وكأن السوريين لم يصدّقوا إلا يوم امس ان الرئيس حافظ الاسد غادرهم الى الدنيا الآخرة بعد ثلاثين عاماً من حكم البلاد. وراحت اعداد الذين ينزلون الى الشوارع تزداد مع مرور الوقت. وكان السوريون بدأوا بالنزول الى ساحة الامويين فور اعلان نبأ غياب الاسد مساء اول من امس، وقيام مجلس الشعب بتعديل مادة في الدستور تسمح للعقيد الركن بشّار الاسد بالترشح للرئاسة. وبقي آلاف منهم يتجولون في شوارع دمشق هاتفين للرئيس الراحل ونجله "بالروح والدم نفديك يا بشّار". ولفّ المواطنون بيوتهم وسياراتهم بالوشاحات السود. وطبعت المؤسسات الحكومية صوراً للرئيس الراحل موشحة بالحداد، فيما اخذت مآذن المساجد والاذاعات المحلية تبث سوراً من القرآن الكريم، وطبعت الصحف الحكومية عناوينها بالاسود ونشرت صوراً عن حياة الراحل. وعنونت "تشرين" الرسمية عددها ب"رحل عظيم الأمة" وصحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم ب"الامة تثكل بابنها البار حافظ الاسد"، فيما اقتصرت صحيفة "الثورة" الحكومية على نشر صورة الراحل في صفحتها الاولى. واعلن الحداد العام وتنكيس الاعلام في البلاد والسفارات السورية في العالم مدة اربعين يوماً. وأُرجئت امتحانات المدارس الثانوية والاعدادية والجامعات حتى اشعار آخر. وأوقفت وزارة العدل المرافعات في كل محاكم سورية حتى الثلثاء "حداداً على عظيم الأمة"، وأغلقت المحلات التجارية والمطاعم والشوارع. وتزامن الحزن على الرئيس مع ظهور مسيرات تأييد للدكتور بشّار الاسد. فرُفعت صور الراحل ونجله. وهتف المواطنون شعارات مؤيدة لقرار البرلمان تعديل الدستور. وكان ما يحصل في دمشق مثالاً حياً لما حصل في المحافظات الاخرى. وقالت وكالة "فرانس برس" في تقرير لها من دمشق ان المواطنين تقاطروا بانتظام وعبر موجات متتابعة الى مبنى مستشفى الشامي الواقع في محيط مقر سكن الاسد. ولطمت نساء ارتدين ثياباً سوداء على صدورهن وغاب بعضهن عن الوعي. وهتف المتظاهرون "لا اله الا الله والاسد حبيب الله" و"بالروح بالدم نفديك يا بشار". وعزفت فرق تابعة للكشاف موسيقى الحزن. وطوقت عناصر من الحرس الجمهوري محيط المستشفى واضعين شعارت تحمل صور الاسد ونجليه بشار وباسل الذي توفي في حادث سير العام 1994. ورسم أحد المتظاهرين وشماً يمثل الرئيس الاسد ونجله باسل، في حين حمل آخر صورة كبيرة للرئيس الراحل يغطيها شريط اسود اللون. وجابت السيارات المتشحة بالسواد الطرقات رافعة صور الاسد ونجليه في حين وضعت سيارات الاجرة رايات سوداء. وكانت التظاهرات التي بدأت صباحاً لا تزال مستمرة بعد الظهر في دمشق والمدن السورية الاخرى. وفي الجولان السوري المحتل، اعلن نحو 18 الف سوري الحداد اربعين يوما على وفاة الرئيس السوري، فيما توقفت عجلة الحياة في البلدات الدرزية الى حين تنفيذ مراسم تشييع الرئيس الراحل. وتجمع نحو 10 الاف شخص امس في ساحة المسيرة وسط مجدل شمس، كبرى البلدات الدرزية في الجولان حيث اشاد الزعماء الدروز بالرئيس السوري الراحل واعلنوا انهم سيرسلون بعثة للمشاركة في مراسم تشييع الاسد. ورفعت الاعلام السوداء على مختلف مباني البلدة ونكست الاعلام السورية. واعلن الامين القطري المساعد لحزب "البعث" سليمان قداح ان المؤتمر القطري سيعقد في موعده المقرر في 17 الشهر الجاري. وقال: "على الرغم من الفاجعة الأليمة والمصاب الجلل الذي أصاب الوطن، فقد علّمنا القائد الراحل ان نمضي قدماً في عملنا وان نتابع مسيرتنا مكرّسين الجهد دائماً لشؤون الوطن والأمة". وقال رئيس مجلس الشعب السيد عبدالقادر قدورة ل"الحياة" ان المؤتمر سيعقد لمدة ثلاثة أيام وليس خمسة كما كان مقرراً وسيركز على "الحديث عن مناقب الاسد وانتخاب قيادة قطرية جديدة". ويتوقع مسؤولون سوريون ان يسفر المؤتمر عن انتخاب الدكتور بشار عضواً في القيادة القطرية تمهيداً لترشيحه للرئاسة. واقرار ذلك في البرلمان في 25 الجاري قبل عرضه على استفتاء عام في البلاد. وبدأ الدكتور بشّار تقبّل التعازي باسم سورية وعائلة الرئيس الراحل.