من يشتري النادي الافريقي؟ ذلك هو النداء الأخير الذي أطلقه كبار وحكماء نادي تونس الثاني بعد مشاورات ماراتونية استمرت أكثر من شهر. فالافريقي العريق لأكثر من ثماني عقود من التاريخ والرصيد المشرف بالألقاب والتتويجات و"جماهير من ذهب" لم تتخل عنه في أشد ساعات العسرة، لم يجد من يتحمل مسؤولية إدارته بعد "رحيل" الرئيس الحالي الشريف بالأمين. والسبب بسيط في ظاهره، فمهمة الرئاسة تمر عبر تحمل أعباء التصرف في ديون الموازنة التي تقدر بمليون و300 ألف دينار وتمثل اجمالي أهم الانتدابات المحلية للموسم الحالي للاعبين فاروق الطرابلسي وفريد شوسان ورياض الجلاصي من النجم الساحلي وطارق بن شرودة من مستقبل المرسي ب400 ألف دينار لكل لاعب. وقد أثارت هذه الانتدابات جدلاً واسعاً في العائلة "الافريقية" على اعتبار ان هؤلاء الشيوخ المتقدمين في السن لم يقدموا الاضافة التي ترتقي لأسعار الشراء العالية، بل ان بعض الألسن "الخبيثة" تحدثت عن صفقة فاسدة باع فيها عثمان جنيح رئيس النجم الساحلي "الهواء" للافريقي وتخلص بذكاء كبير من وجع الدماغ لديناصورات وقفوا حجر عثرة أمام الشبيبة الصاعدة وأرهقوا موازنة النخبة الحمراء بدلالهم المفرط. وفي المحصلة لم يربح الافريقي شيئاً، فقد اكتفى بوسط الترتيب في الدوري وعرف هزيمة نكراء أمام الترجي برباعية وغادر كأس الاتحاد الافريقي في أدوارها الأولى. ويبدو أن هنالك تشابهاً كبيراً بين بورصة وأسواق المال لاقتصادات البلدان "الصاعدة" وبورصة اللاعبين في تونس في أول دوري محترف من حيث ظواهر التضخم الحاد في أسعار اللاعبين الذي لا يعكس قيمتهم الحقيقية، والمزايدات الكبيرة التي تسبق عملية الشراء والصفقات الفاسدة لأصول وهمية بالاضافة الى تحكم الكبار في الرصيد البشري للمؤسسات الصغرى. فالنادي الأفريقي لم يقع وحيداً في مصيدة الصفقات الفاسدة للاعب وليد العبدلي الذي اشتراه النادي الصفاقسي من الترجي التونسي ب180 ألف دينار، ولم يلعب طوال الموسم سوى ساعات معدودات ما بين اقصاءات وعلاج من إصابات واستعدادات للزواج في الصيف المقبل. وبيع العيادي الحمروني لاعب الترجي ونجمه في نهاية التسعينات، وبعد مغامرة محدودة في المملكة العربية السعودية، للأولمبي للنقل بما يعادل 100 ألف دينار بحسب ما راج في الكواليس لم يلعب سوى مباراة يتيمة مع الأولمبي ليقع بعدها الطلاق بالتراضي ويغنم الحمروني نصيبه من الصفقة... وربما كانت قائمة هذه الصفقات الفاسدة طويلة ولكن ما يميزها أن البائعين هم دوماً الترجي والنجم الساحلي والمشترين المحتملين بقية الأندية ما يبرز دهاء رئيسي النجم والترجي وقدرتهما الكبيرة على تسويق "البيض الفاسد" في طبق من ذهب. وبكل المقاييس يعتبر انتقال اللاعب أمير المقدمي من مستقبل المرسي الى النجم الساحلي أعلى صفقة انتقال محلية في الدوري الحالي حيث بلغت 325 الف دينار رسمياً وإذا أضفنا لها الامتيازات كانت في حدود نصف مليون دينار. وتراوحت أسعار انتقال اللاعبين محلياً ما بين 100 ألف و150 ألف دينار في المعدل، وعادة ما يقع اقتسام ايرادات الصفقة بين النادي واللاعب مناصفة "نظراً للخدمات الجليلة واعترافاً له بالجميل". ويجمع كل المراقبين أن أسعار هذه الصفقات لا تعكس إطلاقاً القيمة الحقيقية للاعبين المحليين حالياً، وإن التضخم الحاد يغلب عليها وربما عُدّ ذلك طبيعياً في سوق في بدايتها وما زالت تبعث على الاحترافية في أركانها الحقيقية. وإذ يعتبر النجم الساحلي والترجي التونسي أكثر الأندية شراء للاعبين المحليين حتى وإن غلا ثمنهم فإن الاستفادة منهم كانت جيدة حيث حصّل الترجي على بطولة الدوري والنجم الساحلي على وصافته وتوج بكأس الكونفدرالية الافريقية. ولعل أطرف ما في بورصة اللاعبين في تونس لأول دوري محترف هو عملية التفقير التي قامت بها الأندية الكبرى لشقيقاتها الصغرى، فمحمد الضوافي اللاعب المحوري للنادي البنزرتي غادره الى الترجي بحثاً عن المال والشهرة ووجد البنزرتي نفسه في وضعية حرجة. كما "سرق" الترجي مراد الشابي من الأولمبي الباجي من قبل... وفي الموسم الحالي خطف مراد المالكي من النادي نفسه ليسيطر بذلك الكبار على التتويجات والألقاب وبورصة اللاعبين... ويكتفي البقية بالبيض الفاسد والأوهام.