إذا ثبتت صحة مزاعم رجل الأمن الايراني المنشق أحمد بهبهاني من ان ايران موّلت ونظمت عملية تفجير الطائرة الاميركية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في 21 كانون الأول ديسمبر 1988، فالأرجح ان يفضي ذلك الى نتائج وانعكاسات لافتة لا على صعىد محاكمة لوكربي فحسب، بل على صعد اخرى منها عودة ملف ارهاب الدول الى الصدارة بعد سنوات من تبريده. من دون شك، لا يعني هذا الكلام ان مزاعم بهبهاني الموجود حالياً رهن التحقيق في سجن تركي، تحمل بالضرورة كثيراً من الواقعية. فإضافة الى ما لفت اليه محققون اميركيون في شأن وجود ثغرات في روايته، رأى ايرانيون مطلعون ان احمد بهبهاني اسم مختلق كما أسماء غالبية عناصر ومسؤولي اجهزة الأمن والاستخبارات في ايران. وان الرجل الذي عرّف نفسه في تركيا بأنه بهبهاني، لم يعمل على الإطلاق في جهاز الأمن الخارجي، بل عمل مساعداً لمدير دائرة الأمن الداخلي. كائنة ما كانت التقديرات، فالمؤكد ان التفاصيل تظل ثانوية ما دام الرجل قد عاش في قلب الجهاز الأمني في بلد يفسح المجال واسعاً أمام اجهزة الأمن والاستخبارات كي تتدخل في كل كبيرة وصغيرة. ويظل مهماً، في المقابل، توقع تطورات وانعكاسات لاحقة في حال ثبوت نسبة، ولو ضئيلة، من أقوال الرجل على رغم ان ايران الحالية بلد معقد تختلط فيه الحقائق بالأكاذيب ايما اختلاط. ولا أدل على هذا من الاشارة الى انه بينما كان بهبهاني يدلي بأقواله أمام ضباط اميركيين وأتراك، كانت ظهران تشهد انتشار شريط فيديو ضم اعترافات أحد زعماء حزب الله الايراني حيث أماط اللثام عن تحريض كبار علماء التيار المحافظ عناصرَ حزبه على اغتيال الرئيس محمد خاتمي وعدد من وزرائه ومساعديه. قد يصح القول ان هروب بهبهاني وأقواله واتهامه ايران باقتراف لوربي أمور ذات صلة بالصراعات الداخلية. كذلك تصح الاشارة الى امكان ان تكون منظمة مجاهدي خلق وراء استدراجه الى تركيا ليدلي بتصريحات الهدف منها إيذاء النظام الايراني الحاكم. وأخيراً قد يصح وصف الرجل بأنه أفّاق يبحث عن ملاذ للجوء عن طريق بيع التلفيقات الكلامية. لكن مع هذا كله، يبقى ان الرجل ربما كان لديه ما يقوله رغم الفجوات في معلوماته. ولا أدل على ذلك من الاشارة الى ان تركيا بدأت حملة ناجحة ودقيقة ضد خلايا حزب الله التركي ومخابئ أسلحتهم بعد وصول بهبهاني اليها قبل بضعة اشهر. بل ان المسؤولين الاتراك لم يترددوا في حينه في توجيه اتهامات الى ايران بدعم حزب الله سراً. في هذا الاطار، يمكن الترجيح ان التحقيقات ونتائجها وتفاصيلها، قد تضع جهات عدة أمام حرج بالغ: فقد تجد نفسها ادارة الرئيس بيل كلينتون وفي عدادها نائب الرئيس الحالي ومرشح الحزب الديموقراطي للانتخابات الرئاسية آل غور، اكثر الجهات شعوراً بالحرج على رغم ان الرئيس الاميركي لم تعد أمامه سوى أشهر معدودة في الحكم. ووجه الحرج في حال ثبوت التهمة على ايران وأطراف أخرى، ان الادارة الاميركية الحالية ستكون معرّضة لانتقادات داخلية هائلة من مناوئيها الجمهوريين مفادها العجز عن ملاحقة الارهاب وتحديد مصادره ودوله الراعية. وما يشير الى هذا كله ان هيئة اميركية مختصة بمكافحة الارهاب تابعة للكونغرس اصدرت بعد يوم واحد على بث شبكة سي.بي.اس الاميركية مزاعم بهبهاني، تقريراً اتهمت فيه ادارة كلينتون بالتلكؤ في متابعة ملف تفجير الخُبر في 1996، وتجنب ملاحقة الارهاب، الايراني بالذات. الى ذلك تجد الولاياتالمتحدة نفسها في حرج آخر مؤداه كيفية التعامل مع طهران. فواشنطن التي انتهجت سياسة مرنة وسلسة تجاهها قد تشعر بصعوبة احداث تحول سريع في سياستها هذه. وتشعر ايضاً بصعوبة اكبر في اختيار ردها على ايران التي يقودها الآن رئيس اصلاحي وبرلمان مؤيد لسياساته الانفتاحية. ثم ان التشدد في هذه الفترة الحساسة قد يلحق أضراراً فادحة بخاتمي ويقوّي مواقع مناوئيه. وهذا في وقت قد لا يلقى فيه التشدد ضد ايران دعماً خارجياً، أوروبياً وخليجياً. ثم ان طبيعة ايران الداخلية تجعل من الصعوبة اختيار من يمكن ان يوجه اليه الاتهام: ايران كدولة ونظام وحكومة؟ أم أفراد بعينهم كانوا في مواقع المسؤولية في فترة حدوث لوكربي وبقية العمليات الارهابية؟ كذلك قد تشعر أطراف اخرى بحرج غير قليل في حال ثبوت صحة أقوال بهبهاني، ومنها سورية التي تؤوي الزعيم الفلسطيني المتشدد أحمد جبريل. ووجه الحرج ان التحقيقات اذا اثبتت ضلوع جبريل، رغم نفيه اية صلة ببهبهاني، فالأرجح ان تنحشر سورية في زاوية أضيق بكثير من التي حشرتها فيها تركيا إبان اتهامها لها بإيواء عبدالله أوجلان. واذا كان ثمن ايواء الأخير اضطرار دمشق الى توقيع اتفاقية أمنية مع انقرة تم بموجبها اخراج أوجلان الى ساحة مكشوفة، أفلا يمكن ان يكون الثمن الذي ستدفعه سورية مقابل إيواء جبريل أغلى من ثمن أوجلان؟ أما ليبيا التي تشعر الآن انها أصبحت قريبة من يوم الخلاص من كابوس لوكربي، بعد تردد اسماء اخرى الى جانب اسم ضابطيها، فإنها تحس بدورها بحرج مضاعف نتيجة ما هو منسوب الى بهبهاني من ان عدداً من الليبيين أُدخلوا الى ايران للتدريب على أعمال تخريبية ضد المصالح الاميركية. والأهم ان البعض لم يعد يخفي التلويح بالتحالف العميق والحميم بين ايران وسورية وليبيا في ميادين معينة في الثمانينات. لكن مع هذا كله، يظل الوقت مبكراً لحسبة الآثار السياسية لأقوال بهبهاني على رغم ان المحكمة الاسكتلندية الخاصة في هولندا اقيمت على نحو يتسع لمحاكمة أكثر من شخصين.