابعة اسعار البورصات. وتتيح سرعة اتصال "الجيل الثالث" تصنيع اجهزة بحجم الجيب تتجاوز امكاناتها تلقي الرسائل الالكترونية والمحادثات الهاتفية الى نقل المؤتمرات المصورة، وبث الموسيقى والأغاني بنقاء الاسطوانات المدمجة وتخزين المعلومات الشخصية واسترجاعها وتنفيذ العمليات التجارية بمختلف أنواعها. ويقول نائب رئيس شركة "نوكيا" لقطاع التقنيات الجديدة ايدجونيف ان "الفوائد النهائية للجيل الثالث غير معروفة بالكامل بعد وكذلك التطبيقات والخدمات الممكنة عبره" ويرى ان "آفاق التقنية الجديدة لا تزال غامضة وللتذكير فان احداً لم يتوقع او يتحدث حتى عن البريد الالكتروني والانترنت عندما صنعت اجهزة الكومبيوتر الأولى". وعرضت "نوكيا" اجهزة هاتف - انترنت بتجريبية وهي شبيهة بأجهزة الهاتف الخليوية من حيث صغر حجمها ولكن طريقة استخدامها تختلف فهي لن توضع على الاذن بل ستحمل باليد وتلقن سلسلة التعليمات عبر ازرار صغيرة أو ملامسة شاشة العرض وبعض الأوامر الصوتية. وستعرض الشاشة عدداً من الايقونات لرزنامة المواعيد ودفتر العناوين والملفات المحفوظة ومعلومات اخرى متوافرة حالياً لمستخدمي أجهزة الكومبيوتر النقالة. وستسمح هذه الأجهزة بتصفح الانترنت بعد تعديل حجم صفحات المواقع لتتناسب والشاشة الملونة الصغيرة. كما ستسمح بمتابعة الاخبار العالمية مع صورها وتنفيذ عمليات البيع والشراء والاطلاع على الأرصدة المصرفية وأسعار الأسهم وحجم التداول والمشاركة بألعاب الكترونية مع لاعبين حول العالم في الوقت نفسه، كما ستتيح استقبال وارسال لقطات الفيديو وكأنها رسائل عادية بسرعة كبيرة. كما ستصبح التجارة المحمولة Mobile Commerce أو M-Commerce مصطلحاً شائعاً مع بدء العمل بجيل الهواتف الثالث. أما الميزة الأهم في أجهزة الجيل الثالث فهي من دون شك امكان تحديد موقع المستخدم في أي وقت يستخدم فيه الهاتف - الانترنت، الأمر الذي يتيح له الاستفادة من الخدمات المحلية في نطاق تواجده. مثلاً اذا كان مستخدم ما في احد شوارع بيروت سيرى على شاشاته رسائل تبلغه عن المطاعم والمتاجر وصالات السينما والعروض التي تقدم في الشارع نفسه. وكذلك سيصبح من السهل على أجهزة الشرطة تتبع السيارات المسروقة وملاحقتها في حال جهزت بوسائل بث من الجيل الثالث. وهنا تبرز مشكلة لا علاقة لها بتطور التقنيات بل بقضية الخصوصية الشخصية التي ستشكل أجهزة الجيل الثالث وخدماتها انتهاكاً حقيقياً لها. وعلى رغم عدم توافر هذه التقنية الجديدة بعد للمستهلكين بدأت شركات الخليوي وأجهزة الكومبيوتر سباقاً محموماً لنيل حصتها من أسواقها الموعودة، ودفعت الشهر الماضي شركة "فرانس تيليكوم" خمسين بليون يورو أي خمس الموازنة الفرنسية لشراء شركة "أورانج" البريطانية للهاتف الخليوي. ولم يبلغ الثمن المذكور هذا السقف الفلكي "بسبب عدد مشتركي الشركة، بل لأنها تملك ترخيصاً لإقامة محطة خليوية من الجيل الثالث في بريطانيا. وسيصبح اسم الشركة الجديدة بعد عملية البيع "نيو أورانج" وستكون في المرتبة الثانية أوروبياً بعد شركة "فودافون". ومن المتوقع أن يبلغ عدد المشتركين فيها نحو 30 مليون مشترك بحلول نهاية العام الجاري. وقال رئيس "فرانس تيليكوم" التنفيذي مايكل بون إن الشركة الجديدة خطوة أساسية لتحويل فرانس تيليكوم الى شركة رائدة في أوروبا والعالم". والمفارقة في صفقة فرانس تيليكوم - أورانج أنها وقعت في وقت تراجعت فيه أسعار أسهم الشركات الإلكترونية في البورصات العالمية بمعدل يتراوح بين 25 الى 40 في المئة. وأعلن وزير الاقتصاد الفرنسي لوران فابيوس الأسبوع الماضي وبعد أقل من أسبوعين على صفقة "أورانج" أن باريس قررت اختيار الأطراف المرشحة للفوز بامتياز من أصل أربعة امتيازات لخدمة الهاتف النقال المتعدد الوسائط. وسيدفع كل طرف يتم اختياره مبلغ 5،32 بليون فرنك فرنسي، نصفه الأول خلال العامين الأولين لتوقيع العقد أي في عامي 2001 و2002 والنصف المتبقي خلال السنوات ال13 التالية، على أن يمنح كل امتياز لمدة 15 عاماً. والقيمة الإجمالية للعقود الأربعة ستصل الى 130 بليون فرنك 8،19 بليون يورو أي أكثر ب13 ضعفاً من قيمة العائدات التي كانت متوقعة أساساً قبل ارتفاع كبير في الأسعار خلال المزاد العلني الذي نظم لمنح خمسة امتيازات لخدمة الهاتف النقال المتعدد الوسائط في بريطانيا شهر نيسان ابريل الماضي والذي در مبلغ 5،38 بليون يورو. ومن المتوقع أن يبدأ العمل بالجيل الجديد من الهواتف النقالة في العام 2002. وأعلنت الحكومة الألمانية بدورها ان 12 شركة من بينها شركة "MCI Worldcom" الأميركية ستشارك في مزاد لمنح ستة تراخيص لانشاء محطات لهواتف الجيل الثالث. وبالاضافة الى "MCI" تضم لائحة المشاركين موزاييكا من الشركات أبرزها "دويتش تيليكوم" الالمانية والتي نالت ترخيصاً في بريطانيا بعد شرائها شركة "وان تووان" البريطانية، وشركة "اي بلاس" الالمانية المملوكة لشركتي "رويال كي بي ان" الهولندية و"بل ساوث" الاميركية وأخيراً شركة "موبيل كوم" الألمانية الناشئة والتي تنافس "دويتش تيليكوم" وتتلقى دعماً مالياً وتسويقياً من "فرانس تيليكوم". وتخطط معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لاصدار تراخيص مماثلة العام المقبل، مما اثار نقاشاً أوروبياً حول مشروعية طرح التراخيص للبيع وحول امكان توزيعها مجاناً لتوسيع هامش المنافسة واعطاء فرص متساوية لشركات اصغر حجماً. لكن الحكومة الأوروبية اخذت بحجم عائدات مزادات "الجيل الثالث" وأصبحت تعتمدها بنداً رئيسياً لخفض العجز في موازناتها. ويؤكد محللو الاتصالات ان البلايين التي ستدفع ثمناً للتراخيص ستترجم ارتفاعاً في اسعار الخدمات الخليوية وقد تؤدي ايضاً الى افلاس بعض الشركات التي رسا على المزاد في حال أخطأت بحساب فوائدها المرجوة من التراخيص. ويتوقع المحللون ان تفوق اسعار الرخص في المانيا 82 مليون نسمة مثيلاتها في فرنسا 70 مليون نسمة وبريطانيا 60 مليون نسمة ومن المرجح ان يرتفع ثمنها الى أكثر من خمسين بليون دولار، خصوصاً وأن المانيا تعد سوقاً اساسية لأي شركة تسعى لنشر خدماتها الخليوية عبر اوروبا مثل "فرانس تيليكوم" و"دويتش تيليكوم" و"فودافون". وبالإضافة الى الشركات المذكورة دخل عدد من الشركات الأميركية سباق الإنترنت والمحمول وأعلنت شركة "اي بي أم" الأميركية أنها وقعت اتفاقات لم تكشف عن قيمتها مع ثمان شركات إنترنت لتزودها بالتقنية اللازمة لخدمات الإنترنت عبر الأجهزة المحمولة. وتأتي هذه الصفقات في إطار مسعى "اي بي ام" لتعزيز موقعها في عالم الاتصالات المتعددة الوظائف. ويقول نائب رئيس "اي بي أم" لشؤون الشبكة مارك هاني "إنه بغضون أعوام سينفذ أكثر من 60 في المئة من المعاملات التجارية على الشبكة الدولية عبر أجهزة لاسلكية مما يحول التجارة المحمولة mobile commerce الى سوق ضخمة تحفز الشركات على عرض خدماتها عبر الإنترنت". ولتعزيز موقعها في الأسواق المرتقبة وقعت شركة "موتورولا" الأميركية ثاني أكبر شركة تجهيزات هاتفية محمولة في العالم صفقة بقيمة 30 بليون دولار مدتها خمس سنوات مع شركة فلكسترونيكس" لإقامة مشاريع تصنيع مشتركة لأجهزة الهاتف الخليوية. وبدأت شركة "اراي كوم" الأميركية اختبارات عملية حول التقنية الجديدة. وأعلنت أنها ستؤمن لسكان مختارين في كاليفورنيا خدمة إنترنت لاسلكية للأجهزة المحمولة تبلغ سرعة نقل المعلومات خلالها ميغابيت في الثانية، ومن المتوقع أن يبدأ هذا الاختبار الصيف المقبل. وأوضحت الشركة أن كلفة خدمتها التجريبية ستكون مماثلة لخدمة الإنترنت العادية، على رغم أن سرعتها تفوق سرعة الخطوط التقليدية بأربعمئة ضعف. وستتيح خدمة "اراي كوم" تحميل الأغاني والأفلام التسجيلية والألعاب الإلكترونية عن الشبكة العالمية في سرعة فائقة. وبغض النظر عن فوائد الجيل الثالث تبقى عقبة أساسية تواجه المصنعين وهي اختلاف التطبيقات المستخدمة وعدم ملاءمة البرمجيات المتوافرة لنقل واستخدام المعلومات والصور التي تتيحها التقنية الجديدة. ولكن ذلك لا يعني ان الطلب على الأجهزة الخليوية سيتراجع. إذ جاء في دراسة لمؤسسة "تشانرز" ان عدد المشتركين في خدمات الهاتف المحمول سيصلون الى بليون مشترك في غضون أيلول سبتمبر العام 2002 وسيرتفع الرقم الى 87.1 بليون مع حلول العام 2004. منير الخطيب [email protected]