أعلن أمس في سوسة، جوهرة الساحل التونسي، عن انتقال لاعب الصفاقسي الليبي طارق التايب للعب مع النجم الساحلي بمبلغ 500 ألف دينار، إثر موسم ممتاز في الصفاقسي ومشكلات عدة مع ابن المدينة المدلل اسكندر السويح انتهت بانسحاب التايب وبحسرة كبيرة لدى أهالي صفاقس على رغم انهم لم يدفعوا مليماً واحداً في هذه الطاقة الكروية العربية الشابة. والواقع ان التايب لم ينتقل سوى 150 كلم، المسافة الفاصلة بين المدينتين الساحليتين، ويبدو ان مسيرته التي انطلقت من مدينة بنغازي ستتواصل نحو افق أرحب بعد أن كانت تونس جسره للعبور الى عالم الشهرة والنجومية. ومن تونس، عرفت كذلك مجموعة من النجوم الكروية انطلاقتها والدخول في عالم الاحتراف في البطولات الأوروبية. فالمهاجم التوغولي عبدالقادر كوبادجا جاء إلى مدينة الجلاء بنزرت نكرة وبقي طويلاً على مقاعد الاحتياط قبل ان ينتقل إلى نادي بارما الايطالي، وكذلك زميله المدافع شنغابي. وبين كوبادجا والبنزرتي قصة طويلة كمسلسل مكسيكي من 130 حلقة فيه كل عوامل الإثارة: لقاء وعِشرة وهروب وأخيراً حصول البنزرتي على تعويض لم يتجاوز 250 ألف دينار وتجهيزات رياضية لا تسمن ولا تغني من جوع. كما أصبح لاعب النجم الساحلي السابق جوزيه كلايتون من الأسماء اللامعة في الدوري الفرنسي نادي باستيا، ومع انه برازيلي الاصل فقد حصل على الجنسية التونسية وصار دولياً... وخرج أيضاً المهاجر المغربي كاماتشو عبدالجليل حدا من النادي الافريقي بشهادة الامتياز بعد مواسم مثيرة، وسبق هؤلاء إلى عالم الأضواء مدافع الافريقي سابقاً سالو تاجو ومواطنه وادجا لانتام. أما محمد خان فقد جاء إلى تونس ولعب في دوري الدرجة الثانية في نادي قرمبالية الرياضي بمبلغ زهيد قبل أن ترتفع أسهمه في بورصة الاحتراف. وتُعرف تونس منذ القِدم كملتقى للحضارات ومحور للتبادل التجاري والثقافي بين الشرق والغرب، بحكم موقعها الاستراتيجي وقربها من أوروبا، وهي همزة وصل بين ضفتي المتوسط. ويبدو ان الفاعلين الرياضيين مثل "زملائهم" الاقتصاديين، فهموا هذه المعادلة. فرؤساء الأندية واللاعبون الافارقة والسماسرة يديرون في ما بينهم اللعبة جيداً، واللاعب المغمور يحلم بأوروبا ويرضى بالقليل في انتظار بطاقة العبور نحو الأضواء والشهرة، ورؤساء الأندية يقبلون بالمغامرة التي ستدر أموالاً طائلة عند البيع، إن لم تكن كلها فمن خلال جزئها. وبالطبع، فإن السماسرة "داخلون في الربح، خارجون من الخسارة دوماً". وتسمح التشريعات في تونس بانتداب 3 لاعبين أجانب على أن يستخدم في الملعب اثنين فقط، ومنذ بداية تجربة الأجانب في بداية التسعينات كان يسمح بانتداب الحراس، ولمع خصوصاً الحارس الشيخ ساك الذي حرس شباك الترجي قبل أن يقفل هذا الباب. واصبحت لدى الأندية التونسية تقاليد في التعامل مع سوق الاحتراف الأجنبية. وعلى رغم ذلك، فإن أغلبية الأجانب عادة ما يكونون بقايا فتات الأندية الأوروبية في السوق الافريقية. والترجي الرياضي تعود على التعامل مع الأفارقة، حيث بدأ بانتداب الهداف البوركيني زيكو ثم الزامبي ماليتولي الذي حصل على تاج الهدافين سنة 1993 مناصفة مع عبدالقادر بلحسن 18 هدفاً، ثم حافظ على هذا اللقب سنة 1994، كما حصد هذا الهداف مع ناديه ألقاب عدة محلية وقارية. ودعم الترجي تعامله مع السوق الافريقي بانتدابه خلال الموسم الماضي الثلاثي انزولولو واغوي واوكولوزي الذي غادره حالياً وربما حل في حديقة منافسه الأول النادي الافريقي. وبدأ الترجي في تجربة جديدة عبر انتداب اللاعبين الصغار وتكوينهم في مركزه لتكوين الشبان، وقد انتدب لهذا الموسم الاولمبي النيجيري جوليوس 20 سنة. ولا يزال النادي الافريقي يحتفظ في ذاكرته بأحلى الانطباعات عن المدافع الجزائري فضيل مغاريا. ويبدو ان النادي ذو منحى عروبي حيث سبق وانتدب سعيد بوطالب وعمروش من الجزائر والعراقي سعد عبدالحميد، وعندما أراد تنويع انتداباته لم يحصد سوء الخيبات من خلال ميهالي توث وايغور وباهوما المغادرين للنادي في هذا الموسم. وهناك حديث عن انتدابات مهمة، لكن ذلك لن يتجاوز مقاهي باب الجديد وحديقة "منير القبايلي"... فالانتدابات المحلية تجاوزت الحدود المرسومة مالياً بكثير. أما النجم الساحلي، فهو يعشق الرقص على أنغام سامبا، حيث انتدب لوبيز وسيبيرو واسماعيل بيريرا وكلايتون. وهذا التوجه دعم في مطلع الموسم الماضي ببطل الهدافين سيلفا دي سانتوس البرازيلي. وبين الأقلية من النجوم التي لمعت في سماء تونس، في انتظار الأضواء والشهرة والأموال من الأندية الأوروبية وبقية الفتات الذي لم يقدم أي إضافة سوى ارهاق موازنة الأندية واعصاب الأحباء، يبقى التساؤل المطروح: إلى متى يتواصل العجز "التجاري"؟ وإلى متى تستورد تونس ولا تصدر سوى قلة تعود في نهاية الموسم؟